كتب الإمام البنا كثيرًا عن ذكرى مولد الرسول الكريم، ونشرت له صحافة الإخوان مقالاتٍ وخطبًا وعظاتٍ في تلك المناسبة العظيمة، وقد سبق ونشرنا بعضًا من تلك المقالات، واليوم نعرض بعضًا من روائع المقالات والعظات والخطب التي لم ننشرها من قبل.
إعداد: عادل المحلاوي
[1] مقال بعنوان: النبي العظيم صلى الله عليه وسلم
[2] مقال بعنوان: يوم العالم
[3] عظة المنبر: ذكرى مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم
[1] النبي العظيم صلى الله عليه وسلم
أي قلم يحيط وصفه ببعض نواحي تلك العظمة النبوية, وأية صحيفة تتسع لأقطار هذه العظمة التي شملت كل قطر وأحاطت بكل عصر وكُتِب لها الخلودُ أبد الدهر، وأي مقال يكشف لك عن أسرارها وإن كتب بحروف من النور وكان مداده أشعة الشمس, على أنك تعجب حين ترى هذه العظمة التي فرعت الأوصاف وتعالت عن متناول الألسنة والأقلام والعقول والأفهام ماثلةً في كل قلوب مستقرة في كل نفس يستشعرها القريب والبعيد ويعرف بها العدو والصديق وتهتف بها أعواد المنابر, وتهتز لها ذوائب المنائر.
ألم تر أن الله خلَّد ذكره إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشقَّ له من اسمه ليحله فذو العرش محمودٌ وهذا محمد
وإن العظيم ليكون عظيمًا بإحدى ثلاث:
بمواهبَ تميزه عن غيره وتعلو به عمن سواه وتجعله بين الناس صنفًا ممتازًا مستقلاً بنفسه عاليًا برأسه يجل عن المساماة، ويعظم على المسابقة أو بعملٍ عظيمٍ يصدر عنه ويعرف به ويعجز الناس عن الإتيانِ بمثاله أو النسج على منواله, أو فائدةٍ يسديها إلى الجماعة وينفع بها الناس, وبقدر ما يكون العظيم متمكنًا من وصفه مفيدًا في إنتاجه بقدرِ ما تكون درجتُه من العظمة, ومنزلتُه من التقدير, ولهذا تفاوتت منازلُ العظماء, واختلفت مراتبهم, فمنهم سابقٌ وبلغ ذؤابات العظمة ومقتصد بلغ من حدودها ما يرفعه إلى مصاف العظماء, ومقصر كان نصيبه منها أن نسب إليها ولصق بها أو لصقت به.
والناس ألف منهم بواحد وواحد كالألف إن أمر عنى
كذلك يكون العظيم عظيمًا بواحدة من هذه الثلاث وبجزء من الواحدة يصل إليه, فكيف إذا جمعها جميعًا ووصل في كل منها إلى التي ليس بعدها غاية, وجاوز في علوه الحدودَ التي وضعها الناس للعظمة والعظماء, وذلك ما اختصَّ به الله تبارك وتعالى نبيَّه المُجتبى, وحبيبه المصطفي سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم-.
رتب تسقط الأماني حسرى دونها ما وراءهن وراء
فأما عن المواهب التي ميزه الله بها عن غيره فحدِّث عن الفيض ولا حرج، فلقد كان- صلى الله عليه وسلم- من شرف النسب وكرم الأصل في صميم قريش ولبابها وذروة الشرف وسنامه لم تزلْ في ضمائرِ الكون تختار له الأمهات والآباء، فهو من خير أسرة في أنبل قبيلة لأكرم شعب وأزكى جنس، ولا غرو فهو- صلى الله عليه وسلم- خيارٌ من خيارٍ من خيارٍ.
شرف يقرع النجوم بروقيه وعز يقلقل الأجبالا
وهو من حيثِ الجمال الخلقي في أسمى معانيه وأعلى رتبه قوي البنية، تام الخلقة، أجمل الناس طلعةً، وأوفرهم هيبةً, وأوضاهم وجهًا, وأعذبهم ابتسامةً، وأحلاهم منطقًا, إذا تبسَّم كأنما يفتر عن حب الغمام، وإذا ضحك رؤى النور يخرج من بين ثناياه.
