بحصار مشدد على الجثمان والقبر، وبحضور عدد محدود من عائلته، كانت جنازة الرئيس المصري الأسبق والقيادي في جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي، بعد 24 ساعة من الإعلان عن وفاته في أثناء محاكمته.
وعلى مدار تاريخ جماعة الإخوان المسلمين، كانت جنازات كل قائد فيها مختلفة حسب ظروف كل شخصية فيها، وتوقيت وفاته ومكانها، فبعض مؤسسيها شهدت جنازاتهم مشاركة جماهيرية حاشدة، وآخرون اكتفى الأمن بالسماح لأعداد قليلة من عائلاتهم بالمشاركة.
وكانت الجنازة الأضخم بين صفوف قيادات الإخوان لمرشدهم الثالث، عمر التلمساني، في مايو 1986، والذي صُلِّي عليه في جامع عمر مكرم بالقاهرة، وشارك في تشييعه نحو نصف مليون شخص، كما شاركت فيها وفود من بلاد عربية.
كما شهدت جنازة المرشد الرابع، حامد أبو النصر، في يناير 1996، حشدا قوياً، رغم الحصار الأمني المشدد، وهي الجنازة التي شهدت مبايعة مصطفى مشهور مرشداً خامساً، وكان ذلك تنفيذاً لقرار انتخاب “مشهور” من جانب مكتب الإرشاد ومجلس شورى الجماعة.
وتكرر الحشد في جنازة المرشد الخامس (مصطفى مشهور)، في نوفمبر 2002، والذي سار في جنازته عشرات الآلاف بعد صلاة الجمعة، وعقب جمعة أخرى بعد عامين نظم الإخوان جنازة كبيرة لمرشدهم السادس، المستشار محمد مأمون الهضيبي، شارك فيها نحو 300 ألف مشيِّع.
وقد أمَّ الصلاة عليه ابنه خالد، في مسجد رابعة العدوية شرقي القاهرة، ثم انتقلت الجنازة بالسيارات إلى قريته عرب الصوالحة بالقليوبية، ليتم دفنه خلال مؤتمر تأبيني موسّع، شاركت فيه رموز سياسية مصرية.
وخلال الجنازة تم الإعلان عن اسم المرشد المؤقت لـ”الإخوان”، المحامي محمد هلال، الذي تولى المسؤولية حتى تم انتخاب مهدي عاكف خلال شهرين.
بعد الجنازات الأربع الحاشدة، تنبهت السلطات المصرية إلى تأثير أعداد الجماهير الكبيرة في زيادة نفوذ “الإخوان” بمصر، حيث شرعنت بعدها سياسة واحدة وهي منع المشاركة الشعبية في جنازات مرشدي “الإخوان” وقياداتهم.
ويرى “الإخوان” أنَّ منع أجهزة الأمن المصرية تشييع القيادي مهدي عاكف (توفي في أثناء حكم السيسي) يعد دليلاً واضحاً على خوف الدولة من حشود “الإخوان” وغيرهم، والتي قد تتجاوز مئات الآلاف وكانت ستتحول تلقائياً إلى عاصفة غضب فور دفن المرشد الأسبق والقيادي التاريخي للجماعة، بحسب تعبير طلعت فهمي المتحدث الرسمي لـ”الإخوان”.
حسن البنا
كانت البداية بعد اغتيال مؤسسها، حسن البنا، في فبراير 1949، حيث لم يُصلِّ عليه سوى والده، ولم يشهد جنازته غير النساء ومكرم باشا عبيد (وزير مصري وواحد من أبرز الرموز الوطنية).
ودُفن البنا بمقبرته في الإمام الشافعي بالقاهرة، في حين دُفن المرشد الثاني الهضيبي (الأب)، في 11 نوفمبر 1973، والهضيبي (الابن)، بمقبرة أسرتهما بالقليوبية، في حين وُوري أربعة مرشدين في “مدافن الوفاء والأمل” بمدينة نصر، وهم: التلمساني وأبو النصر ومشهور، وأخيراً مهدي عاكف.
وكان البنا الأصغر وقت وفاته من بين مرشدي “الإخوان”؛ حيث رحل عن عمرٍ ناهز 42 عاماً، في حين كان عاكف أكبرهم (89 عاماً).
وبعد إطلاق الرصاص على الإمام حسن البنا ورفيقه عبد الكريم منصور، تم نقلهما إلى مستشفى قصر العيني، وتقول روايات إن حالة البنا كانت مستقرّة إلى حدٍّ ما مقارنة بحالة رفيقه، إلا أن المستشفى تركه ينزف حتى فاضت روحه، ولم يكن سوى والده الشيخ أحمد البنا ينتظر دفنه.
