حين سأل المحقق الصهيوني كريه الرائحة، الأسيرة لمى خاطر في أي سجن كنت
تفضلين: سجن السلطة الفلسطينية أم السجن الاسرائيلي؟ انذهل «المحقق» لسماع
أنها تفضل السجن الفلسطيني: «أنا في حوار سياسي مع السلطة الفلسطينية. ولكن
هؤلاء أبناء شعبي. من المفضل أن أكون في سجن فلسطيني على أن أكون لدى
العدو».
تقول الصحافية اليسارية المثيرة للجدل عميرة هاتس التي يدعو قطاع كبير من
المتطرفين الإسرائيليين لقتلها أو ترحيلها لمواقفها الداعمة للقضية
الفلسطينية، مثل زميلها في صحيفة «هآرتس» جدعون ليفي: «كجزء من الضغط
النفسي جعلوا لمى خاطر تشاهد فيلما قصيرا شوهد فيه زوجها يبكي بعد واحدة من
تمديدات اعتقالها في المحكمة العسكرية. قالت للمحقق: «زوجي لا يخجل من
إظهار مشاعره، إن بكاءه فقط يزيد من حبي له».
شهادة لمى خاطر حول تعذيبها النفسي وإرهاقها جسديا تتطابق مع شهادت أخرى
تقدمت بها أسيرات من بينهن: دينا كرمي، سوزان العويوي، وصفاء أبو سنينة،
وهبة اللبدي.
من الشهادات يتبين أن هؤلاء الأسيرات نقلن الى التحقيق بعد اعتقال مهين
ومؤلم. فورا عند الاعتقال تم تكبلهن بالقيود البلاستيكية لمدة 24 ساعة
ونقلن من مكان اعتقال الى آخر وهن جالسات على أرضية «الجيب» العسكري وهن
معصوبات العيون.
شكاوى الأسيرات تحمل نمط تحقيق متشابهاً، لقد منعن من النوم بطرق مختلفة،
تحقيق مطول من 17 ساعة و20 ساعة، وأصوات ضجة مختلفة قرب الزنزانة التي
احتجزت فيها بين فترات التحقيق، منها الضرب على الجدار، محادثات بصوت مرتفع
بين السجانين والدخول الى الغرفة كل نصف ساعة من أجل السؤال إذا كان الوضع
على ما يرام، جميعهن تم احتجازهن وهن يجلسن لساعات طويلة وايديهن مكبلة
للخلف. التحقيقات تضمنت صراخ وتهديدات لهن ولأبناء عائلاتهن، وأحيانا أقوال
وإشارات ذات طابع جنسي واضح، ينم على عقلية مريضة.
جميعهن تم احتجازهن بشكل انفرادي في زنزانة قذرة ونتنة لبضعة أسابيع. بعضهن
تم نقلهن لعدة أيام إلى زنزانة الظروف فيها أكثر فظاعة. تتضمن الشكوى التي
تقدمن بها ما يلي: «الزنزانة كانت معزولة، مضاءة وباردة جدا. وكان فيها
فرشة رقيقة جدا وقذرة. من البطانية التي كانت مليئة بالغبار انطلقت روائح
كريهة. مياه الشرب كانت صدئة وساخنة والحمام كانت حفرة في الغرفة انطلقت
منها أيضا رائحة نتنة. التكييف البارد في الغرفة كان موجه مباشرة إلى رأس
المشتكية وهو الأمر الذي جعلها تحول رأسها باتجاه ثقب المرحاض».
هذه الشهادات تتطابق تماما مع ما كشفت عنه الأسيرة الأردنية، هبة اللبدي
والمضربة عن الطعام منذ أسبوعين، عن تعرضها لتحقيق قاس، ولجملة من
الانتهاكات المتواصلة على مدار الساعة من المحققين الإسرائيليين.
ونقلت هيئة شؤون الأسرى عبر محاميتها، الإفادة الكاملة للأسيرة اللبدي لما
تعرضت له على أيدي السلطات الإسرائيلية منذ لحظة الاعتقال وحتى اليوم، وهي
إفادة تتطابق تماما ما كشفت عنه أسيرات وأسرى في سجون الاحتلال، حيث قالت
اللبدي: «في 20 آب الماضي، قدمت من الأردن مع أمي وخالتي لحضور زفاف ابنة
خالتي.. خططت لإجازة 5 أيام مليئة بالفرح، لكن الاحتلال أخذني لعالم ثان لم
أكن أتوقعه ولا بأحلامي السيئة ولا حتى بالكوابيس».
وأضافت: «وصلنا جسر اللنبي حوالي الساعة التاسعة صباحا، تم توقيفي حوالي
ساعتين، بالبداية أغلقوا الباب علي وبعد صراخي عليهم تم فتح الباب، بقيت
مجندة تحرسني، خلال هذه المدة تم تفتيشي تفتيشا شبه عار، بعدها تم تعصيب
عيني وتقييد يدي بقيود بلاستيكية ورجلي بقيود حديدية ونقلوني لقاعدة عسكرية
تبعد حوالي ربع ساعة».