وإذا نظرت إلى أسرة وجهه برقت كبرق العارض المتهلل
وإن ذلك لمعنى عرضي من معاني الكمال الذاتي الذي أودعه الله نفس نبيه محمد- صلى الله عليه وسلم- ولع الناس بالتمدح به والإغراقِ في ذكره، وهم لو التفتوا إلى سواه من معاني الكمال المحمدي لوجدوا في ذلك البحر الذي لا ينضب معينه, والمصباح الذي لا يخبو نوره، وإنما ذكرناه في معرض حديثنا عن العظمةِ المحمديةِ؛ لأنه كمال انفرد به المصطفي- صلى الله عليه وسلم، ولم يشاركه فيه أحد سواه.
وهو من حيث الكمال الخلقي بالذروة التي لا تنال والسمو الذي لا يسامي, أوفر الناس عقلاً، وأسدهم رأيًا, وأصحهم فكرةً, وحسبك أنه ساسَ هذه القبائلَ الجافيةَ والنفوسَ القويةَ العاتيةَ، ولم يستخدم في ذلك الإغراءَ بالمال ولا الإرهابَ بالقوةِ، فلقد كان في قليل من الثروةِ وضعفٍ من العدد والعدة ولكنه العزم الماضي والرأي الثاقب والتأييد الإلهي, والكمال المحمدي.
أسخى القوم يدًا, وأنداهم راحةً, وأجودهم نفسًا, أجود بالخيرِ من الريحِ المرسلة, يعطي عطاء من لا يخشى الفقر, يبيت على الطوى وقد وهب المئين وجاد بالآلافِ لا يحبس شيئًا وينادي صاحبه أنفق بلالاً ولا تخشَ من ذي العرش إقلالاً.
أرحب الناس صدرًا وأوسعهم حلمًا, يحلم على من جهل عليه, ولا يزيده جهلُ الجاهلين إلا أخذًا بالعفو وأمرًا بالمعروف, تواتيه المقدرة ويمسك بغرة النصر فلا يلقى منه خصمه إلا نبلاً وكرمًا وسماحةً وشممًا, ينادي أسراه في كرم وإباء: اذهبوا فأنتم الطلقاء.
أعظم الناس تواضعًا, يخالط الفقير والمسكين, ويجالس الشيخ والأرملة, وتذهب به الجارية إلى أقصى سكك المدينة فيذهب معها ويقضي حاجتها, ولا يتميز عن أصحابه بمظهر من مظاهر العظمة ولا برسم من رسوم الظهور, ويقول لهم في ذلك ما معناه إن الله يكره أن يمتاز الشخص عن أصحابه.
ألين الناس عريكةً, وأسهلهم طبعًا, ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرَهما ما لم يكن إثمًا, وهو مع هذا أحزمهم عند الواجب, وأشدهم مع الحق، لا يغضب لنفسه، فإذا انتهكت حرماتُ الله لم يقم لغضبه شيء، وكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان من شدة الغضب.
أشجع الناس قلبًا وأقواهم إرادةً, يتلقى الناس بثبات وصبر, تمر به الأبطال كلمى هزيمة, وهو ضاحك السن باسم الثغر وضاح الجبين ينادي بأعلى صوته:
“أنا النبي لا كذب.. أنا ابن عبد المطلب”.
ويداعب إصبعه وقد مسها ألم الجراح في سبيل الحق:
هل أنت إلا أصبع دميت.. وفي سبيل الله ما لقيت”
وهو من شجاعة القلب بالمنزلة التي يجعل أصحابه إذا اشتد البأس يتقون برسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ومن قوة الإرادة بالمنزلة التي لا ينثني معها عن واجب ولا يلين في حق, ولا يتردد ولا يضعف أمام شدة, ويضرب المثل العملي في ذلك لأصحابه فيقول لهم:”ما كان لنبي إذا لبس لأمة حربه أن يرجع”.
أعف الناس لسانًا, وأوضحهم بيانًا, يسوق الألفاظ مفصلةً كالدر مشرقة كالنور, طاهر كالفضيلة في أسمى مراتب العفة وصدق اللهجة، يقول لأصحابه ما معناه: “لم أبعث فاحشًا ولا متفحشًا ولا لعانًا ولا صخابًا ولا بالأسواق إنما بعثت هاديًا ورحمةً”.
