تمهيد: الحُمولة الفلسفية في الخبر وفهمه:
الخبر نفسه هو حدث، لا يختلِف الناس في صورته، ولكن آفة الأخبار رواتها، فالقنوات الفضائية لا تخلوا من الحمولة الفكرية والفلسفية التي ستوظف الخبر، لصالح من دفعوا الملايين على تلك القنوات، فلا يمكن لتلك القنوات عزل حمولتها الفلسفية والفكرية والتوجهات السياسية في طريقة تناول الخبر وتحليله ونشره، بل طريقة نقل الحدث ستُخضِع الحدث لما يخدم مصالحها، وبما أن الفلسفة الإعلامية في الفكر اللاديني تؤمن بتقديس المنفعة الدنيوية الزائلة، التي تصل إلى حد تلفيق الأخبار، واختراعها، في حربها على الخصوم واتباع أسلوب الحرب على الرموز في المخالفين، فإننا نحتاج إلى بحث علمي قادر على كشف هذا التلفيق والتضليل.
أولا: الإعلام وعلم الحديث كلاهما في نقل الخبر (تقارب في الموضوع):
بالرغم من أن علم مصطلح الحديث عُني بشكل أساسي في ضبط نقل الخبر بقواعد عقلية دقيقة للتأكد من صحة النقل عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، إلا أن المسلمين اليوم يخضَعون إلى استبداد الفكر اللاديني بالعقل الإنساني في رسم طريقة تلقي الخبر في الإعلام وطريقة معالجته ونقله، هذا يحصل في ظل غيبة واضحة لأئمة في الحديث والأصول، قادرين على إحداث نقلة نوعية في طريقة تلقي الخبر في الإعلام، واشتقاق منهجية واضحة في وضع حد للشعوذة الإعلامية الخادمة للقوة الغاشمة، والتي تعمل على إدامة الأزمات وافتعال الحروب وعدم الاستقرار في العالم الإسلامي.
ثانيا: نماذج على التهريب الثقافي في الإعلام:
1- تسمية الحرب على الأمة بأنها حرب طائفية:
من أمثلة ذلك تصوير الفكر اللاديني عبر سطوته الإعلامية أن الحرب المُمَنْهجة على الأمة من قِبل الطوائف الباطنية بالتواطؤ مع الغزو الخارجي أنها حرب طائفية، واختُزِلت الأمة التي تربو على المليار من طنجة إلى جاكرتا في طائفة، بينما هذه الطوائف الشاذة هي المنشقة عن الأمة أصلا، وأن حربها على الأمة خيانة للأمة، وليست حربا طائفية، وهذه الحرب شكل من أشكال الخيانة العظمى للأمة، وكان على علماء الحديث أن يبينوا للمسلمين الحمُولة الفلسفة الخطيرة للإعلام في الفكر اللاديني، الذي يعمل على إدامة الأزمات وإظهار الأمة ودينها على أنه جزء من المشكلة، واتهامها بالإرهاب، ثم تأتي طائفة اللادينيين بالحَلّ حسب عقيدة هذه الطائفة، وهو التخلي عن مرجعية الإسلام، وفرض نموذج الفكر اللاديني القائم على عدم المبالاة بالدين، على المجتمع الإسلامي، وتهريب هذه العداوة للإسلام في زجاجات التسامح الديني، دون أي رقابة من أهل الحديث، الذين يمكن يبينوا المقابل الإسلامي، وهو العدل والإحسان.
2- التواطؤ مع الأقليات الباطنية لمحاربة الأمة:
لا يكتفي الفكر اللاديني بعدم المبالاة بالدين، بل تجد أن الفكر اللاديني يلتمس كل عذر للطوائف الباطنية في طعنها في رموز هذه الأمة ودينها، ويعتبر ذلك ضَربا من حرية الأقليات في التعبير، وأثناء إبادة الأكثرية من أبناء هذه الأمة، على يد الطوائف الباطنية يتساءل الفكر اللاديني أين حقوق الأقليات؟! بينما تعتبر طائفة اللادنيين كشف علماء السنة لعقائد هذه الطوائف الباطينة، وموقفها العقَدي الدموي من هذه الأمة ودينها، بالطرق العلمية الموضوعية من خلال المصادر المعتمدة للطوائف الباطنية، فإن طائفة اللادينيين تتهم علماء السنة بأنهم يثيرون النعرات والطائفية في المجتمع، وهذا يوضح بجلاء أن الفكر اللاديني يؤدي دورا وظيفيا هو الحرب على هذه الأمة، بصرف النظر عمن يحاربها فهو في صف كل من يحارب الإسلام والمسلمين.
