حققت كتلة الوفاء الإسلامية (المحسوبة على حماس) فوزاً تاريخياً في انتخابات مجلس الطلاب لجامعة بيرزيت التي عُقدت في 18 أيار/ مايو 2022، حيث حصلت على 28 مقعداً من أصل 51 مقعداً، بينما حصلت كتلة ياسر عرفات التابعة لفتح على 18 مقعداً، والقطب الطلابي التابع للجبهة الشعبية على خمسة مقاعد. وكان لافتاً أن الكتلة الإسلامية حصلت على 53.1 في المائة من أعداد المحتَسَبة في التصويت مقابل 35.4 في المائة للشبيبة الفتحاوية.
بالرغم من أنه ليس الفوز الأول للكتلة الإسلامية، إلا أنه الفوز النوعي الأكبر. فقد سبق للكتلة الإسلامية في بيرزيت أن فازت لأول مرة بالتحالف مع قوى اليسار سنة 1993، وفي الفترة 1996-2007 فازت سبع مرات من أصل تسعة انتخابات، بينما فازت شبيبة فتح مرتين. وفي الفترة 2014-2020، فازت الكتلة الإسلامية أربع مرات، وفازت فتح مرة واحدة، وتعادلت القائمتان مرة واحدة.
والحقيقة أن الحركة الإسلامية موجودة بقوة في الجامعات الفلسطينية، حتى قبل إنشاء السلطة الفلسطينية، وقبل انطلاق حركة حماس. وهي تفوز أو تنافس على المرتبة الأولى في الجامعات الفلسطينية منذ أواخر سبعينيات القرن العشرين.
يأتي هذا الفوز في بيئة تعاني فيها حركة حماس من أشكال مختلفة من التضييق والمطاردة والتشويه، سواء من الاحتلال الإسرائيلي أم من قيادة السلطة وأجهزتها الأمنية في الضفة الغربية
ويأتي هذا الفوز في بيئة تعاني فيها حركة حماس من أشكال مختلفة من التضييق والمطاردة والتشويه، سواء من الاحتلال الإسرائيلي أم من قيادة السلطة وأجهزتها الأمنية في الضفة الغربية. كما جاء هذا الفوز حتى بعد التهديدات والتحذيرات التي أرسلتها المخابرات الإسرائيلية لأولياء أمور الطلاب من انتخاب أبنائهم للكتلة الإسلامية، وبعد اعتقال سلطات الاحتلال لثمانية من قيادات وكوادر الكتلة قبيل الانتخابات. غير أنه يُشهد لإدارة الجامعة أنها وفرت بيئة حرّة للعمل الطلابي، مكّنت الطلاب من التعبير الحقيقي عن إرادتهم.
ويظهر أنه بعد 15 عاماً من هيمنة فتح على السلطة في الضفة الغربية، ومحاولات السلطة المضنية لتحييد حماس وتهميشها، فإن الجيل الجديد الذي نشأ في هذه البيئة قد فشلت معه هذه السياسة. وما زالت حماس ركناً أساسياً ورقماً صعباً يفرض نفسه بقوة في المعادلة الشعبية والنقابية والسياسية. ويعود ذلك إلى قوة الطرح الفكري والسياسي لحماس، وتصدُّرها للعمل المقاوم المسلح خصوصاً في قطاع غزة، بالإضافة إلى فشل مسار التسوية وخط أوسلو الذي تتبناه فتح، وفشل السلطة في رام الله في التعبير عن الحد الأدنى لتطلعات الشباب الفلسطيني. كما أن الأجواء التي تلت الأداء للمقاومة في معركة سيف القدس، وتعطيل قيادة فتح لانتخابات المجلس التشريعي ولمسيرة المصالحة الفلسطينية، انعكست بشكل واضح على نتائج الانتخابات.
* * *
حشدت حركة فتح الكثير من إمكاناتها لخوض انتخابات بيرزيت، لما تمثّله من رمزية كبيرة وباعتبارها “ترمومتر” أو مقياسا مهما للمزاج الشعبي الفلسطيني. ولذلك، فإن وقع الخسارة كان كبيراً، وتداولت الأخبار تقديم بعض القيادات في إقليم رام الله استقالاتهم، وقدم بعضهم نقداً قاسياً لسياسات فتح والسلطة التي أدَّت لذلك. وأشار آخرون إلى انضباط كوادر حماس وحسن تنظيمها، وإلى وجود طلبة من أبناء كوادر فتح أو في مراكز عالية في السلطة وأجهزتها، ممن ينتمي أبناؤهم لحماس أو يصوتون لها.