أعدلهم في الحكومة وأعظمهم إنصافًا في الخصومة, يقيد من نفسه ويقتص لخصمه, يقيم الحدود على أقرب الناس إليه, ويقسم بالذي نفسه بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمدٌ يدَها.
أسمى الخليقة روحًا, وأعلاها نفسًا, وأزكاها وأعرفها لله وأشدها صلابةً وقيامًا بحقه وأقومها بفروض العبادة ولوازم الطاعة مع تناسقٍ غريبٍ في أداء الواجباتِ واستيعاب عجيب لقضاء الحقوق, يؤتي كل ذي حق حقه؛ فلربه حقه، ولصاحبه حقه، ولزوجه حقها، ولدعوته حقها، ولكل واجب من واجبات الإنسانية ما يتطلبه من أداء وإتقان.
أزهد الناس في المادة وأبعدهم عن التعلق بعرض هذه الدنيا, يطعم ما يقدم إليه، ولا يعيب طعامًا قط, وإذا لم يجد ما يأكل قال إني صائم, وينام على الحصير والأدم المحشو بالليف، ويقول في المنعمين المترفين: “إن لهم الدنيا ولنا الآخرة”, قضى زهرةَ شبابِه مع امرأةٍ من قريش تكبره بخمسَ عشرةَ سنة قد تزوجت من قبله وقضت زهرة شبابها مع غيره، ولم يتزوج معها أحدًا، وما تزوج بعدها لمتعة, وما كان في أزواجه الطاهرات بكرٌ غير عائشة التي أعرس بها وسنها تسع سنين يسرب إليها الولائد يلعبن بالدمى وعرائس القطن والنسيج.
أرفق الناس بالضعفاء, وأعظمهم رحمة بالمساكين والبائسين, شملت رحمته وعطفه الإنسان والحيوان؛ يغذِّيهم بحنانه، ويعطف على الكل بجنانه، ويقول: “في كل ذات كبد رطبة أجرا”, ويعد الرفق بالحيوان قربةً إلى الله, يشكر عليها عبده ويكافئ فيها خلقه, ويعتبر القسوةَ جريمةً حتى على الحيوان الأعجم ويحذر أصحابه فيقول: “إن امرأةًَ دخلت النار في هرة حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض”.
وهو- صلى الله عليه وسلم- مع رجاحة عقله ونضوج فكره وقوة إرادته أرقُّ الناس عاطفةً وأرقهم شعورًا وأرقهم إحساسًا, يجد لزوجه من الحنان والوفاء ما يجعله يقول: “حبب إليَّ من ناديكم ثلاث: النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة” , ويجد لابنه من الشفقة والحب ما يجعله يقول عند فقده ما معناه: “إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنّا بعدك يا إبراهيم لمحزونون”.
ويجد من الحنين لوطنه والميل لبلده التي نشأ فيها ونما بها ما يجعله تغرورق عيناه بالدمع، ويقول لأصيل الغفاري- وقد أخذ يصف مكة بعد الهجرة-:”لا تشوقنا يا أصيل ودع القلوب تقر”.
ذلك قبسٌ من نور النبوة وشعاعٌ من مشكاةِ الخلق المحمدي الطاهر، وإن في القول وفي المقام تفصيلاً.
وقد وجدت مكان القول ذا سعة فإن وجدت لسانًا قائلاً فقلِ
وإنك لتلقى العظيم ليعظمُ في قومه ويسودُ في عشيرته بخصلةٍ واحدةٍ من هذه الخصال، فكيف بمن حِيزت له بحذافِيرها, وبلغت في كل منها نهايتها.
وإنك لتجد لكلِّ عظيمٍ هفوةً ولكلِّ سيد كبوةً ولكلٍّ نابه نقيصةٌ أُخذِت عليه وعرفت عنه كأنه الكلف يشين وجه البدر, أو الغمام يحجب نور الشمس, سل التاريخ ينبئك على أنك لست بواجد شيئًا من هذا أمام عظمة النبي- صلى الله عليه وسلم-, فقد عُصِم من النقائص وعلا عن الهفوات وحل مقامه عن أن تلصق به نبوة.
