حسان بن ثابت (1): أمير شعراء الدعوة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
كتب : عباس المناصرة

أ – ” مدخل عام لفهم شعره “
1- مقدمة تاريخية: حسان بن ثابت الأنصاري، صحابي جليل، عايش الدعوة الإسلامية بشعره، منذ البدايات الأولى، في دار الهجرة، أمير الشعر الإسلامي بلا منازع، من حيث غزارة الإنتاج، وطول النفس الشعري، والمستوى الفني وتعدد الموضوعات التي أبدع فيها والأغراض التي غطاها. 
امتاز حسان رضي الله عنه بموهبة شعرية متخصصة، ويضاف إلى ذلك انه صاحب تاريخ عريق وتجربة عميقة في هذا الفن؛ لأنه كان من فحول شعراء الجاهلية، حتى اعتبره بعضهم أشعر أهل الحواضر، وكانت له صولات وجولات في أسواق العرب، وفي مدح ملوك الغساسنة في الشام، وشاعريته في الجاهلية تجمع بين جزالة اللفظ والزينة العفوية التي لا يظهر الكد المتعمد فيها، مع نفس شعري يجاري السباق الفني لأبناء عصره ويستجيب للمنافسة، ولكنه لم يصل إلى مستوى شعراء المعلقات، وإن لحق بهم في بعض قصائده المشهورة وخاصة في المدح والفخر والهجاء وهي الفنون التي ظهر فيها، وتجلت فيها قدرته الفنية العالية قبل الإسلام.

كان حسان المنافح عن قومه، العارض لمآثرهم كعادة شعراء الجاهلية، وهو صاحب لسان سليط في الهجاء يصل إلى حد الإقذاع. 
وقد استمد حسان فنيته من الخبرات المتوارثة في الفن الشعري، ومن البيئة المحيطة، بحيث استطاع أن يكوّن له أداء خاص به، جعله الشاعر الحضري المتميز في الجاهلية(22).

2- التحول العقيدي:
حدث التحول العقيدي في المجتمع العربي للأفراد والجماعات، وكان الشعراء من ضمن الشرائح الاجتماعية والثقافية التي طرأ على فكرها وحياتها هذا التحول الانقلابي، الذي قلب المفاهيم والعقائد القديمة ودثرها واستبدلها بالدين الجديد، وتصوراته العقيدية والأخلاقية والتشريعية والتعبيرية. وإذا حاولنا أن نتعرف على الذي حدث، حتى نفسره، وحتى تتضح أبعاد هذا الانقلاب وتأثيره على الفن الشعري، فإننا نرى أن الأساس الأول لتفسير السلوك البشري واللبنة الأولى في استقراره أَو انهياره هو العقيدة، فالسلوك البشري نبتة عظيمة جذورها النوايا وتربتها العقيدة، بما تطرحه من تصور وتفسير للحياة، لقد انهارت العقيدة الجاهلية في نفوس أصحابها أمام الدين الذي استولى على لباب أتباعه، وأصبح الإنسان العربي لا يدخل الإسلام إلا وقد خلع على أبوابه معتقدات الجاهلية وأخلاقها وجميع ما يمت لها بصلة، ويدخل عقيدة الإسلام وتصوره وقيمه، لتصبح هي الميزان المنهجي الذي ينظر من خلاله للأمور، وهذا يكشف قدرة الإسلام على توجيه فكر ومشاعر اتباعه وطرائقهم التعبيرية في فترة وجيزة من الزمن. 

وهذا التحول حدث لكل الشعراء الذين أسلموا، لبيد بن ربيعة، النابغة الجعدي، حسان بن ثابت، كعب بن مالك، عبد الله بن رواحة وغيرهم…، ولكن بمستويات متفاوتة.

الخنساء بكت أخاها صخراً طوال عمرها في الجاهلية، وعندما مات أولادها الأربعة في الفتح الإسلامي قالت: (الحمد لله الذي شرفني بموتهم وأرجو أن يجمعني الله بهم في مستقر رحمته) فما الذي حدث؟! أتبكي أخاها ولا تبكي أولادها، انه الانقلاب الذي أحدثه الإسلام في نفوس اتباعه. 

هذا التحول من الجاهلية إلى الإسلام، دخل إلى نفس حسان، فأحدث التغيير الجذري في فكره وسلوكه وشعره، انتقل فيه من الوثنية إلى التوحيد، ومن العصبية القبلية إلى الأُخوة الإسلامية، ومن المنافسة الأدبية التي تهيم في كل واد، إلى الأدب الموجه الملتزم بالإسلام، وقد أطلق مؤرخو الأدب على ظاهرة التحول هذه اسم “الخضرمة”، وهي تشمل جميع الشعراء الذين هداهم الله وانحازوا للإسلام. 

3- مصطلح “الخضرمة” أو المخضرم 
وهو مصطلح عميق دقيق، يحتاج إلى تجلية وإيضاح، ولعل أَول معانيها الانحياز والانتقال الذي تم في نفوس الشعراء، وجعلهم يتركون دين الآباء والأجداد إلى دين الإسلام والتوحيد، إنه انتقال من النهج القديم المعوج إلى النور الجديد الذي أَنار العقول والقلوب، وهو يعني الجيل الأول الذي تحمل مسؤولية رفض الجاهلية واعتناق الإسلام، وهذا الأمر يعني التفريق بين “المخضرم ” الذي تحمل مسؤولية الاشتراك في هذا الانقلاب الشامل، وبين من بقي على الجاهلية معتنقاً لها متمسكاً بها مدافعاً عنها، لأنه على الرغم من انه لحق بالإسلام من ناحية عنصر الزمن، إلا أنه بقي جاهلياً، لأنه رفض الإسلام كعقيدة ومنهج حياة، وعلى هذا فهو امتداد للعصر السابق في العقل، والسلوك والتعبير، وهناك النوع الثالث وهو الجيل الذي ولد في الإسلام من أبناء المسلمين، ولم يعش تجربة الآباء الذين تمردوا على الجاهلية، وإنما تفتحت عيونه على الإسلام الذي يواجه الجاهلية، وقد كانت هذه النماذج الثلاث: الجاهلي والمخضرم والجيل المسلم الأول كلها تعيش داخل إطار فترة زمنية واحدة، وهذا هو الفهم العميق ” للخضرمة ” في الأدب إنها انقلاب فكري حدث لمرة واحدة في تاريخ هذه الأمة، وظهرت آثاره العميقة على موازين الشعراء الفكرية، والفنية، والتعبيرية، بعد أن خلعوا الجاهلية على أعتاب الإسلام دون أسف عليها، وقد كان حسان بن ثابت من أوائل الشعراء المخضرمين السابقين لاعتناق الإسلام.

* عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية

اكتب تعليقك على المقال :