تحذير الملك عبد الله الثاني من صدام كبير بين الاردن والكيان الاسرائيلي تردد صداه في العديد من الدوائر الاعلامية والسياسية في العالم؛ فضم الكيان الاسرائيلي للضفة الغربية تحول الى تهديد جدي لاستقرار المنطقة.
ضم الضفة الغربية يفتح الباب على العديد من الاحتمالات بأبعاد سياسية وامنية تؤثر في التحالفات وعمليات التموضع في المنطقة؛ تحولات من الممكن ان تترك آثارها في النفوذ الامريكي والغربي عموما، والذي بدوره يعاني من صعوبات متنامية منذ سنوات طويلة تبعت غزو العراق، وبلغت احدى الذروات العالية بدحول القوات الروسية سوريا، وتصاعد التوتر مؤخرا بين الصين وامريكا.
بدورها تلقفت السلطة الفلسطينية في رام الله وحركتا فتح وحماس تصريحات الملك بالترحيب والدعم للموقف الاردني الذي عبر عنه بوضوح في اللقاء الصحفي الذي اجراه الملك من على منبر أوروبي، معززا موقفه بقرارات الجامعة العربية ودولها المتمسكة بحل الدولتين .
فتصريحات الملك عبد الله الثاني لم تمنعها التهديدات الامريكية المبطنة على لسان سبعة من اعضاء الكونغرس الامريكي من الحزب الجمهوري بمعاقبة الاردن في حال لم يسلم الاسيرة المحررة احلام التميمي، ولم تُعقها زيارة بومبيو للكيان الاسرائيلي لمناقشة إجراءات ضم الضفة، كما لم يعطلها او يكبح جماحها تعيين هنري ت. ووستر سفيرًا امريكيًّا في الأردن بعد غياب دام اكثر من 3 سنوات.
لم يكن اختيار صحيفة “دير شبيغل” الالمانية عبثيًا؛ فدول الاتحاد الاوروبي تتداول فيما بينها الردود الممكنة على خطوة الضم الاسرائيلية للضفة الغربية باعتبارها مخالفة للشرعية الدولية، والاهم انها تأتي بعد ايام قليلة من اعلان المفوضية الاوروبية زيارة حجم المساعدات المقدمة إلى المملكة بأكثر من 200 مليون يورو، وهو موقف مغاير تماما للمواقف العدائية المتبعة من بعض الدوائر المتطرفة في الولايات المتحدة الامريكية التي اعاقت تعيين سفير في المملكة على مدى السنوات الثلاث الماضية، وتجاهلت مصالح حلفائها العرب في المنطقة.
الخارجية الامريكية امام هذه الملفات المتزاحمة والعلاقات المتشابكة ردت على تصريحات الملك بجمود ولغة تقليدية فيها قدر من المساومة بقول المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الأمريكية مورغان أورتاغوس الجمعة 15 ايار “إن علاقات الولايات المتحدة الامريكية وثيقة مع الأردن (..) نحن نعلم أن الأردن يلعب دورا خاصا في الشرق الأوسط، وخاصة علاقته بإسرائيل”.
وأضافت: “بالطبع نفهم أن الملك أعرب عن قلقه، ولهذا السبب بالذات نعتقد أنه من المهم العودة إلى رؤية الرئيس ترامب للسلام، وجمع كافة الأطراف وراء طاولة المفاوضات للعمل على تحقيق هذه الخطة للسلام”، مؤكدة أن المناقشات حول موضوع الضم “يجب أن تدور بين إسرائيل والفلسطينيين ضمن عملية السلام”.
الموقف الامريكي يظهر تصلبا وانعدام المرونة او القدرة على تفهم التحولات الكبرى في الاقليم؛ فهو يعجز عن ايجاد معادلة سياسية معقولة، وما يزال متمسكا بخطة الادارة الامريكية التي مهدت الطريق لقرارات الضم، بدءًا بنقل السفارة الامريكية الى القدس، وليس انتهاءً بقبول السيادة الاسرائيلية على الجولان؛ اذ بات اسيرا لخطة كوشنير، ولحملة ترمب الانتخابية التي لم يبق في رصيدها بعد “كورونا” سوى مشاريع الضم، والتغول الاسرائيلي على الضفة والقدس، لتسويقها عند اليمين الامريكي المتطرف.
ختامًا: الضغوط وعمليات الابتزاز المبطنة ستتعاظم على الاردن، خصوصًا في الاشهر الاربعة المقبلة السابقة للانتخابات الامريكية الرئاسية يوم 3 نوفمبر/ تشرين الثاني.
في المقابل، فإن المواقف والتصريحات الاردنية ستتوالى خلال هذه المرحلة لنشهد قدرا من التوتر في العلاقات بين ادارة ترمب وعمَّان، راسمةً حدود التصعيد وأبعاده؛ فالأردن وعلى رأسه الملك عبد الله الثاني لم يَخْتر الطريق السهل، بل طريق المواجهة والتصعيد للأشهر الأربعة المقبلة على الاقل-