قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إلى الذينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الكِتابِ يُؤْمِنُونَ بالجِبْتِ والطاغوتِ, ويَقُولُونَ للذينَ كَفَرُوا: هؤلاءِ أهدَى مِنَ الذينَ آمنُوا سَبِيلاً * أولَئِكَ الذينَ لَعَنَهُمُ اللهُ, ومَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً * أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ المُلْكِ فإذاً لا يُؤْتُونَ النّاسَ نَقِيراً * أَمْ يحسدونَ النّاسَ على ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ, فَقَدْ آتَيْنا آلَ إبراهِيمَ الكِتابَ والحِكْمَةَ وآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً * فمنهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ, ومِنهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ, وكَفَى بجهنَّمَ سَعِيراً).
النساء: (4/51 – 55).
تعليقات:
1. التعريف:
تدور هذه الآيات على شخصية حُيَي بن أخطب: وهو أحد زعماء اليهود من بني النضير الذين كانوا يقطنون المدينةَ أيام هجرة رسول الله إليها. ولعله أكبرُ زعماء اليهود وأشدُّهم خبثاً في معاداة الإسلام والمسلمين وكُرْهاً لرسول الله صلى الله عليه وسلّم, مع أنّه يعلمُ أنّه هو الرسول عينه المكتوب عندهم في التوراة إذْ أقرَّ بذلك لأخيه أبي ياسر. وهو الذي حَرَّضَ قريشاً وأحابيشها لغزوِ المدينة في حادثة الخندق, قصدَ استئصال الإسلام وأتباعه منها, خابَ وخَسِرَ. وقد لَقِيَ مصرعه مع مَنْ عاقبهم الرسول صلى الله عليه وسلم على نكثهم بالعهدِ. ومعلومٌ أنّه هو الذي قال للرسول صلى الله عليه وسلّم وهو يُساق إلى مصرعه: ما لُمْتُ نفسي يوماً في عداوَتِكَ, ولكنّه مَنْ يخذُلِ اللهُ يُخذَلْ, وإنها لملحمةٌ كُتِبَتْ على بني إسرائيل, ومعلوم كذلك أنّه والد صفية زوجِ رسول الله.
ومناسبة هذه الآيات أنَّ القرشيِّين لمّا جاءَهم حُيَي يُحرِّضهم على حرب رسول الله, سألوه: أنتم أهل الكتاب الأول وأهل العلم فأخبِرونا حتى نطمئِنَّ للاشتراك معكَم في قتاله: أيُّهما أحسنُ دينُنا أم دينُه؟! فقال لهم وهو من أحبارِ يهود: بل دينكم أفضل!!
2. المعاني:
أُوتوا نصيباً من الكتاب: هم هنا اليهود. الجِبت: السحر والكهانة. الطاغوت: كُلّ ما يُعبد من دون الله. الذين كفروا: هم هنا أهل قريش. أهدَى من الذين آمنوا: أحسن ديناً من المسلمين وأرشَدُ هَدْياً. لَعَنَهم: طردَهم من رحمته. النقير: النقطة على وَسَطِ نواة التمر. صدَّ عنه: أعرضَ عنه, وكفر به. سعيراً: محرقةً.
3. ما يستفاد من الآيات:
أ. التعجُّب الشديد من اليهود وهم أهل الكتاب, كيفَ يُقرُّون للكفّارِ عَبَدَةِ الأوثان – صلافةً ووقاحةً وقلّة دينٍ وإيمانٍ – أنَّ دينهم هذا الكفرَ, أفضلُ من دين محمّد عليه الصلاة والسلام, وهو دينُ الله سبحانه وتعالى.
ب. الدينُ عند اليهود – وقد جاءَهم العديد من الرسل – تُقرِّره أهواؤُهم وأحقادُهم, لا ما جاء عن رسلهم وأنبيائهم, فقد حرَّفوا هذا واتَّبعوا ما لَفَّقَتْه لهم حاخاماتهم.
ج. اليهودُ أشدّ الناسِ شُحّاً, وأكثرهم حَسَداً, وأعظمهم حقداً على غيرهم. وهم إنْ تملَّكوا لن يُعطوا الناسَ منه أدنى شيء أو أتفَهَه, ولو كان نقيراً!!
د. إنَّ اليهود انطلاقاً من هذه الآية: (أمْ لهم نصيبٌ من المُلْكِ), لا يُمكِن أنْ يُعطوا من فلسطين وقدِ اغتصبوها بمساعدة الدول الصليبية شيئاً, ولن يرحلوا عنها إلاّ بالجهاد وصليل السيوف. وكُلُّ ما دون ذلك من أساليبَ ليس إلاّ باطِلاً في باطلٍ, وخِداعاً في خِداعٍ.
ه. حَسَدُ اليهود للعرب من بني إسماعيل أنْ جاء الرسولُ الخاتَم منهم, مَنَعَهُمْ من الإيمان بالإسلام, ودفعهم لمحاربته أشدَّ محاربةٍ, وتأليب عبدة الأصنامِ عليه, ودعوتهم ليكونوا معهم في حربه حتى يُبِيدُوا خضراءَهم.
و. لقد قَدَّرَ اللهُ أنْ يُؤتِيَ آل إبراهيم من وَلَدَيْه: إسحق وإسماعيل: النبوّة والكتاب والمُلك والحكمة, ولكنَّ أُناساً من هؤلاء كفروا نعمةَ اللهِ, فصدُّوا عن سبيله وحاربوا الدين, وقتلوا الأنبياءَ, فكانوا شِرارَ الناسِ. وبعضهم آمَنَ به وهم العرب ومَنْ تَبِعَهم من الأعاجم, فكانوا بذلك خيرَ أُمّةٍ أُخرِجَتْ للنّاسِ.