خلقتَ مبرأ من كل عيب كأنك قد خلقت كما تشاء
ذلك من حيث المواهب التي اختص بها الله نبيه العظيم وحبا بها رسوله الكريم, وأما من حيث عظمة العمل الذي قام به سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم-، فبربك قل لي أي عمل أعظم من الرسالة العُظمى والنبوة الكبرى والدعوة العامة والإصلاح الشامل لكلِّ الأمم، بل للجن والإنس في كل ناحية من نواحي الحياة الدنيا وفي الآخرة, وأي أثر أخلد من القرآن الكريم والتشريع القويم الذي تركه النبي- صلى الله عليه وسلم- للإنسانية من بعده, نهتدي بهديه ونسير على ضوئه ونصلح بتعاليمه ونلجأ إليه، ييأس الناس مما في أيديهم ويفلسون من نظمهم وقواعدهم.. ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)﴾ (فصلت).
لو لم يكن للنبي- صلى الله عليه وسلم- من الفضل إلا أنه الواسطةُ في حمل هدية السماء إلى الأرض واتصال هذا القرآن الكريم إلى العالم لكان فضلاً لا يستقل العالم بشكره، ولا تقوم الإنسانية بكافله ولا يوفي الناس حامله بعض جزائه.
وناهيك بكتاب ضمن للناس إن اتبعوه صلاحَ الدنيا وسعادةَ الآخرة وعلاجَ المشكلات ودواءَ المعضلات، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.
وأنت إذا أنعمت النظر في كتاب الله تبارك وتعالى رأيته القانونَ الشاملَ والتشريعَ الكامل الذي ضمن للفرد حقوقَه وحريتَه، وحدَّد له واجباتِه العامةَ والخاصةَ لله ولنفسه ولأسرته ولوطنه وللعالم كله، وضمن للأسرة سعادتَها وهناءتها ببنائها على أفضلِ الأسس وأدق القواعد النفسية الاجتماعية، ووصف أحسن العلاج لما يطرأ على الأسر من عوامل الانحلال والفناء، مع بيان أفضل الوسائل في توثيق الروابط بين أفراد الأسرة الواحدة على أساس تقدير الجميل والتعاون على الخير، ووضع للأمة بعد ذلك أحكمَ النظم التي تبيِّن صلةَ الحاكم بالمحكوم، وتجعل الأمر شورى والناس سواسية إلا يتفاضلون إلا بأعمالهم، ولا يتفاوتون إلا بحقهم، ثم تفي على ذلك ببيانِ الصلةِ بين الأمم بعضها ببعض ووجوب تعاون بني الإنسان على خير البشريةِ العام والرقى بمستواها إلى نهاية ما قدر لها من الكمال الممكن.
كل ذلك عرض له القرآن الكريم في لفظ بليغٍ وإيجازٍ محكمٍ وجاءت السنة المطهرة ففصَّلت مجملَه وحدَّدت مطلقَه واستقصت جزئياتِه، فكان تشريع الإسلام- وهو ثمرةُ البادية وليدَ الصحراء وابن الفيافي القاحلة- أدقَّ تشريع وأكمله وأوقاه وأصلحه مع سموه عن النقد وتجافيه عن الخطأ ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ (85)﴾ (آل عمران).
فأي عمل أعظم من هذا وأي أثر أخلد منه؟.. وإن العالم كله إذا أجمع على عظمةِ أفلاطون لفلسفته وجمهوريته وعلى فضل أرسطو وتبريزه في أخلاقه وقوانينه، وعلى تقدير نابليون لعزيمته وتشريعه مع تعرُّض كل هؤلاء للهفوات والنقد المُرِّ، ومع أن معظم نظراتهم حبالى لا تثبت أمام التنفيذ ولا تتفق مع الواقعيات، ومع أنهم جميعًا كان لهم من دراساتهم وتقلبهم في معاهد العلم ومدارس الثقافة، ما يجعل ذلك ليس غريبًا منهم ولا بعيدًا عليهم.