حشدت حركة فتح الكثير من إمكاناتها لخوض انتخابات بيرزيت، لما تمثّله من رمزية كبيرة وباعتبارها “ترمومتر” أو مقياسا مهما للمزاج الشعبي الفلسطيني. ولذلك، فإن وقع الخسارة كان كبيراً، وتداولت الأخبار تقديم بعض القيادات في إقليم رام الله استقالاتهم، وقدم بعضهم نقداً قاسياً لسياسات فتح والسلطة التي أدَّت لذلك
غير أن اللافت للنظر أن البعض طالب بمزيد من التشديد على حماس وكوادرها، وكان ضد حصولهم على فرص عادلة في العمل. كما توقف المجتمع الفلسطيني باستغراب وغضب أمام حادثة الاعتداء على القيادي في الكتلة الإسلامية بجامعة بيرزيت معتصم زلوم، الذي أبدع في مناظرة قيادة شبيبة فتح قبيل الانتخابات. إذ إن قوات الاحتلال اعتقلته وأودعته لأسباب “مشبوهة” في قسم لأسرى فتح، حيث قامت مجموعة منهم بضربه بشكل مبرح، في مشهد يبدو أنه تمّ الإعداد له مسبقاً.
ويظهر أن عدداً من قيادات فتح، بَدَل أن تقوم بنقد المنهج والسياسات التي أدت إلى تراجعها، وجد ضالته في علاج مشاكله من خلال القيام بمزيد من القمع والعنف ضد الاتجاهات المخالفة، مع الإصرار على المسار الكارثي نفسه.
* * *
من ناحية أخرى، فقد حافظت الجبهة الشعبية على مكانتها النسبية بحصول فرعها الطلابي على خمسة مقاعد (888 صوتاً)، وحافظت على صدارتها لليسار الفلسطيني وبفارق كبير عن كتلتي الوحدة الطلابية التابعة للجبهة الديمقراطية (132 صوتاً)، واتحاد الطلبة التقدمية (76 صوتاً) التابعة لحزب الشعب، اللتين لم تجتازا نسبة الحسم.
ولعل مما زاد من قوة الجبهة الشعبية في الوسط اليساري الفلسطيني، سياستها الأكثر وضوحاً ضد مسار التسوية وضد سياسات قيادات السلطة ومنظمة التحرير، ومقاطعتها للمجلس المركزي الأخير، وزيادة تناغمها مع خط المقاومة وتحديداً حماس والجهاد الإسلامي، وصدور بيانات مشتركة عنها.
لعل مما زاد من قوة الجبهة الشعبية في الوسط اليساري الفلسطيني، سياستها الأكثر وضوحاً ضد مسار التسوية وضد سياسات قيادات السلطة ومنظمة التحرير، ومقاطعتها للمجلس المركزي الأخير، وزيادة تناغمها مع خط المقاومة
* * *
من ناحية ثالثة، أصدرت ست قوى فلسطينية في قطاع غزة دعوة إلى تفعيل الانتخابات الطلابية، وشارك في التوقيع على البيان حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية والمبادرة الوطنية، والجبهة الشعبية -القيادة العامة، والصاعقة، حيث أكد البيان على ضرورة البدء بالعمل لإنجاز “توافق وطني طلابي على إجراء الانتخابات الطلابية في جميع جامعات قطاع غزة وفق مبدأ التمثيل النسبي الكامل”. وهذه مبادرة يجب تشجيعها وتفعيلها، وتذليل العقبات لإنجاحها، حيث كانت ثمة مشاكل واعتراضات متعلقة بالنظام الانتخابي وطريقة احتساب الأصوات والمقاعد، وإمكانية إجراء الانتخابات بالتزامن بين جامعات القطاع. وهي عقبات يمكن تذليلها إذا صدقت النوايا، خصوصاً وأن تفعيل العمل النقابي والطلابي يصبّ في صالح حيوية المشروع الوطني الفلسطيني، وتفعيل العمل الشعبي، وتقديم القيادات والرموز الشبابية.
***
وأخيراً، فإن أبرز رسالتين حملتهما انتخابات بيرزيت هما، أولاً: فشل مشروع “أولاد دايتون” مقابل نجاح مشروع “أولاد صلاح الدين”!! فالاحتلال بجبروته، والسلطة بأدواتها، إخضاعاً وتنسيقاً أمنياً وبيئة استهلاكية، وفساداً إدارياً وقيمياً لم ينجحا في انتاج جيل بمعايير أوسلو ومعايير التسوية، بل خرج جيل من “فُرن الصَّهر” أشد قوة والتزاماً وتديناً، وأشد تضحيةً وروحاً وثورية.
أما الرسالة الثانية فهي أن المقاومة راسخة في عقول وقلوب الشعب الفلسطيني، وهي بحدِّ ذاتها برنامج مُلهمٌ قائم بذاته؛ ولذلك فإن أداء المقاومة عكس نفسه على نتائج لانتخابات.