ادارة السياسة مثلما هو الشأن العام بالقطعة ادارة مرهقة وغير منتجة، وربما ادت لما لا تحمد عقباه.
وعلى اهمية الأمني في ضبط الايقاع المجتمعي وحمايته من الانزلاقات
والانعطافات، الا ان تقدمه على السياسي في الادارة المجتمعية والسياسية،
يشكل كارثة وطنية بامتياز.
وفي السياسة مثلما في العلاقات الانسانية العامة، كان الاستيعاب واللين
والعبارة الدافئة اقدر على تحقيق المقصود وتقريب البعيد، من الشدة والقبضة
الثقيلة والكلمة الناشزة.
وكبير القوم كان على الدوام خادمهم، أوسعهم صدرا واعظمهم تحملا .. وليس الغبي بسيد في قومه ولكن سيد قومه المتغابي.
وفي معترك التجاذب السياسي والاجتماعي الذي لا يهدأ في البلاد، منذ شهور
امتدت لسنوات.. لا يصح ان تستمر المعالجات المجزوءة.. قطعة قطعة .. ومن
المؤكد ان العقل والسياسة هما الجواب على نزق الناس وضيقهم النابع من ضيق
المعاش وضيق الحال.
عقل يملك قدرا كبيرا من الخيال السياسي يصل حتى تخوم اللاممكن والمستحيل في
اجتراح الحلول، ويفتح دروب التلاقي والتفاهم … لا يغرق في شبر ازمة..
ولا يفقد اشراقته مهما عصفت الاحداث.
وسياسة مرنة متسامحة تكظم الغيظ وتعفو من اجل البناء وتفكيك الاحتقانات،
وتملك القدرة على احالة الطاقة السلبية لدى الغاضبين الى طاقة ايجابية
تستثمر في البناء … سياسة تجلب الشارد ولا تفرط في الساكن، تستوعب ولا
تضيق .. لا يسيطر عليها الضجر ولا يتملكها الغضب كلما مد واحد لسانه، تجيد
الصبر ولا تدفعها صعوبة الطريق للاستعجال والنزق.
والشيء بالشيء يذكر؛ فأزمة الحكومة والمعلمين لن تكون الاخيرة.. مثلما لم
تكن الاولى .. فقبلها ازمة وازمة وازمة.. تظاهرات مطلبية واخرى سياسية
وثالثة اصلاحية، واعتصامات لحانقين واخرى لغاضبين عضهم الجوع.. وثالثة
لمتطلعين لاعتدال الحال والمآل.
وبعد المعلمين لن تتوقف المطالبات بتحسين الاوضاع المعاشية.. او تحسين ظروف
العمل لمهنيين وصناعيين وموظفي دولة وعاطلين عن العمل وآخرين في ظهر
الغيب.
والسبب في لجوء الناس للاحتجاج، وربما الذهاب بعيدا في جلب الحقوق وما هو فوقها أمران:
الاول: قلة الموارد وضيق الحال.
والثاني: عطب الادارة وعدم شفافيتها وغياب العدالة.
وهما الامران المطلوب من الحكومة ان تلتفت اليهم، وان توليهما كل عنايتها..
والى حين يستقيم ذلك فهي مطالبة بأن تصغي لنصح الحكيم القديم حين قال:
لا خيل عندك تهديها ولا مال
فليسعف النطق ان لم يسعف الحال
والحكومة اليوم ازاء شكاية المعلمين مطالبة ان يسعف النطق منها .. وشيء من
الحال.. تماما مثلما في مباشرتها شؤونا اخرى كثيرة.. حتى لا يتسع الرتق على
الراتق، وحتى لا تنقض غزلها اشتاتا من بعد قوة.
فإدارة الظهر، وصم الآذان، وتعريض الاكتاف لا تصنع سياسة حكيمة، ولا تحل مشكلة… ولا تطرد الدب عن الكرم.
ودائما كان الكبار يقولون الوعاء الكبير يسع الصغير.. والعكس غير ممكن
بحال.. ومدار السياسة على العقل .. وهو مناط التكليف في الشرع.. فأين
العقلاء؟