بدايةً يجب التأكيد أن الحديث عن المقاومة وحركات التحرر الوطني وحق الشعوب في تقرير مصيرها كان لا يمكن أن يحصل لولا وجود الاحتلال والاستيطان ووجود أنظمة عنصرية بطبيعتها، فمبرر وجود حركات التحرر الوطني والمقاومة هو الاحتلال ذاته، فالاحتلال هو الفعل والمقاومة هي ردة فعل عليه، ولذلك فإن مقاومة الشعب الفلسطيني ونشأت مقاومته مرتبطة إرتباطاً مباشراً بالنكبة ونشوء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين.
وإذا كانت المقاومة الفلسطينية نشأت قبل النكبة إلا أن نشوء الكيان حول مقاومة الشعب الفلسطيني ليس فقط إلى مقاومة تعمل على تحرير الأرض من الاحتلال انما ايضاً الى حركة تحرر وطني تمثل الشعب الفلسطيني بأكمله وحاملة آماله في بناء دولة فلسطينية مستقلة عليها. مصطلح حركات التحرر وحق الشعوب بتقرير مصيرها قديم جداً أكدت عليه الثورة الفرنسية عام 1789.
وحتى نصل إلى توضيح الفرق بين مصطلح حركات المقاومة ومصطلح “الميلشيات المسلحة” لابد العودة إلى قواعد القانون الدولي الذي تناولت هذه المصطلحات سواء ما جاء بالعرف الدولى أو الاتفاقيات أو غيرها، هذه الاتفاقيات تذكر المصطلحات بصفة عامة ويأتي دور فقهاء القانون وشراحه لتوضيح معنى هذه المصطلحات، بالرجوع إلى المذكرات الايضاحية وما تم تداوله من نقاشات اثناء وضع الاتفاقية أو المعاهدة ويستعينون بمصادر القانون الدولي في مقدمها العرف الدولي، لطبيعة قواعد القانون الدولي الذي نشأ بموجب الأعراف الدولية قبل أن يتم تقنين قواعده.
من خلال المواثيق الدولية والاتفاقيات العامة الشارعة أو الثنائية، وإن من أهم الوثائق الدولية التي أشارت إلى مصادر القانون الدولي المادة السابعة من اتفاقية لاهاي الثانية عشر لعام 1907م، وكذلك المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية المادة 38.
ولا بد الإشارة إلى أن التوثيق الوارد في نصوص المواد حول مصادر القانون الدولي لا يعني وجود تدرج هرمي في قواعد القانون الدولي.
بالعودة إلى عنوان المقال حول حركات التحرر والميلشيات المسلحة سنبدأ بالتعرف على ماهية حركات المقاومة التي عرفها فقهاء القانون بالحركات التي تتشكل للدفاع عن شعبها بسبب الاحتلال الذي يقع من دولة محتلة او معتدية، وهذه المجموعات ليست حديثة العهد او النشأة، انما وجدت عبر العصور ومنها حركات التحرر الفيتنامية التي تشكلت بعد قيام الولايات المتحدة بغزو واحتلال فيتنام وكذلك حركات التحرر في دول افريقيا ابان الغزو الفرنسي والايطالي وغيرها الكثير عبر التاريخ، وربما تكون حركات التحرر الفلسطينية هي البقية الباقية بسبب الاحتلال الصهيوني الذي يكاد يكون هو الأخير الذي بقي جاثما على الأراضي العربية والفلسطينية.
ورد في البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 الملحق باتفاقية جنيف 1949 المتعلقة بحماية ضحايا المنازعات المسلحة الدولية وفق أحكام المادة الرابعة من البروتوكول المذكور وتضمن الباب الأول منه قاعدة هامة لمناضلي حركات التحرر الذي اعتبر أن حروب التحرر نزاعات دولية (تتضمن الأوضاع المشار إليها التي تناضل بها الشعوب هذا التسلط الاستعماري والاحتلال الأجنبي وذلك في ممارستها لحق الشعوب في تقرير المصير).
