التنكيل بجثة المقاوم الفلسطيني جنوب قطاع غزة قاد لمواجهة مع الاحتلال سرعان ما امتد لهيبها الى ريف دمشق باستهداف صاروخي لعناصر من حركة الجهاد الاسلامي، فهل يعد هذا خيارا وتغيرا جذريا، ام ان الامر لا يعدو كونه محاولة للنخبة الاسرائيلية العسكرية والسياسية للخروج من المستنقع الانتخابي العفن الذي ينبئ بانتخابات رابعة، سواء عبر الحرب أم عبر البحث عن شريك اقليمي او دولي؟
نفتالي بينت وزير الحرب الاسرائيلي الذي بَشَّر بتغير جذري في غزة، عاد وأكد “أن الردع لا يمكن بناؤه في لحظة”! فالخطاب الإستراتيجي لقادة الكيان ومن ضمنهم نتنياهو يتعرض لتشكيك كبير، ومستنقع الانتخابات يتسع ويتعمق؛ فأفيغدور ليبرمان زعيم حزب “اسرائيل بيتنا” زعم ان نتنياهو اوفد رئيس الموساد يوسي كوهين الى الدوحة، لإقناعها بإيصال المساعدات المالية لقطاع غزة على أمل خفض حدة التوتر مع المقاومة الفلسطينية.
تسريب وكشف تزامن مع الاعلان عن دعوة مصرية لقيادات المقاومة، وعلى رأسهم قادة حركة حماس، إلى الاجتماع بمسؤولين مصريين في القاهرة يرجح ان يحمل رسائل الى المقاومة من الكيان بتقديم المزيد من التسهيلات لخفض التصعيد؛ ليضع الإستراتيجية المزعومة موضع شك وتشكيك.
رغم الشكوك القوية بقدرة الكيان الاسرائيلي على صياغة إستراتيجية جديدة، فإن التوسع الاسرائيلي المفرط في المواجهة الاخيرة بالربط بين قطاع غزة (الجبهة الجنوبية) و(الجبهة الشمالية – سوريا ولبنان) يعكس نزقًا وتهورًا أمنيًّا وسياسيًّا قابلًا للانفلات من عقاله! والانزلاق نحو مواجهة واسعة وشاملة.
فرغم رهان قادة الكيان على أنْ يدفع توسع المواجهة كلًّا من دمشق وموسكو إلى الضغط على عناصر المقاومة وقياداتها في ظل التقدم الذي يحرزه النظام السوري، وأحرج ايران وأربكها في ذات الوقت، فإنه من الممكن ان يورط الولايات المتحدة الامريكية ليرسم معالم معادلة امنية وردعية جديدة تكون امريكا جزءًا منها، والخيار الثاني بعد الخيار الاقليمي.
فتوريط الولايات المتحدة يعد طموحًا سعى له نتنياهو من خلال الترويج لاتفاقية الدفاع الإستراتيجي مع الولايات المتحدة، إلا أن التحفظات الامريكية والإسرائيلية ما زالت قوية على هذه التوجهات؛ إذ تحفظت عليه قيادات أمنية اسرائيلية واخرى امريكية؛ تارة بحجة تقيد قوة الردع الاسرائيلية والحد من حرية الحركة لديها، وتارة اخرى بحجة عدم رغبة الولايات المتحدة الامريكية في التورط المباشر في صراعات المنطقة، او الانجرار خلف الاستراتيجية الاسرائيلية بتوريطها في حرب اقليمية مع طهران او غيرها، لتبقى الحرب المخرج لتشكيل التغير المطلوب، وهي معادلة خطرة يصعب الاعتماد عليها رغم قول نتنياهو بأنها الملاذ الاخير.
ختامًا: الانزلاق الى الحرب أمر غاية في السهولة، وتوسيع دائرة الاشتباك ممكن جدًّا في ظل المعطيات التي تبعت عمليات القصف المنسقة على ريف دمشق وقطاع غزة؛ فضبط المشهد الامني والسياسي في الاقليم، والسيطرة المطلقة على الموقف تبدو شبه مستحيلة؛ فالمعادلة التي يطمح قادة الكيان لصياغتها، والتغيير الجذري المنشود الذي بشر به وزير الحرب الاسرائيلي نفتالي بينت سيتولد عنه معادلة معقدة يصعب التحكم في مدخلاتها ومخرجاتها