إذا كان ذلك كذلك فإن من واجب العالم كله ولا محيص لهم عن ذلك أن يجعل عظمة محمد- صلى الله عليه وسلم- في الخلق جميعًا فوق كل عظمة، وفضله فوق كل فضلٍ وتقديره أكبر من كل تقدير، وقداسته أسمى من كل قداسة, ولو لم يكن له- صلى الله عليه وسلم- من مزيدات نبوته وأدلة رسالته إلا سيرته المطهرة وتشريعه الخالد لكانا كافيين لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد.
كفاك بالعلم في الأمي معجزة في الجاهلية والتأديب في اليتم
وأما من حيث ما أسداه إلى الإنسانية من فوائدَ، وحبا به العالم من المنافعِ فحسبك أن تعلم أنه- صلى الله عليه وسلم- المنقذ للبشرية مما ارتطمت به من أهوالٍ وصروف في عصره الذي بُعِث فيه، وأن العالم كله لن يجد العلاجَ لمشاكِلِه والحل لكل معضلاته إلا بما وضع الإسلام من دواء ووصف من علاج، ولو أن الناس كشفوا عن أعينهم غشاوة التعصب وطهَّروا قلوبهم من أدران الوهم لعلموا أن كل مشكلات اليوم بل كل مشكلات العالم حلها الإسلام بأيسر الحلول، ووصف لها أنفع الأدوية، وليس بين العالم والراحة والهناءة إلا أن يعمه تشريع الإسلام القويم وسيخلص الناس من تجاربهم إن بعيدًا وإن قريبًا إلى هذه النتيجة، ولتعلمن نبأه بعد حين.
“وأما بعد”..
فإن كانت العظمة بالتبريز في أساليب السياسة فإن نبينا- صلى الله عليه وسلم- ذلك السياسي الذي لم يخطئه التوفيق في موقف من مواقفه مع الصدق والمناصحة والبعد عن المخادعة والنفاق.
ولئن كانت المهارة في قيادة الجيوش وإحراز أعظم النصر بأقل التضحيات فهذا شانه- صلى الله عليه وسلم- في كل غزوة من غزواته أو سريةٍ من سرايا جيشه المظفر.
ولئن كانت بقوة التأثير فإن تأثير النبي- صلى الله عليه وسلم- في أصحابه لم يَرَ التاريخ مثلَه في وقت من أوقاته أو صفحة من صفحاته، وما رأت الدنيا جماعةً من الجماعات سارت على هدى نبيها أو اتبعت سنةَ قائدها كتلك الجماعةِ المؤمنةِ المخلصةِ من أصحابِ النبي- صلى الله عليه وسلم-.وإنك لتقرأ كتاب العظمة فترى عظمة محمد- صلى الله عليه وسلم- أوضح سطوره وأروع معانيه، فليعتز المسلمون بذلك، وليكن لهم في نبيهم العظيم أسوة حسنة.
[2] يوم العالم
كان فضل الله على رسوله سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- عظيمًا، وكان فضل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على العالمين عظيمًا، ولو كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نبيًّا لأمة من الأمم لكان على هذه الأمة وحدها أن تجد يوم مولده روعة الذكرى ولذة عرفان الجميل، ولكنه رسول الله إلى الأمم قاطبةً، وبعثته- صلى الله عليه وسلم- شاملةٌ كاملةٌ، فذلك قول الله تبارك وتعالى في سورة سبأ ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ (سبأ: من الآية 28) فهو- صلى الله عليه وسلم- نبي الأمم ورسول الشعوب جميعًا، بل إن رسالته- صلى الله عليه وسلم- شملت من تقدَّمه من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وأحاطت بمن تأخَّر عنه من الأمم؛ فلقد أخذ الله له العهدَ والميثاقَ على أنبيائِه ورسلِه أن بعث فيهم ليؤمنن به وليكونن من نصرائه، وليؤيدن دعوته، فذلك قول الله تبارك وتعالى في سورة آل عمران ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ (81)﴾ فهو- صلى الله عليه وسلم- بذلك نبي المتقدمين والمتأخرين.