والنص واضح أنه يتحدث على مقاومة الاستعمار والاحتلال وهذا ما ينطبق على حركات المقاومة الفلسطينية التي كرست جهدها وصوبت سلاحها تجاه الكيان الصهيوني لتحرير ما تم اغتصابه من الاراضي الفلسطينية وتحرير اسرى الشعب الفلسطيني من سجون الكيان واعادة اللاجئين إلى مدنهم التي هجروا منها، وهذه الأهداف التي أعلنتها وتنادي بها حركات المقاومة لم تعد مخفية على أحد وتصدح بها صباح مساء دون مواربة أو تورية.
إن ما تم إدراجه من نصوص في البروتوكول يؤكد على أهمية ما تقوم به حركات التحرر التي تحصر نضاله ضد الاستعمار والاحتلال الأجنبي، وهذا مكن حركات التحرر اكتسبت مركز قانوني دولي بالغ الأهمية، ويعد ذلك سابق في القانون الدولي والإنساني الذي منحها مركز قانونيا واضفى على أفرادها حق الحماية أثناء الحروب سواء في حال وقع أحد أفرادها بالأسر ليتمتع بالحقوق التي منحها له القانون.
وأن المادة 96 الفقرة الثالثة في البروتوكول الأول، جاءت بالاعتراف الكامل بحركات التحرر الوطني وهذا يؤكد على التفرقة فيما بينها وبين غيرها من المجموعات المسلحة، وكذلك المادة (43) من البروتوكول الأول التي ساوت في المركز القانوني بين حركات التحرر الوطني والقوات المسلحة للدول في الحماية خلال النزاعات الدولية.
والجدير بالاهتمام أن النصوص القانونية الواردة في البروتوكول الأول لعام 1977 تؤكد الاعتراف بحركات التحرر الوطني في القانون الدولي على أنها الوسيلة الشرعية أمام الشعوب للحرية والاستقلال من خلال النضال للتحرر من سيطرة الاستعمار.
وما يؤكد مصطلح حركات التحرر الوطني وارتباطه بالنضال ضد الاستعمار وأنه المصطلح الواجب التمسك به وتداوله ما جاء في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (3237) لسنة (1974) بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلًا بالشعب الفلسطيني.
وقرار الجمعية العامة رقم (2980) الصادر في الدورة المرتبطة بالأمم المتحدة لإعلان منح الاستقلال للدول والشعوب المستعمرة، فقد نصت الفقرة التنفيذية الثانية منه على أن الجمعية العامة تؤكد من جديد ان اعترافها ومجلس الأمن وغيرها من أجهزة الأمم المتحدة بمشروعية كفاح الشعوب المستعمرة من أجل تحقيق حريتها واستقلالها، ويتتبع ذلك قيام مجموعة من أجهزة الأمم المتحدة بتقديم كل المساعدات المالية والمعنوية الضرورية لحركات التحرر الوطنية.
وقرار الجمعية العامة رقم (23/147) الصادر في الدورة 32 لعام 1977 الخاص بالتدابير الرامية إلى منح الحق غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال لجميع الشعوب الخاضعة لنظم استعمارية وعنصرية ولغيرها من أشكال السيطرة الاجنبية وتقرير شرعية كفاحها ولا سيما كفاح حركات التحرر الوطني وفقاً لأهداف الميثاق ومبادئه والقرارات الصادرة عن هيئات الأمم المتحدة في هذا الشأن.
أن ما تم بسطه من مواد قانونية وقرارات أممية يؤكد حق الشعوب بتشكيل حركات التحرر لما لهذه الحركات من مركز قانوني يمكن للدول التعامل معها بوصفها تمثل الشعوب الواقعة تحت الاحتلال.