وعند وفاته، كان أشقاء البنا في المعتقل، وقد قال والده: “أُبلغت نبأ موته في الساعة الواحدة، وقيل إنهم لن يسلّموا إليّ جثته إلا إذا وعدتهم بأن الدفن في الساعة التاسعة صباحاً بلا احتفال، وقُبيل الفجر حملوا الجثة إلى البيت متسلّلين، فلم يشهدها أحد من الجيران، ولم يعلم أحد بوصولها سواي”.
ويضيف: “ظل حصار البوليس مضروباً لا حول البيت وحده، بل حول الجثة نفسها. لا يسمحون لإنسان بالاقتراب منها مهما كانت صلته به، وقمت بنفسي بإعداد جثة ولدي للدفن، فإن أحداً من الرجال المختصين بهذا لم يُسمح له بالدخول، ثم أنزلت الجثة حين وُضعت في النعش، وبقيت مشكلة من يحملها إلى مقرها الأخير”.
ويؤكد والد البنا: “طلبت إلى رجال البوليس رجالاً يحملون النعش فرفضوا. قلت لهم ليس في البيت رجال، فأجابوا: فلتحمله النساء. وخرج نعش الفقيد محمولاً على أكتاف النساء!”.
ووفق شهادة البنا (الأب)، فقد خلا جامع “قيسون” من المصلين والعمّال بناءً على أوامر البوليس، “ووقفتُ أمام النعش أُصلِّي فانهمرت دموعي. ومضى النعش إلى مدافن الإمام فواريناه التراب، وفي الليل لم يحضر أحد من المعزّين؛ لأن الجنود منعوا الناس من الدخول”.
“أما الذين استطاعوا الوصول إلينا للعزاء”، والحديث ما يزال لوالد مؤسس الجماعة، “فلم يستطيعوا العودة إلى بيوتهم، فقد قُبض عليهم وأُودعوا المعتقلات، إلا مكرم عبيد باشا السياسي المسيحي”.
سيد قطب
ولم يختلف الأمر كثيراً مع سيد قطب القيادي التاريخي للجماعة، فهو الآخر مُنعت جنازته بعدما أُعدم شنقاً في عهد الرئيس جمال عبد الناصر؛ تنفيذاً للحكم الصادر ضده في قضية تنظيم الإخوان المسلمين عام 1965، والتي اتهمت فيها السلطة وقتها بعض قيادات “الإخوان” بالتخطيط لقلب نظام الحكم.
وأُعدم قطب ولم تسمح الأجهزة الأمنية بتشييعه أو إقامة عزاء له، ودُفن سريعاً دون حضور أحد، بل إن قبره مفقود حتى الآن، بحسب عديد من قادة “الإخوان” الذين أكدوا ما قاله الكاتب الأمريكي لورانس رايت في كتابه الشهير “البروج المشيدة”، والذي أشار إلى أن الحكومة المصرية رفضت آنذاك تسليم جثمان سيد قطب لعائلته؛ خوفاً من أن يتحول قبره إلى ضريح مقدس لأتباعه ومريديه، لذا ظل قبره مجهولاً حتى الآن.
مهدي عاكف
وفي عصر الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي وصل إلى الحكم بانقلاب عسكري على الرئيس المنتخب محمد مرسي، لم يكن الأمر مختلفاً، حيث مُنعت إقامة جنازة كبيرة لمحمد مهدي عاكف، المرشد السابع لـ”الإخوان المسلمين”، الذي توفي الجمعة (22 سبتمبر 2017).
وتوفي عاكف عن عمرٍ ناهز تسعين عاماً، في مستشفى قصر العيني الحكومي، وهو ما يزال محبوساً على ذمة التحقيق في قضايا لم تثبت فيها إدانته، ودُفن في وقت متأخر، ولم يشيعه سوى 20 شخصاً، بينهم عدد من أفراد أسرته، ومحاميه، وسط إجراءات أمنيّة مشددة.
ومنعت السلطات المصرية إقامة عزاء للمرشد الراحل، الذي تخلّى عن منصبه طواعية في العام 2010، وحُظرت إقامة صلاة الغائب في عموم مساجد البلاد دون إذن مسبق، محذّرةً المخالفين من “العقاب”.
كذلك، جاءت طريقة دفن الرئيس مرسي، الذي أعلن عن وفاته ، أمس الاثنين (17 يونيو)، أثناء محاكمته في قضية “تخابر” بنفس طريقة أقرانه، حيث لم تقم له جنازة، أو تخرج صورة واحدة لمراسم دفنه.
الخليج أونلاين