ولو كانت بعثته- صلى الله عليه وسلم- وهدايته قاصرةً على المتقدمين والمتأخرين من هذا الجنس البشري لكان هذا الواجب الروحي في عنق بني الإنسان جميعًا، بيد أنه- صلى الله عليه وسلم- مع هذا رسول الله إلى ذلك الجنس اللامادي الذي حكى عنه أنه استمع من رسول الله القرآن فتأدب لسماعه وفهم مرماه وآمن به وبشَّر قومَه، وكان في ذلك خيرًا من كثيرٍ من الأناسيِّ، فذلك قول الله تبارك وتعالى في سورة الأحقاف ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِي اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِي اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (32)﴾
أفلا ترى هؤلاء وقد سمعوا الذكر فتأدبوا في حضرته، وتفقهوا في غايته، ثم انطلقوا يدعون قومهم إلى الإيمان بداعي الله والتسليم لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وينذرونهم أنهم إن لم يفعلوا فلن يُعجِزوا اللَّهَ في الأرض وسينتقم الله منهم، ويكونون في ضلال مبين، وإذن فهذا الواجب الروحي ليس قاصرًا على هذا الجنس البشري؛ بل هو واجبٌ على الثقلين، وقد استضاء كلاهما بنور هدايته وروى من معين رسالته- صلى الله عليه وسلم-.
وليس هو- صلى الله عليه وسلم- خفيَّ المنزلةِ على غيرِ من آمن به من الكائناتِ أو مجهولَ المقام عند غيرِ الثقلين من المخلوقات، بل إن ذكره- صلى الله عليه وسلم- في الملأ الأعلى أشرف وأسنى من ذكره في هذا الملأ الأدنى.
لقد شرفت عوالم الملكوت بزيارته كما شرفت عوالم الملك بإقامته، وفي القرآن شاهدُ ذلك، وفي السنة دليله، واقرأ إن شئت قول الله تبارك وتعالى ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ (53)﴾ (الشورى) مع قوله تعالى ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)﴾ (الإسراء) ولأمر ما قال الحق تبارك وتعالى ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)﴾ (الأنبياء) وإذن فهذا الواجب الروحي واجبٌ على الكون كله, أرضه وسمائه وإنسه وجنه؛ إذ كانت رسالته- صلى الله عليه وسلم- هدى وبركة وخير ويمن ورحمة للعالمين.
ولو كان بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رسول لكان للمقصرين شبه عذرٍ في التراخي عن إحياء هذه الذكريات في نفوسهم، أما ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- خاتم النبيين وآخر المرسلين انتهى الوحي إليه، وخُتِمت النبوةُ برسالته، فذكرياته- صلى الله عليه وسلم- نبراسُ المهتدين ودليلُ السارين انتهت إليها الهداية، ووقف عندها الإرشاد، فلا محيصَ عنها لسواها، ولا معدل إلى غيرها، والله تبارك وتعالى يقول ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ (الأحزاب من الآية40).
لقد علمنا رسول الله أن نقول الحق للحق وأن تخالط قلوبنا بشاشة الإيمان، وأن ندع الناس حتى يروا من آيات الله ما يحملهم على التسليم والإذعان.
وقد عرفنا من فضل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما هو فوق مستوى العبارات والألفاظ، وإن قومًا ممن حصروا أنفسهم في حدودِ البحث الضيق، وجمدوا على هذا الحصر فلا يرون منه مخرجًا قد يرون ما نقول تصديرَ كاتبٍ أو عاطفةَ محبٍّ متعالٍ فيمن يحب، فليعلم إخواننا أننا نعني ما نقول، ونعتقد أن ما نكتب حقيقةٌ ماثلةٌ لا خيالاً مفروضًا ولا تصويرًا مبتكرًا، ولو شئنا أن نقول لهم إن ما علمتم من علوم هذا العصر تؤيد ما ذهبنا إليه وتدعم ما أوردناه لقلنا وأفضنا في ذلك، وليس في الأمر مستغربٌ، ولذلك مقام آخر، ولكل مقام مقالٌ، ولم يُطوَ بعد بساطُ البحث، وستظل الأقلام تكتب والألسنة تقول وتتخلل، وعظمة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على ما هي عليه.. سرٌّ محجبٌ وكنزٌ مغيبٌ لم تصل إلى كنهها كتب الكاتبين، ولم تستطع تصويرَ حقيقتِها ألسنةُ القائلين, ولعمر أبيك إنها العظمةُ التي أمدها الله بفيضه وخلع عليها من نعمته وفضله، وامتنَّ على صاحبها بقوله ﴿ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)﴾ (النساء) تقصر دونها عظمةُ العظماء وتنحسرُ أمامها مراتب الملوك والأمراء.
