قال كاتب صهيوني؛ إن “مرور 20 عاما هذه الأيام على اندلاع انتفاضة الأقصى، وما تخللته من هجمات صعبة، ومفاوضات فاشلة، وإخفاق صهيوني كبير غير صورتها، وهي فرصة للاستماع إلى قادة الجيش وأجهزة الأمن في تلك الانتفاضة، للاستماع لآرائهم وتقييماتهم لأحداثها، وهم وزيرا الحرب ورئيسا أركان الجيش السابقان: شاؤول موفاز وموشيه يعلون، ورئيس جهاز الأمن العام-الشاباك آفي ديختر”.
وأضاف آيال ليفي في مقاله المطول على صحيفة معاريف، أن “حصيلة الانتفاضة تضمنت سقوط أكثر من ألف قتيل صهيوني وأربعة آلاف شهيد فلسطيني، شكلت أياما إسرائيلية سوداء من الهجمات الدامية، والخوف في الشوارع، اتخذت منعطفا دراماتيكيا نهاية آذار 2002، في عملية الدرع الواقي”.
ونقل عن موفاز أن “تجربة الانتفاضة تفيدنا بأنه حين خضنا حروبا ضد المجموعات المسلحة ذات النموذج العصابي، وجدنا حالة من عدم اليقين، لأنك لا تعرف بأي منزل يختبئ المسلحون بين مليون ونصف نسمة، والتعامل مع عدو بعيد المنال بمنطقة مأهولة بات أكثر صعوبة، مما واجهناه مع عملية السور الواقي، كان قرارا دراماتيكيا، لأنه محا اتفاقيات أوسلو، ووضع السلطة الفلسطينية تحت سيطرة الجيش الصهيوني”.
وأشار إلى أن “هناك جدلا كبيرا حول بداية الانتفاضة الثانية، هل كانت في 28 أيلول/ سبتمبر 2000، بعد اقتحام زعيم المعارضة آنذاك أريئيل شارون للحرم القدسي، أم حدثت نتيجة التخطيط لها بعناية من قبل رئيس السلطة ياسر عرفات، الذي كان ينتظر الوقت والمكان المناسبين”.
يعلون “يصر على أنها لم تكن انتفاضة، بل هجوما بادر به عرفات، وبدأت استعداداتها في أيلول/ سبتمبر 2000، ويبدي موفاز اتفاقا مع من كان نائبه حينها بقوله؛ إننا قمنا بتقييم استخباراتي، حددنا فيه استعدادات الجيش لعام 2000، وظهر من المعطيات أن فرصة اندلاع انتفاضة ثانية، لن تشبه الانتفاضة الأولى، ستكون انتفاضة نار ورصاص ومتفجرات، دون الحديث عن عمليات انتحارية بعد”.
وأوضح أن “الجيش قرر أن يزيد من استعداده للتصعيد، لأنه كان واضحا أن الانتفاضة ستأتي بثمن باهظ، وستحاول كسر وتقويض القدرة على تماسك المجتمع الصهيوني، في وقت مبكر من أيار/مايو 2000، خلال أحداث يوم النكبة، اندلعت أعمال عنف لثلاثة أيام، تخللها إلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة على الجنود والمستوطنين، وإطلاق النار متعمد من قبل حركة فتح وأجهزة الأمن الفلسطينية”.
وأوضح أن “عرفات اختار مروان البرغوثي، رئيس تنظيم الشبيبة الفتحاوية، لأنه مناضل، ويوفر البضاعة المطلوبة، صحيح أن عرفات لم يأمر خطيّا بشن حملة عسكرية، لكن كانت هناك لغة واضحة بينهما، وجاءت أحداث يوم النكبة علامة على اتجاهنا نحو التصادم، ودأب عرفات يبحث عن فرصة لإشعال النار، وحين اقتحم شارون الحرم القدسي، لم يعد من الممكن إيقاف عجلة الأحداث الدامية”.
مقارنة الانتفاضتين
ديختر “يعتقد أن الانتفاضة الثانية جاءت مفاجِئة، عندما صعد شارون للحرم، اتضح أنه ستكون هناك استفزازات، وبصفتي رئيس الشاباك، شاركت في إعداد التقدير الأمني، لكن واضح أننا كنا في نهاية القصة، في اليوم التالي جاءت الصلوات ساخنة بالفعل، ووقع الضحايا الفلسطينيون في الحرم، وجاء الدرس الرئيسي لشرطة الاحتلال وباقي الأجهزة، أن القتل في الحرم ليس كالقتل بمكان آخر، لأنه المكان الديني الأكثر دفئا للمسلمين”.
وأشار إلى أن “الأحداث اندلعت في مناطق أخرى من الضفة الغربية ومدن عربية داخل الكيان الصهيوني، وجاء تسلسلها دراماتيكيّا، وهاجم آلاف الفلسطينيين قبر يوسف بنابلس، وقتل ضابط من حرس الحدود بنيران قناص، ثم جاءت عملية قتل جنديين من الاحتياط في رام الله، داخل مركز للشرطة الفلسطينية”.
يقول ديختر؛ “إن واقع 29 أيلول/ سبتمبر 2000 لا يشبه واقع 9 كانون الأول/ ديسمبر 1987، حيث اندلاع الانتفاضة الأولى، وهنا يشتد الخلاف بين الجيش والشاباك بشأن تورط عرفات في الانتفاضة، موفاز ينتمي لمدرسة براغماتية تفحص النتائج، أي إن مقربي عرفات لم يكن لديهم معرفة وشراكة حول ما دار في ذهنه، ويرى يعلون أن عرفات بدأ الحرب”.