3- طائفة اللادينيين وتفتيت المجتمع الإسلامي:
أ-ورَّطت هذه الطائفة المسلمين في حروب قومية طويلة المدى، فأثارت النعرة القومية العربية لفصل العرب عن المسلمين، ثم نشبت حروب وصراعات في المجتمع الإسلامي على أسس عرقية، فحرب العرب مع الأكراد والأمازيغ، والتركمان، وبقية الأعراق الإسلامية، بينما في الوقت نفسه تتستر هذه الطائفة على الشيعة العرب في جرائمهم ضد المجتمعات الإسلامية، وتنشر الخبر على أن الصراع هو مع الفرس والتشيع الصفوي وهو صناعة عرب جبل عامل في جنوب لبنان، هذا مع العلم بأن العقيدة الباطنية هي المحرك في العداوة الدموية لهذه الأمة، وما يجري من قتل بشع للأبرياء نساء وأطفالا هو تطبيق عملي لهذه العقيدة المكتوبة منذ قرون، بصرف النظر عن قومية حامل هذا النوع من المرض الفكري.
ب- هذا مع أن التشيع الصفوي هو صناعة أحبار الشيعة العرب أصلا، والفكر القومي اللاديني يريد أن يجعل –كعادته- الصراع عربيا فارسيا ، ولكنه نسي أن من أئمة الإسلام والسنة هم من الفُرس، وأن لنا أهلا من الفرس هم إخواننا، ولكن الفكر القومي اللاديني يريد أن يحول الحرب على الأمة (أهل السنة والجماعة) على أنها حرب قومية بين الفرس والعرب، كما سبق وفعل ذلك بين العرب والأكراد والأمازيغ، كل ذلك بسبب غيبة علوم الشريعة في مجال التحليل للخبر، وكشف حمولته الفلسفية الثقيلة، التي تدخل في عقول المسلمين، وتؤدي إلى تشتيتهم وتناثرهم من حول نبيهم -صلى الله عليه وسلم، وإشاعة الصراع بينهم لتفتيت المجتمعات الإسلامية وتفكيكها، وتحويلها إلى حارات متصارعة.
ثالثا: علم الحديث الشريف ضرروي لمكافحة التهريب الثقافي:
كل هذا يحدث أثناء حالة من البحث التقليدي الذي يعيشه علم الحديث، ولم يدخل هذا العلم للحراثة في أراضي الإعلام البُور، ونجد أن الدراسة الحديثية لا تناقش الحُمولة الفلسفية الخطيرة للخبر في الفلسلفة الإعلامية الغربية، على النحو الذي ناقش فيه علماء الحديث رواية المبتدع، ومدى إمكانية تأثير تلك البدعة في روايته أم لا، وهل هو داع لها أم لا، وعلى فرض أنه داع لهذه البدعة، فهل منهج التمحيص يتوقف؟ أم أنه يمتد إلى تحقيق المرويّ وتحليله؟ وكشف مدى تأثره بأهواء وأمزجة المبتدعة والمحرفين في الدين؟ وكيف يمكن لعلم الحديث اليوم أن يشتق قواعد حديثية لمكافحة التضليل الإعلامي والتهريب الثقافي في وسائل الإعلام لأفكار لها ضررها على استقرار المجتمع الإسلامي، وتقوم باستفزاز المسلمين في مشاعرهم بحجة حرية الرأي والتعبير في الفكر اللاديني.
رابعا: أخبارٌ ولا بُخَارِيَّ لها!
وليس الإعلام اليوم إلا ناقلا للخبر، والخبر فيه وجهة نظر ناقليه وفلسفتهم، وهذا يحتاج إلى بخاريٍّ جديد، ودارقُطنيٍّ محقق، في ظل نقل أخبار كتبها دهاقنة الإعلام، ولها دورها في الإضرار بالمجتمعات الإسلامية، وتهديد استقرارها، خصوصا في ظل استفزازات مستمرة من المثقفين الهَمَل الذين يسخرون علانية في فضاء الإعلام من دُور القرآن الكريم ومنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنحن نحتاج إلى دليل إرشادي للمسلمين في كيفية التعامل مع مرويات المثقفين الهَمَل، بما يحفظ الاستقرار الاجتماعي، وبيان كيف استطاع النبي صلى الله عليه وسلم إطفاء المنافقين بحكمة، ولا يختلف المثقفون الهمل اليوم عن أسلافهم.
خامسا: ماذا ننتظر من ساداتنا علماء الحديث:
ننتظر من علماء الحديث خصوصا وعلماء الأمة عموما وضع إطار إسلامي في رواية الخبر ونقله، وصياغة أسس عامة، تكون وثيقة بينة لكل مسلم في تلقي الخبر وروايته، وقد اقترحت بعض الأسئلة لتوضيح هذه الفكرة:
1-كيف يميز المسلم العامي بين الحدث، وبين الحمولة (الفلسلفية له كشف طريقة لبس الحق بالباطل).
2-على فرض أن الناقل ملوّث بالعداء للإسلام والمسلمين، كيف يتم التعامل مع خبره وروايته؟
3-ما ضوابط تمرير الرسائل ونشرها في مواقع التواصل (وضع دليل إرشادي لتلقي الخبر ونشره في مواقع التواصل).
4-ما مدى صحة فعل بعض الدعاة والمصلحين في تمرير مقولات تخدش العقيدة الإسلامية؟ ولا تُعرف تلك المقولات إلا عن طريق الدعاة والمصلحين.
5-ما دور علم الحديث في مكافحة التضليل الإعلامي؟
ا