أما المليشيات فهو مصطلح سياسي يطلق على مجوعات محلية تنشق عن الجيش الوطني وتتمرد على للدولة ويكون هدفها السيطرة على مؤسسات الدولة واقتسام إقليم الدولة وتنشأ على اساس عرقي أو طائفي والكثير منها يكون له ارتباط بدول وتمويل أجنبي وتوصف بالعمالة والخيانة.
وخير دليل يمكن الحديث عنه ما يطلق عليها مليشيا هي ميليشيا الدعم السريع السودانية، واضح للعيان ان هذه الميليشيات هدفها هو ذات الدولة وليس المحتل، وكذلك تستهدف بقتالها جيش الدولة وليس جيش العدو، تسعى للسيطرة على جزء من إقليم الدولة وإخضاع هذا الإقليم إلى سلطتها وسيطرتها. وهذا ما يفرقها عن حركات التحرر الوطنية.
ومن الامثلة على المليشيات ما تقوم به ما يعرف (ميليشيات بورما) وما يحدث في إقليم (تيجراي) دولة أثيوبيا، وقد يكون سبب نشأته هذه المليشيات (عرقي أو طائفي).
فالميليشيات مجموعات مسلحة تنشأ خارج إطار مؤسسات الدولة المركزية وتعمل خارج سلطة الدولة وتستخدم العنف وسيلة لتحقق أهدافها السياسية أو الطائفية من الدولة المركزية.
وبالمقارنة التي ذكرنا يظهر الاختلاف الجوهري بين أهداف ومنطلقات حركات التحرر الوطني والميليشيات المتمردة وأخذا بالمعيار الموضوعي والشكلي لتكوين ومنطلقات واهداف حركات التحرر الوطني، وعليه تكون حركات المقاومة الفلسطينية هي حركات تحرر وطني وليست ميليشيات متمردة.
ان من حق حركات التحرر الفلسطينية (حركات المقاومة) على الأمة شعوبا ومسؤولين ان تسميها بما منحها القانون الدولي من صفة ومركز قانوني، وهي التي خاضت عبر 15 شهرا في غزة حربا بطولية بمواجهة الكيان الصهيوني والتي تعد الاشرس عبر العصر الحديث، ورغم كل ما عانته من حصار شديد وحرب ابادة بقيت على أهدافها بحصر استهدافها للكيان على أرض فلسطين وليس خارجها، ولم يسجل عليها عبر 40 سنة الأخيرة من عمر الصراع مع الكيان الصهيوني أنها اساءت لأي دولة عربية أو مست بسيادتها، بل بقيت بكل خطابات وسلوكها وممارساتها الفعلية تؤكد على حرصها وانتمائها إلى عمقها العربي والإسلامي. ومحافظتها على حسّها الإنساني وقد شاهد العالم حسن صنيعها مع أسرى العدو الصهيوني وكيف حافظت عليهم ولم تمس اي أسير بسوء خلافا لما تقوم به دولة الكيان الصهيوني في تعاملها مع الأسرى الفلسطينيين في سجونها، وأيضا بخلاف ما تقوم به المليشيات المسلحة من اغتصاب ونهب وحرق وغيره من الجرائم.
إن ما ينطبق على حركات المقاومة في فلسطين هو مصطلح حركات التحرر الوطني وليس ” الميليشيات”، ولا أدلّ على ذلك من سلوكها أدائها في مدن الضفة الغربية ( جنين، وطولكرم، ونابلس، والخليل، وقلقيلية، و…) التي صمت سلاحها عندما تم محاصرتها ومهاجمتها واعتقال أفرادها من قبل أجهزة السلطة الفلسطينية حفاظا على الدم الفلسطيني، وحتى لا تنحرف الموجهة ضد العدو الحقيقي وهو الكيان الصهيوني المحتل، في حين يرى العالم عندما قامت قوات الكيان الصهيوني باقتحام مخيم جنين كيف تتصدى المقاومة لهم للدفاع عن الشعب الفلسطيني. ما تستحقه من تسمية واعتراف وتمثيل للشعب الفلسطيني هي حركات المقاومة وليس غيرها.