د. علي العتوم
(عن ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما قال: كانَ رسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلّم – أجودَ الناسِ. وكانَ أجودَ ما يكونُ في رمضانَ حِينَ يلقاهُ جبريلُ. وكانَ يلقاهُ جِبرِيلُ في كُلِّ ليلةٍ من رمضانَ فيُدارِسُه القرآنَ, فَلَرسولُ الله – صلى الله عليه وسلّم – حينَ يلقاهُ جبريلُ أجودُ من الرِّيح المُرْسلة).
متّفق عليه / رياض الصالحين, باب (218) الجود وفضل المعروف, حديث رقم (1219) ص (309).
تعليقات:
1. التعريف:
الجود: خُلُقٌ عربيٌّ عريق يدلُّ على سماحة نفسٍ ونداوَةِ أخلاقٍ وعِظَمِ مروءَةٍ, ولمّا جاءَ الإسلامُ زادَ أتباعَه جُوداً على جودٍ, إذْ أعلَمَهم أنَّ المالَ في أيديهم مالُ الله, وأنَّ المُسلِمَ مؤتَمَنٌ عليه, وأنَّ الجود في الإسلام أجره مضاعفٌ عندَ اللهِ لأنّه في سبيله وليسَ للتظاهر والرياء, وكسبُ الصيت وحُسن الأُحدوثة عندَ الناس. ولا شكَّ أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلّم كانَ المثالَ في هذا الخُلُق, فهو سليلُ إبراهيم الذي بلغَ الغاية في إكرام ضيوفه, ومن ذلك قول الله فيه عندما نَزَلَ به الضيوف: (فَراغَ إِلَى أهلِهِ فجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ, فَقَرَّبَهُ إليهِمْ).
2. المعاني:
أجود: أفعلُ تفضيلٍ من جادَ يَجودُ, وفاعله الجواد, والجودُ: بذلُ شيءٍ ممّا تملكه عن طيب خاطرٍ ورِضى نفسٍ للآخرين, كرمٌ أصيلٌ وجميلُ خِلالٍ. جبريل: أحد ملائكة الله الكرام, وهو رئيسُهم والمتنزِّل بوحي الله على رسله عليهم الصلاة والسلام, قال تعالى في بعثه جبريل إلى رسول الله بالقرآن: (فإنّه نَزَّلَه على قلبِكَ بإذنِ اللهِ مُصدِّقاً لِمَا بينَ يَدَيْه, وهُدَىً وبُشْرَى للمؤمِنِينَ). مدارسةُ القرآن: يقرؤه – صلى الله عليه وسلّم – على جبريل تثبيتاً لحفظه وتثبُّتاً منه, وهو الذي تنزَّلَ به عليه من ربِّه. الريح المُرسَلَة: الريح الهابّة بكُلِّ قوة وسرعة.
3. ما يستفاد من الحديث:
أ. الجودُ من علامات المروءة والنبالة في الإنسان والأُمّة عامّةً. ولا شكَّ أنّه من أَجَلِّ الخِصال وأجملِ الأخلاق. وقد كانت هذه الخَلَّة في الرسول عليه الصلاةُ والسلام في أسمى درجاتها وأجلَى معانيها. وقد جاءَ في الأثر: إنَّ الكريمَ قريبٌ من اللهِ والبخيلُ بعيدٌ منه, وفي الحديث كذلك ذَمّاً للبُخل: (وأيُّ داءٍ أدوى من البخلِ)؟! كما ذُمَّ الشُّحُّ وهو أشدُّ البخل: (واتَّقُوا الشُّحَّ, فإنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كانَ قبلَكُمْ. حَمَلَهُم على أنْ سَفَكوا دماءَهم, واستحلُّوا محارِمَهم).
ب. رمضانُ شهر الخيرات والمنافسة في المعروف, وهو مناسبة سانحة وفرصة حائنة لعمل الطيبات, وفيه تتضاعفُ الحَسَنات. ومن هنا عَظُمَ فيه التسابق إلى طاعة الله بكريم الصنائع. وكان الرسول – عليه الصلاة والسلام – في كُلِّ ذلك القدوةَ والأسوةَ لِكُلِّ فاعلِ خيرٍ, والقمّة حيث لا يسبقه صلى الله عليه وسلم فيه أحدٌ.
ج. القرآنُ الكريمُ نورُ اللهِ وهادِي الأُمّة إلى كُلِّ خيرٍ, وداعيها إلى كُلِّ عُلاً ورِفعةٍ, يجبُ على الأُمّة أنْ تحرِصَ على حياطته بعنايتها: تلاوةً وتدبُّراً وعملاً اقتداءً بالرسول صلى الله عليه وسلّم, مُنقذِ الأُمّة – بفضل الله – من الظلمات إلى النور.
د. من أهمّ الأعمال التطوعية في رمضان: قراءة القرآن والتصدُّق والاعتمار والإصلاح بينَ الناس والكفّ عن اللغو والغيبة والنميمة وقيامِ الليل والاعتكاف وارتياد المساجد والحفاظ على صلاة الجماعة فيها والوعظ والإرشاد فيها وفي غيرها.