د. عصام العريان دبلوماسي الإخوان

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
كتب : سعود أبو محفوظ

واخيرا ترجل الفارس بعد نصف قرن من العطاء في مختلف الميادين التي عرفته فارسا اعاد للاسلام حضوره في الكليات، والجامعات، والجوامع، والنقابات، والهئيات، والبرلمان، والسياسة، وانطلق به الى آفاق الارض في الموتمرات، والندوات، والملتقيات، والتحالفات، والائتلافات يتحدث بلسان طلق، معبرا عن الفكرة الإسلامية، بلغة سياسية، ومصطلحات عصرية، وصدقية تجمع ولا تفرق، تؤلف ولا تمزق، فكان بحق دبلوماسي الاخوان لدى الجميع من الكنيسة الى الازهر، ومن اليسار الى القوميين، بل كان عضوا في المؤتمر القومي العربي، ومؤسسا في المؤتمر الاسلامي القومي وان قفز اكثرهم الى الضد، متوهمين انهم الاقرب الى ثوابتهم، وضنوا عليه ولو بالتعزية بعد وفاته في السجون الظالمة، التي حبست حريته لالاف الليالي في كل الحقب، طيلة العقود الخمسة الماضية.

رحل الدكتور محمد عصام الدين محمد حسين محمد حسين العريان، الثائر، والداعية، والخطيب، والعابد، والزاهد، والاعلامي، والاصلاحي، والنهضوي، والتربوي، والدعوي، والنقابي، والبرلماني، والسياسي، والكاتب، والاديب الذي صعد درجات السلم الطلابي في السبعينات، ومأسس للعمل الطلابي الاسلامي بعد طول انقطاع قاهر، ثم ماسس للعمل النقابي الاسلامي وابدع فيه وتسلم مواقع قيادية عليا عديدة، ثم العمل التنظيمي والقيادي فيه، فالعمل الحزبي، والبرلماني حيث كان الاصغر بين اعضائه، والعمل السياسي قبل وبعد الثورة وان لم يتسلم منصبا رسميا، لقد كان بحق دبلوماسي الاخوان ومدخلهم الى الاخرين من علماء، وسياسيين، وحراكيين، وحزبيين، بسمته صادقه، ودائمه، وقائمة، وطلته الاعلامية مؤثرة وثرية، وأصالته الشخصية عميقة وعريقة، وقائمة على ملكات شخصية، وقدرات علمية، وشهادات اكاديمية في الباثولوجيا الاكلينيكية، والشريعة والقانون، والتاريخ، واجازة في القران، فكان شخوصا في شخص، وعقولا في راس واحد، فتراه قرانيا بين السياسيين، وسياسيا بين الشيوخ، وبرلمانيا بين الدعاة، وعالما بين البرلمانيين، فلفت الانتباه باكرا الى هذه الخامة الاستثنائية التي صهرت في بوتقه التربية الاخوانية، المضخمة بالوطنية الصادقة، والتدين المخلص.

عصام العريان قامة اخوانية معروفة على امتداد الامه، حيث كان شعلة من النشاط، ومشعلا في التنوير، ومدرسة في الالتزام والانتظام، وكان موصوفا بحنكته في التعامل، وصلابته في الموقف، وشدة في الورع، مع لطف في التعاطي الذي يتجاوز التسامح الى التصافح، فكان مصفاحا بحق، ورغم كثرة انشغالاته، وتعدد وتنوع واجباته، عرف بتعظيمه للصلاة في وقتها، وتميز بالزهد والبساطة، لذلك ألفه الجميع وكان مبدعا في الاتصال والتواصل، والمقاربات الوطنية مع كل الوان الطيف، لابل كان له الدور الاهم في اخلاء العديد من الدوائر مرارا لصالح بعض القوميين، ممن تناسوا الفضل والوداد وتمنوا الخلاص من كل هذا الفكر الذي ينتمي اليه عصام العريان، مع انه التيار الاصيل الذي قدم جيوشا من الشهداء طيلة قرن الا قليلا، ومعهم فيالق من المعتقلين من خيرة الكفاءات المهنية، وصفوة النخبة العلمائية، ممن لم تثنهم السجون عن قول الحق، والتمسك بحرية اوطانهم المصادرة، وحقوق شعوبهم المسفوحةعلى ايدي طارئين مفروضين.

لم يحصل منذ العهد النبوي الشريف ان شريحة من المسلمين صبرت مثل هذا الصبر على الايذاء والاقصاء، والمبالغة في البطش طيلة قرن كامل، ومع ذلك بقيت تعمل لبسط الرداء لكل بنى وطنها، بنفس رضية لايضرها من خالفها، لانها جماعة من المسلمين آمنت بربها ودينها وكتابها ورسولها، فلك الله يا دعوة الخالدين.

ان قوة الاخوان المسلمين هي في هذه النماذج التي تربت على الإسلام، وفي هذه القدوات التي استحلت آفاويق العطاء حتى آخر نفس، انهم بحق قادة مجموع الشعب المصري العظيم، يشكل واحدهم مروحة شغل، ومكوك حركة، وماكنة انتاج، ودينامو بعث، وايقاظ، وانهاض، واستنهاض، لذلك أكلت السجون من اجسادهم، واستهلكت اعمارهم، لانه يراد لمصر ان تبقى خارج المسار المرغوب والمطلوب.

غادر عصام العريان تاركا خلفه عشرات الالوف من خيرة العقول نهبا لكورونا، وفريسة للتعذيب الانتقامي الغرائزي غير المسبوق، غادر عصام العريان بسرعة “لان كفاءه المرء عبء عليه” وغادر بسرعة كضحية اخرى من ضحايا الخلاص المنهجي المتدرج من قيادات الاخوان لتجريد مصر من جيل كامل من القيادات الاسلامية، التي ضنوا عليها بمجرد حقوق الجنازة والميت، فالمتحكمون يقتلون، ويكفنون، ويدفنون، ويتقبلون العزاء نيابة عن اهل الفقيد!!!

سمعت بالمرحوم في السبعينات، وقرات عنه حتى في الصحف الغربية في الثمانينات، والتقيته في الاردن ثم في احد المؤتمرات الشبابية في اريزونا عام 1991م، وعلى الهامش كانت امسية له فيهامداخلة سياسية رصينة حول حرب الخليج، والتفت الي قائلا هل يعجب هذا الاردنيين؟ فأشرت برأسي موافقا، وقد كنت عضوا في شورى الاخوان المسلمين في الاردن حينئذ، ورأيته في ملتقيات اسلامية، وقومية في دول مختلفه، وزرته في بيته، وسافرت معه،وفي احد زياراته لبلادنا استضفته مرة في رحلة طويلة الى الاثار الاسلامية الاموية في مادبا فسر بذلك كثيرا، في كل مرةوجدته طبقا للموصوف اعلاه واكثر، وما بهرني هو وضعه للمقدسات والمسجد الاقصى وفلسطين في رأس هرم اهتماماتة في كل حين وان، وكسياسي كانت له اجتهاداته فأصاب واخطأ، لكنه كان نعم المواطن الصادق، والاخ الملتزم، والقائد الغيور، والزعيم الفذ، رحمه الله رحمة واسعة، ورفع درجاته، واكرم نزله، وعظم الله آجر مصر فيه، وانا لله وانا اليه راجعون.

اكتب تعليقك على المقال :