د. أسامة نور الدين
تنصب الأنظار العربية علي مؤتمر “السلام من أجل الازدهار” والمعروف إعلاميا بـ”صفقة القرن”، والذي انعقد في العاصمة البحرينية المنامة خلال الفترة من 25-26 يونيو الجاري، لما لذلك المؤتمر من تداعيات خطيرة ليس فقط على القضية الفلسطينية التي يراد القضاء عليها، بعد تجريد الشعب الفلسطيني من كل حقوقه التاريخية في الأرض والمقدسات، وإنما كذلك على كل الدول العربية خصوصا تلك التي تدخل في نطاق مشروع “إسرائيل” الكبرى.
فالهدف من هذا المؤتمر ليس إعلان “إسرائيل” سيادتها على ما هو واقع تحت أيديها من أراضٍ فلسطينية وإغراء الشعب الفلسطيني بالأموال من أجل التنازل عن حقه المشروع في العودة، وكذلك حقه في إقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967، بل يرغب الكيان الصهيوني فيما هو أكثر من ذلك، فهذه الدولة التي تشبه السرطان، إنما تحاول أن تتحول لمركز إقليمي وفقا لتصور شيمون بيريز في مشروعه الشرق الأوسط الجديد؛ تمهيدا لاكتمال المخطط الاستعماري الجديد الذي سينتهي بمخطط أرض “إسرائيل” الكبرى.
فمن يظن أن الهدف من مؤتمر السلام من أجل الازدهار تحقيق الرخاء الاقتصادي والأمن والاستقرار المادي والمعنوي للشعب الفلسطيني المحاصر في الضفة الغربية وقطاع غزة، هو في حقيقة الأمر واهم، لأن العكس هو الصحيح، فالهدف هو تحقيق الأمن والاستقرار والرخاء لإسرائيل وشعبها، وفي حال حدوث ذلك فإن الخطر سيكون داهما على المنطقة العربية دولا وشعوبا.
فالحكومة الصهيونية التي يسيطر عليها الفكر التوسعي، لن تكتفي بما هو تحت أيديها، بل ستعمل على التمدد والتوسع، ولكن هذه المرة ليس على حساب الدولة الفلسطينية التي تم القضاء عليها، وإنما على حساب الدول العربية المجاورة، بل وغير المجاورة والتي ستصبح في مرمى النيران الصهيونية، فهذه الدولة لن تتوقف عن بث الفتن والمؤامرات وتقويض أمن واستقرار تلك الدول، حتى تتمكن من استكمال مخططها التوسعي في المنطقة وإقامة دولتها الكبرى.
ولا أدل على ذلك من الإجراءات الصهيونية الأخيرة والتي تم بموجبها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، في انتهاك صارخ للأعراف والقوانين والمواثيق الدولية، ووفقا للادعاءات الصهيونية؛ فالقدس هي عاصمة “إسرائيل” الكبرى، الأمر نفسه بالنسبة لقرار “إسرائيل” بضم الجولان والاعتراف الأميركي بذلك، دونما أي اعتبار للمشاعر العربية والإسلامية في المنطقة والعالم.
لذلك يعمل الكيان وأنصاره في الداخل والخارج على التخلص من الكابوس الفلسطيني حسب زعمهم، لأن الشعب الفلسطيني المقاوم بالنسبة لهم هو حائط الصدِّ الذي دائما ما يعرقل مخططاتهم ويدفعهم إلى الداخل ويمنعهم من التمدد خارجا، بل ويحول بينهم وبين الشعور بالهدوء والاستقرار الذي يدفعهم لاستكمال مخططات التوسع الإقليمي، فمنذ قيام “إسرائيل” والمناطق الفلسطينية المحررة تمثل عقبة كأداء أمام المخططات الصهيونية، وقد وصل ذلك لدرجة تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين، عام 1992 قائلا: “أتمنى أن أستيقظ يوما من النوم فأرى غزة وقد ابتلعها البحر”. وهو ما يعكس مدى القلق والضجر الذي تسببه الأراضي الفلسطينية للكيان الصهيوني.
لذا، فإن أقل ما يمكن تقديمه للشعب الفلسطيني هو رفض المخططات التي تستهدف القضاء على دولته وسلبه حقوقه المشروعة خصوصا حقه في العودة وفي إقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967، وتفويت الفرصة على القوى الصهيونية التي تحاول استغلال حالة الضعف العربي وفرض الأمر الواقع على الجميع.