د. علي العتوم
(عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلّم, قال: “كُتِبَ على ابنِ آدم نصيبُه من الزنا مُدْرِكٌ ذلكَ لا محالةَ: العينان زناهُما النَّظَرُ, والأُذُنانِ زِناهما الاستماعُ, واللسانُ زناه الكلامُ, واليَدُ زِناها البطشُ, والرِّجْلُ زِناها الخُطا, والقلبُ يهوى ويتمنَّى, ويُصدِّقُ ذلك الفرجُ أو يُكذِّبُه”). متَّفق عليه. وهذا لفظ مسلم, ورواية البخاري مُختصرةٌ.
رياض الصالحين للنووي, باب (290) تحريم النظر إلى المرأة الأجنبية رقم الحديث (1619) ص (403).
تعليقات:
1. التعريف:
الزنا: ارتكاب الفاحشة مع الأجنبيّات, وهو جريمةٌ كبرى, قال تعالى: (ولا تَقْرَبُوا الزِّنى إنَّه كانَ فاحِشَةً وساءَ سبيلاً). الإسراء 17/32. وتُوجِبُ الحَدَّ الشرعيّ, وذلك بجلد العَزَب أوِ العَزَبَة مئة جلدة, أمّا المتزوِّج المحصن فيُرْجَم حتى الموت. ويثبُتُ الحدّ في حال الإقرار بالزنا من الفاعلين, أمّا في غير ذلك فلا بُدَّ من أربعة شهودٍ عُدُولٍ يشهدونَ بحقيقة الأمر كالمِرْوَد في المُكْحُلة, فإذا لم يُجْمَعْ على ذلك, انتفى الحدّ.
2. المعاني:
كُتِبَ: قُدِّرَ. نصيبُه: حظُّه, وذلك لأنَّ الإنسانَ ضعيفٌ, ولا بُدَّ أنْ يُخطِئ في ارتكابه في حياته حراماً ولو نظرةَ عينٍ أو سماعَ أُذُنٍ أو لفظَ لسانٍ أو لمسةَ يَدٍ أو مَشْيَ رِجلٍ, إلى كُلّ ما له علاقة بالزِّنا من مقدِّماته, وكُلُّ هذا في دائرة اللَّمَم ومعفُوٌّ عنه بالاستغفار وعمل الحسنات, قال تعالى: (إنَّ الحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السّيئاتِ), أمّا المحُاسَب عليه فهو مقارفة الزنا الحقيقي. يهوى ويتمنَّى: إذْ تُحدِّث النفسُ صاحبَها بملابسة هذه الأمور.
3. ما يستفاد من الحديث:
أ.خُلِقَ الإنسانُ ضعيفاً, لا بُدَّ أنْ يقعَ في المحظور بطريقةٍ أو أُخرى, وبأَيِّ قدْرٍ كثيرٍ أو قليلٍ, وذلك ليُدرِكَ الإنسان ضعفَه, ومن ثَمَّ يعلم أنْ له ربّاً يُحاسِبُه إنِ ارتكبَ المُحرَّم, ولكنّه يغفرُ له إنْ تابَ وأنابَ, واسترجَعَ واسترحَمَ.
ب.اقتضتْ رحمته عزّوجلّ أنْ لا يُؤاخِذَ العبدَ بالخاطر والهَمّ فيما هو مُحرّم, ما لَمْ يخرجْ ذلك إلى الفعل والتحقيق. ومن هنا عندما نَزَلَ قوله تعالى في سورة البقرة: (لله ما فِي السّماواتِ وما فِي الأرضِ, وإنْ تُبْدوا ما في أنفُسِكُمْ أو تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) ضَجَّ المسلمونَ وأَتَوْا يشكونَ ذلك للرسول صلى الله عليه وسلّم, فأنزلَ اللهُ بعدَها, وبعدَ أنْ قالوا: سمعْنا وأطعْنا: (لا يُكلِّفُ اللهُ نَفْساً إلاّ وُسْعَها, لَها ما كَسَبَتْ وعليها ما اكْتَسَبَتْ) فخَفَّفَ اللهُ عنهم لّما عَلِمَ منهم إخباتَهم له وتسليمهم لأمره. انظر تفسير ابن كثير (الحلبي) ج1 ص(337 – 343).
ج.مما جاءَ عن أعمال الجوارح مما له علاقة بهذا الشأن ما وَرَدَ في الأَثر عن النظرة الذميمة: (رُبَّ نظرةٍ أَوْرَثَتْ حُزناً طويلاً, ورُبَّ نظرةٍ كَفَّتْ عن الحرامِ وَجَدَ المؤمنُ بردَها في قلبِه). أمّا الأُذن فمقارفتها الفاحشة, إنْ تسمَّعَتْ لِمَا هو منهيٌّ عنه, فقد قال الشاعر:
يا قومِ أُذْنِي لبعضِ الحَيِّ عاشِقَةٌ
والأُذْنُ تعشقُ قبْلَ العَيْنِ أحيانا
ومَدَحَ آخَرُ الفتى الذي لا يرضى سمعُه الفواحِشَ أيّاً كانت بقوله:
أُحِبُّ الفَتَى ينفي الفواحِشَ سَمْعُهُ
كأَنَّ بِهِ عَنْ كُلِّ فاحِشَةٍ وَقْرا
وفي الكلمة الذميمة ينطق بها اللسان جاء في الأثر: (رُبَّ كلمةٍ قالتْ لصاحبها دَعْنِي). أمّا اليد فقد قالوا في المرأة الفاجرة: إنّها التي لا تمتنعُ عن يَدِ لامسٍ. وأمّا الرِّجْل, فقد قال الشاعر مفتخراً في كفِّها عن السير للمنكرِ:
ولستُ بماشٍ ما حَيِيتُ لمُنْكَرٍ
ولا حَمَلَتْني نحوَ فاحِشَةٍ رِجْلِي
د.على المرء المسلم أنْ يبقى على الدوام متطهِّراً وحَذِراً أنْ يقعَ فيما يقودُ للحرامِ من نظرةٍ خائنةٍ, أو سمعٍ فاحشٍ, أو كلامٍ بذيئٍ أو لمسةٍ فاجرةٍ, أو سيرٍ إلى حرامٍ, وذلك بالاشتغال بما يعنيه ولَهْجه بذكِرِ اللهِ.