رتب تسقط الأماني حسرى دونها ما وراءهن وراء
فأني للقلم أن يحيط بفيض لا ينتهي مدده وأني للقول أن يلم بمدى لا يدرك أمده وأنَّي للعقول أن تتطاول إلى إدراكِ معنى جعله الله أسمى من متناول العقول والأفهام وأنَّى للزمن أن ينالَ من خلود أراد الحق أن يكون أبقى من السنين والأعوام.
أيها المسلمون: اذكروا عظمةَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في يوم مولده وفي كل وقت واستمدوا من هذه الذكرى روح العظمة الصحيحة والعزة القويمة، واذكروا أنكم خير أمة توصفون، وإلى أفضل نبي تنتسبون فلا تستنيموا إلى مذلة ولا تركنوا إلى هوان، ودعوا هذه المنازل الصغيرة التي لا تدل على غير العبث والمجون واللهو والفضول والغفلة والصغار في يوم شرف العالم فيه بظهور أسمى رمز للعزة والفخار وبمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[3] عظة المنبر: ذكرى مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم
الحمد لله الذي أنار الوجود بطلعة أبى القاسم، وشرفه بأفضل المواهب وأجزل المكارم وبعثه هاديًا للأمم وسراجًا في الظُلَم ورحمة للعالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله وحبيبه وصفيه اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع هداهم إلى يوم الدين.
أما بعد… فيا أمة سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- قبل مبعث نبيكم- صلى الله عليه وسلم- تغشت العالم كله سحابة من الظلم والفساد والفسوق والإلحاد اختل فيها ميزان العدل واختفى معها وجه الحق وضل الناس طريق الهدى والرشاد، ففي العرب على كرم أخلاقهم وشريف نفوسهم وقويم طباعهم وسلامة فطرتهم جهل وغلظة وجفوة وقسوة وشرك بالله وانغماس في حمأة الشقاق والخلاف وفي الفرس والروم وغيرهما من دول الأرض ظلم واستبداد وقسوة واستعباد وتسلط من القوى على الضعيف وانتهاك لحرمات الشرائع والآداب فكان لا بد لهذا العالم الموبوء ولهذه البشرية المعذبة والإنسانية الباكية والفضيلة المستذلة من منقذ يقيم ميزان العدل ويخفي دولة الظلم ويحق الحق ويبطل الباطل ويخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد الله الذي له ما في السموات وما في الأرض.
وقد أراد الله تبارك وتعالى أن يكون هذا المنقذ الكريم والمصلح العظيم صفوته من خلقه وخيرته من عباده سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم- صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه-.
لم تزل في ضمائر الكون تختار له الأمهات والآباء, اختار الله من خلقه بنى آدم واختار من بنى آدم العرب واختار من العرب قريش واختار من قريش بنى هاشم واختاره- صلى الله عليه وسلم- من بنى هاشم فهو خيار من خيار وأنت إذا فحصت عن طبائع الأمم وسألت تاريخ الجماعات عن هذا الحكم رأيت البحث العلمي والتحليل النفسي يؤيد لك هذا الخبر النقلى ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ (من الآية 43 من سورة النحل).
