تماضر بنت الحارث الصحابية الكريمة الملقبة بالخنساء فقدت أربعة من أبنائها في معركة القادسية فقالت : الحمد لله الذي شرّفني باستشهادهم جميعا، هذه المرأة الربانية شهدت طهارة الزمان الذي زانه سيد الخلق صلى الله عليه وسلم بسيرته العطرة، فكانت صحابية أسلمت أواخر العهد النبوي، ولم تشهد خنساء الأمس ابتلاء خنساوات فلسطين بأوباش البشر الذين رأوا في صبر المرأة الفلسطينية واحتسابها ظاهرة انحراف عن مشاعر الإنسان الطبيعي، ذلك لأن هؤلاء الأوباش أصلا تاهوا في طريق تعريف الإنسان والفرق بين مشاعره الملائكية ونزعات الشيطان التي تعتريه، لقد رأوا في فرح المرأة الفلسطينية باستشهاد أولادها فداء لأرضهم وعرضهم مشاعر يستنكرونها لأنهم تاجروا في الأرض والعرض حين دافعت عنها حرائر فلسطين، وداسوا على كرامة الإنسان حين حفظتها تربية هؤلاء الحرائر، والظلام لا يحب النور والكسيح يحقد على الطيور، فإن علِمتَ أن أمر هذا النوع من أشباه البشر تطوّر في سفاهته وسفالته إلى درَكٍ بلغ به حدّ القدح بأعراض خنساواتنا فلا تعجب، لأن من لا يعرف مفردات الطهارة والعفة وليس له بها شأن ولا تعوّد أن يُحِسّ بمسؤولية تجاه أم أو أخت أو زوجة فإنه أبعد ما يكون عن فهمها أو التفريق بينها وبين ضدها.
لَكُنّ الله يا نساء فلسطين، يا من جُعتُنّ وشُرّدتنّ ثمنا لطهارتكنّ وفدائيتكنّ، وعقابا لَكُنّ على حسن تربيتكنّ لجنود الميدان الذين لم يبقوا لعدوّهم كرامة يتحدث عنها ولا لِثباتٍ على أرضنا ينعمون به.
خنساء اليوم التي قدمت أبناءها الواحد تلو الآخر فداء لفلسطين ودينها وعروبتها هي أعلى شأنا من خنساء الصحابية بمفهوم الحديث الشريف : “أجر الواحد منهم كأجر خمسين…منكم… لأنكم تجدون على الحق أعوانا ولا يجدون على الحق أعوانا”.
أيْ خنساواتنا، ستظلّ أرحامُكنّ ولّادة، وسيظل عطاؤكنّ دائما، والميدان يجود بما تجُدْنَ به حتى يخرج آخر صهيوني من فلسطين كلها، وستَكُنَّ أنتنّ في مقدمة صفوف أبطال هذه الأمة المحرّرين يوم نكص زعماء الأمة وكثير من ذكورها الذين لا يستحقون وصف الرجال، وإن لفّة أعناقكُنّ التي تحجب حسنكنّ عن ذئاب البشر لَأًطهر من ذقونٍ ولغ أصحابها في أعراضكن الطاهرة وسيرتكنّ العطِرة، وسنظل نُقبّل الأرض من تحت أقدامكنّ إجلالا لدوركنّ في معركة الرجولة والشرف، أما أولئك الحاقدون الساقطون في وحل نجاسة قلوبهم وألسنتهم وأقلامهم فلن تطهرهم مياه الأرض ولن ينفعهم في سبيل ذلك رملها وترابها.
رضي الله عنكنّ وعوضكنّ عن صبركنّ نصرا في الدنيا وجنة في الآخرة، والبؤس والعار لأشباه الرجال.