على الرغم من حجم التحديات التي يواجهها الكيان الصهيوني في أعقاب انتشار وباء “كورونا” والذي شل الحياة الاقتصادية ومرافق الإنتاج وأرهق موازنة الكيان بشكل غير مسبوق، إلا أن هذا لا يعد كافيا لدفع رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو للتراجع عن تنفيذ تعهده الانتخابي بضم غور الأردن ومناطق واسعة في الضفة الغربية للكيان الصهيوني.
وقد تمكن نتنياهو بالفعل من تطويع بني غانز، زعيم تحالف “أزرق أبيض” الذي سيشارك في الحكومة الصهيونية الجديدة كمركب رئيس إلى جانب الليكود ونجح في تحييد معارضته لخطوة الضم.
ويبرر نتنياهو إصراره على إمضاء خطوة الضم وعدم الانتظار إلى ما بعد انتهاء أزمة “كورونا” بحجة أنه لا يثق بفوز الرئيس دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة، على اعتبار أن الولايات المتحدة من خلال إعلان خطة “صفقة القرن” منحت حكومة نتنياهو الحق في ضم مناطق واسعة من الضفة الغربية.
ويقول نتنياهو أنه يخشى من أن يفضي صعود رئيس ديموقراطي إلى سدة الحكم في البيت الأبيض إلى تراجع الولايات المتحدة عن دعم خطوة الضم؛ حيث إن جون بايدن المرشح الديموقراطي الأكثر حظا للتنافس أمام ترامب لا يمكنه دعم خطة الضم.
ومن الواضح أن غانز الذي بات يوافق على الضم الفوري قد تراجع عن موقفه السابق الداعي لتجنيد دعم دولي وإقليمي لخطوة الضم أولا قبل تطبيق الأمر عمليا. فبعد أن تمكن نتنياهو من تفكيك تحالف “أزرق أبيض” وانسحاب حزبا “ييش عتيد” بقيادة يئير لبيد و”تيلم” بقيادة موشيه يعلون منه، فإنه لم يعد أمام غانز من مخرج إلا قبول إملاءات نتنياهو والتوافق مع سقوفه السياسية والأيدلوجية.
لكن نتنياهو لا يستمد التشجيع من موقف غانز فقط، بل أيضا من توجهات محمود عباس وسلطته. فنتنياهو يبدو مصمما على الضم لأنه يعي تماما أن السلطة ليس فقط لن تقدم على أية خطوة لمواجهة الضم، بل أنها عازمة على مواصلة التعاون الأمني مع الكيان الصهيوني بهدف إحباط أي تحرك فلسطيني شعبي أو تنظيمي للاحتجاج على هذه الجريمة.
فعباس الذي كان يدعي الاعتراض على “صفقة القرن” غير مستعد لإحداث أي تغيير على نمط علاقته بالصهاينة من أجل إعاقة تنفيذ الخطة؛ والنتيجة أن نتنياهو يعي أن الظروف مواتية لتطبيق الخطة.
للافت أن الاطمئنان إلى ردة فعل عباس دفعت قيادة الجيش الصهيوني إلى تقليص تحفظاتها على مسألة الضم؛ حيث إن المستويات العسكرية والاستخبارية الصهيونية كانت قد حذرت من أن الضم يمكن أن يسهم في إشعال الضفة الغربية بشكل غير مسبوق، وهو ما يمثل تحديا غير مسبوق للكيان الصهيوني.
اللافت أن الكيان الصهيوني في ظل مواجهته وباء “كورونا” واضطرار الجيش والمؤسسات الاستخبارية للانغماس في هذه المهمة غير قادر على التصدي لأية أنماط احتجاج نضالية فلسطينية تقاوم مخطط الضم، وهذا يمثل نقطة ضعف كبيرة للكيان؛ كان يفترض بقيادة السلطة أن تستغلها، بدلا من الخضوع التام للصهاينة على هذا النحو.
ا