ويكشف النقاب أنه في أول اجتماع للجنة الخارجية والأمن في الكنيست بعد اندلاع الانتفاضة على الفور، سألني عضو كنيست عن التقدير الزمني للأحداث، فأجبته: قد يستغرق الأمر ست سنوات أخرى، لأننا لم ننتقل من الدفاع إلى الهجوم، وواصلنا العمل على أن لدينا شريكا وليس عدوا، ولم نبدأ السور الواقي باكرا، وحين انطلقت اعتقلنا ثمانية آلاف فلسطيني، من بينهم قادة الانتفاضة”.
وأوضح أنه “بعد 3 أشهر من استقالة إيهود باراك من رئاسة الحكومة ذات العام و 245 يوما، أقصر فترة بتاريخ الاحتلال ، جاء شارون في آذار/ مارس 2001، وحينها شعر عرفات بالخوف، لكن الهجمات لم تتوقف، وفي 1 حزيران/ يونيو هز انفجار مروع تل أبيب بملهى “الدولفيناريوم”، قتل 21 صهيونياً، بعد ساعات انعقد مجلس الوزراء، وأعلنت أمامهم أن “عرفات عدو”، وبعد شهرين في آب/أغسطس قتل هجوم على مطعم سبارو 15 آخرين”.
العمليات الاستشهادية
يكشف يعلون أنه “اجتمع بشارون، وأبلغه بضرورة طرد السلطة الفلسطينية، خاصة بعد اغتيال الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لوزير السياحة رحبعام زئيفي في 17 تشرين الأول/ أكتوبر، انتقاما لاغتيال قائدها أبو علي مصطفى قبل شهرين، ومن حينها، أدرج الجيش أسلوب الاغتيالات ضد الفلسطينيين، لأنه لم يستطع دخول أراضي السلطة، واستخدم معلومات استخباراتية دقيقة، وخاصة عند إطلاق الطائرات لصواريخها لتنفيذ الاغتيالات”.
يزعم موفاز أن “الاغتيالات ضد الفلسطينيين ضرورية لعدة أسباب، أهمها أن من يأتي جديدا للقيادة منهم سيهتم أكثر بالدفاع عن نفسه، ويتراجع عن بعض الأعمال التي خطط لها ضدنا، مما جعلها أداة رئيسية في صندوق أدوات الجيش والشاباك، أنا من أتباع الاغتيالات، وقد وصلنا فيها مستوى فاعلا للغاية، ولولاها لدفعنا أكثر بكثير من قتلى الانتفاضة الثانية”.
وأوضح أن “شهر كانون الثاني/ يناير 2002 شهد كشف أمر السفينة “كارين أ” التي أبحرت في البحر الأحمر محملة بالذخائر في طريقها للسلطة الفلسطينية، بإشراف عرفات شخصيا، وهي صفقة احتوت 50 طنا من الأسلحة المصنعة في إيران، مما شكل حدثا استراتيجيّا مختلفا تماما، ودفع الرئيس الأمريكي جورج بوش للإعلان عن الحاجة لاستبدال القيادة الفلسطينية، مما ساعدنا باكتساب الشرعية الدولية، خاصة بين الأمريكيين، للتخلص منه”.
يشير موفاز إلى أن “الهجوم المروع على فندق بارك بنتانيا مساء 27 آذار/ مارس 2002، الذي قتل 30 صهيونياً، شكل حدثا طارئا استدعى إبلاغ جميع هيئة الأركان بالوجود في مقرها، وأخبرت رئيس الوزراء شارون هاتفيا أنه لا يوجد خيار آخر تجاه الفلسطينيين، إلا أن يدخل الجنود 15 مخيما للاجئين و8 مدن فلسطينية، لتحطيم البنية التحتية المسلحة، واعتقال من هو متورط في تلك العمليات، وصولا إلى عزل عرفات”.
يرى يعلون أن “عملية السور الواقي حدث استراتيجي من نواح كثيرة، حتى قبل إطلاق الرصاصة الأولى، جندنا 28 ألفا من جيش الاحتياط، وسارت العملية حسب الخطة: سريعة وعدوانية، باستثناء المعركة الدموية في جنين، التي قُتل فيها 23 جنديا، وأدركت أننا في ورطة، لم أرض عن الأداء، بدا الوضع بطيئا للغاية، ومن أجل ذلك دفعنا عددا ليس قليلا من القتلى”.
أما موفاز، فيعلن أننا “واجهنا إسلاميين انتحاريين حصنوا أنفسهم في قلب مخيم جنين، فكانت المقاومة الأشد فيها، فقررت وضع الجرافات للتعامل مع الهجمات الانتحارية، وفي النهاية شكلت السور الواقي نهاية ولاية عرفات كزعيم بلا منازع، حيث ظل القائد محاصرا في المقاطعة برام الله، ودمرت جرافات الجيش أجزاء منها، وتركنا لعرفات قسما محدودا، حتى وفاته في تشرين الثاني/نوفمبر 2004”.
وأوضح أن “السور الواقي استمرت شهرا ونصف، احتل فيها الجيش الضفة الغربية، ومع مرور الوقت، تم بناء الجدار الفاصل مع الفلسطينيين، تضاءلت الهجمات المسلحة، وانخفض عددها بشكل كبير، وبالطبع عدد القتلى”.