وأفادت اللبدي بأنها قضت نحو شهر في التحقيق، تعرضت فيه للتعذيب الجسدي والنفسي.
وقالت: «وصلت مركز التحقيق الساعة الثامنة مساء، كنت مرهقة كثيرا وأنزلوني
درجا وممرات ضيقة وكانت زنازين تحت الأرض، كانت المجندة المرافقة لي تدفعني
دفعا وتتعامل بطريقة عدوانية، ارتحت بالزنزانة حوالي نصف ساعة وبعدها
أخذوني للتحقيق لغاية ساعات الفجر من اليوم التالي».
وتابعت: «أول 16 يوما تقريبا كان التحقيق متواصلا منذ حوالي التاسعة صباحا
لغاية الساعة الخامسة فجرا من اليوم التالي خلال هذه الساعات الطويلة
ينزلونني للزنزانة مرتين أوقات وجبات الأكل كل مرة حوالي نصف ساعة فقط،
بعدها تم نقلي لغرف عصافير مجدو والجلمة ومن ثم أعادوني لتحقيق بيتاح تكفا.
مكثت على ذمة التحقيق حوالي 35 يوما بظروف قاسية جدا جدا».
وأضافت: «التحقيق كان عبارة عن تعذيب نفسي وكان عنيفا جدا. فمنذ نحو
التاسعة صباحا لغاية ساعات الفجر من اليوم التالي، ساعات طويلة جدا بغرفة
التحقيق جالسة على كرسي مقيدة ومربوطة بالكرسي والكرسي ثابت بالأرض، الشيء
الذي سبب لي آلامًا شديدة بالظهر والأيدي والرقبة، المحققون كانوا يصرخون
علي بصوت عال وكانوا يجلسون شبه متلاصقين بي حيث كانت كراسيهم قريبة مني
وكانوا يحيطون بي وكأنهم يتعمدون ملامسة رجلي فكنت أحرك رجلي وأبعدها،
طريقتهم مستفزة جدا، يبصقون علي ينعتونني بأقذر الصفات ويسبونني».
وأوضحت اللبدي أنه تم تهديدها وضغطوا عليها بقولهم إنهم اعتقلوا أمي وأختي
وهددوهما بهدف سحب اعتراف مني حيث قالوا لي اعترفي أفضل لك، وبعد أن يئسوا
ومحاولاتهم باءت بالفشل هددوني بالاعتقال الإداري حيث قالوا لي: ما عنا
دليل ضدك بس عنا الاعتقال الإداري مع صلاحية لتجديده لمدة سبع سنوات ونصف
وبعدها راح نحبسك بالضفة تحت عيوننا ونمنعك تروحي الأردن ونمنع أهلك من
زيارتك.. حاولوا الضغط علي بكل وسيلة».
ونوهت إلى أنهم وضعوها «بزنزانة ضيقة مليئة بالحشرات.. حيث كنت أصحو
والصراصير والنمل والحشرات على ملابسي، أعطوني بيجامات رائحتها كريهة
ووسخة، الحيطان إسمنتية خشنة من الصعب الاتكاء عليها، فرشة رقيقة بدون
غطاء، بدون وسادة، الضوء مشعل 24 ساعة مزعج للنظر، بدون تهوية طبيعية وبدون
شبابيك رطوبة عالية معطل وبدون ماء. الرائحة كريهة طلبت فورة نصف ساعة،
فرفضوا. صراخ وتخبيط وضجة وأصوات مزعجة من الزنازين المحيطة».
ولفتت إلى أنه حقق معها كم كبير من المحققين.. «كانت معاملتهم سيئة
وتصرفاتهم سيئة جدا وكانوا يسبون ويشتمون. كان المحققون يلعبون أدوارا،
فأحدهم يمثل أنه جيد والآخر سيئ التعامل».
شهادات صادمة ومؤلمة لأسيرات من الحرائر،الأوضاع التي تمر بها الأسيرات في
سجون الاحتلال تستدعي تدخلا عاجلا لوضع حد لمعانتهن في غرف التحقيق
الإسرائيلية حيث يمارس «محققون» منحرفون وساديون أمراضهم النفسية دون رقابة
من أية جهة دولية، كما أن الأوضاع المقلقة والمثيرة للغضب التي تمر بها
الحرائر العربيات في سجون العدو، تتطلب حملة عالمية في وسائل الإعلام
ومواقع التواصل الاجتماعي لكشف جرائم الاحتلال، وتعرية الوجه الحقيقي الذي
يختبىء خلف قناع «الجوكر».
يجب أن يسقط القناع حتى يظهر الوجه العنصري السادي والعنيف والقاتل
للاحتلال، وحتى نحمي نساء العرب من جيش ورجال شرطة يخشون مواجهة
الفلسطينيين والعرب فيمارسون أمراضهم على النساء والأطفال واقتحام المنازل
في منتصف الليل وترهيب الأطفال واعتقال الحرائر من بيوتهن دون أية تهمة
واضحة، فقط رغبة دفينة وملحة في استعادة رجولتهم بمواجهة نساء وأطفال عزل.
استعادة مقيتة وسوداوية لكل ممارسات النازية وربما أكثر بشاعة منها.