ولم يزل نوره الساطع- صلى الله عليه وسلم- يتنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات عن زواج شرعي لا عن سفاح حتى انتهي ذلك الشرف إلى أبيه عبد الله بن عبد المطلب أزكى قريش أصلاً وأنماها فرعًا وأوسطها دارًا وأطهرها منبتًا وإلى أمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن حكيم وهي سيدة نساء قومها وأشرفهن موضعًا وأعفهن نفسًا، وكان عن اجتماع الكريمين وزواج السيدين أن تحققت إرادة الله في إسعاد العالم وإشراق شمس الهداية والعرفان في سماء مكة المكرمة حتى ملأت أشعتها كل مكان فحملت به- صلى الله عليه وسلم- وتوفي والده وهو حمل لا تجد له أمه وجعًا ولا ألمًا ولا تستشعر منه أذى ولا وحمًا وما زالت تتوالى الإرهاصات وتتتابع البشارات وتظهر العلامات حتى كانت الليلة الكريمة فولد- صلى الله عليه وسلم- يشرق وجهه بنور العرفان وتتجلى على قسمات وجهه الشريف سمات النبوة والإيمان، ويعتقد من نظر إليه أنه رسول هذا الزمان فازدان الكون بطلعته واستبشر الوجود برؤيته واستنارت السموات والأرضون بظهوره وتوالت بشرى الهواتف أن قد ولد المصطفي وحق الهناء.
وشب- صلى الله عليه وسلم- ونشأ فكان مثال الكمالات ونموذج الفضائل وتزوج بالسيدة خديجة وسنه خمس وعشرون سنة لما رأته عليه من كريم الشمائل واشتهر بين عشيرته بالصدق والأمانة والعقل والرزانة ومازال كذلك حتى جاء الحين واستكمل الأربعين فشرفه ربه بالنبوة ثم الرسالة إلى الخلق أجمعين ونزل عليه الملك وهو يتعبد في غار حراء بقوله تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)﴾ ( سورة العلق) ثم فتر عنه الوحي ثم تتابع ونزلت ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2)﴾ ( سورة المدثر) فنهض بالدعوة وحمل عبء الرسالة وأدى الأمانة وبلغ ما أنزل إليه من ربه وقام يدعو إلى مولاه وينشر على الناس دينه حجته القرآن ودليله البرهان وعدته الإيمان، وما زال- صلى وسلم الله عليه وسلم- يكافح ويناضل ويجادل طورًا بالشدة وأخرى باللين ويتحمل من الأسى ما تنوء بحمله الجبال ويدعو للمعتدين حتى أظهر الله كلمته وأتم نعمته وأكمل دينه ودخل الناس في دين الله أفواجا واختار النبي- صلى وسلم الله عليه وسلم- الرفيق الأعلى بعد أن أدى مهمته وبلغ شرعته وترك من ورائه من يحمون دعوته جزاه الله أفضل ما جزى به نبيا عن امته ورضى الله عن صحابته.
يا عباد الله… ذلك مجمل سيرة نبيكم – صلى وسلم الله عليه وسلم- كلها هدى ونور وعظة واعتبار وتمسك بحبل الله المتين ودفاع عن دينه المبين ومناصرة الحق وخذلان الباطل، فيها القدوة الحسنة والعظة البالغة والعلم النافع والمثل الصالح فتعلموها وعلموها أبناءكم وأحيوا ذكرى مولد نبيكم- صلى وسلم الله عليه وسلم- بدراسة حياته وتفهم خطته وإحياء سنته، أما الرياء والتفاخر والتكاثر والتظاهر وضياع المال في غير فائدة، وإنفاق الأوقات من غير جدوى، والاشتغال بالمقابلات والحفلات عن الفروض والواجبات، والفخر بإطعام الأصدقاء والأغنياء ونسيان المستحقين والفقراء وإقامة هذه المظاهر التي يأباها الدين وتجعلنا مضغة في أفواه الناظرين فهذه كلها ليست إلا منكرات تؤاخذون بها وتحاسبون عليها ويتألم لها النبي الكريم- صلى وسلم الله عليه وسلم-.
فاتقوا الله عباد الله، وانتهزوا فرصة هذا الوقت الفاضل وجددوا التوبة النصوح وتذكروا سيرة نبيكم لتعملوا بها وتهتدوا بهديها.
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)﴾ من سورة الأحزاب.
في حديث علي- كرم الله وجهه- وقد سأله الحسين عن سيرة جده- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- في جلسائه فقال: “كان رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مداح يتغافل عما لا يشتهي ولا يؤيس منه قد ترك نفسه من ثلاث: الرياء، والإكثار، وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحدًا ولا يعيره ولا يطلب عورته ولا يتكلم إلا شيئًا يرجو ثوابه”.