على نهر دجلة بمدينة ديار بكر شرقي تركيا يقع جسر “أون كوزلو” بإطلالته الساحرة ليكون منارة للسياح المحليين والأجانب الراغبين في الاستمتاع بمشاهدة مزارع “هفسل باهتشة” التي تحيط به من كل صوب.
جسر “أون كوزلو” أو الجسر ذو العشر عيون كما يطلق عليه ليس وليد اليوم بل يرجع بناؤه إلى القرن السادس ليروي حكاية الماضي والحاضر في مدينة ديار بكر العريقة بحضارتها وتاريخها الذي يعود إلى أكثر من 10 آلاف عام.
ويعد جسر “أون كوزلو” واحدا من أهم الجسور التاريخية في تركيا، وكان يستخدم لعبور السيارات والناس حتى فترة قريبة، قبل أن يصبح حكرا على مرور المشاة للاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة.
أما مزارع “هفسل باهتشة” التي تحيط بالجسر فهي تعني المزارع المنخفضة وتمتد من الجسر تجاه مدينة ديار بكر من جهة وباب ماردين المجاورة من جهة أخرى وهي مزروعة منذ آلاف السنوات لتوفير الغذاء للمدن المجاورة وخاصة ديار بكر.
وأدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو” جسر “أون كوزلو” على قائمة التراث العالمي المؤقت، على أن تدرجه لاحقا ضمن التراث الإنساني المشترك الذي يضم مزارع “هفسل باهتشة”.
** جسر لعبور الحضارات
جسر “أون كوزلو” بناه بالشكل الحالي المهندس المعماري يوسف عبيد أوغلو في عهد الدولة المروانية عام 1065 ميلادي، مستخدما أحجار البازلت التي لعبت دورا هاما في الحفاظ على الهندسة المعمارية في المدينة.
ويبلغ طول الجسر 178 مترا، وعرضه 5.6 مترا، ويتألف من 10 فتحات على شكل أقواس تعبر من خلالها مياه النهر، ويبلغ طول أكبر فتحة منها نحو 15 مترا، ومن هنا جاءت تسميته بجسر العيون العشرة نسبة لتلك الأقواس.
وتكشف بعض المصادر التاريخية أن تاريخ بناء الجسر يعود للقرن السادس الميلادي، ويعرف بأربعة أسماء وهي “أون كوزلو ودجلة وسيلفان، والمرواني”.
وتعرض الجسر في فترات زمنية في السابق إلى الهدم عندما كانت ديار بكر تتعرض للحصار من قبل القوات الغازية ثم أُعيد بناؤه.
وكانت آخر مرة هدم فيها الجسر عام 947 م، حسب المعلومات المتوفرة.
** نمط معماري إسلامي
وبعد الهدم الأخير بنى الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك الجسر وهو ما ظهر من خلال الكتابات المتواجدة على جدرانه، وبعدها تمت إعادة ترميمه مرة أخرى في القرن الحادي عشر.
وقواعد الجسر تمثل شاهدا على أن تاريخه ضارب في القدم، وهو يتألف من قسمين الأول عريض والثاني أضيق قليلا، ويحمل رموزا وأشكالا عديدة بنمط إسلامي ويطل على البساتين الخصبة.
وتعتبر مدينة ديار بكر بآثارها قبلة للسياح الأجانب والمحليين للاستمتاع بمناظرها الخلابة والتعرف على حضارتها، والتقاط الصور التذكارية وخاصة على جسر “أون كوزلو”.
وتنتشر في محيط الجسر عدة مقاهٍ للاستمتاع بمشاهدته، إضافة إلى أنه يمكن لزائر المنطقة الجلوس فوق “أون كوزلو” والتمتع بالمناظر الطبيعية التي تجمع بين الخضرة ومياه النهر، إضافة إلى الطيور المتنوعة ما جعله أيضا قبلة للعرسان لالتقاط صور تخلد أسعد لحظات حياتهم.
** مزارع منذ 8 آلاف عام
أدرجت مزارع “هفسل باهتشة” على قوائم اليونسكو للتراث العالمي المشترك في العام 2015، وبعد هذا التاريخ زادت الزيارات إلى المنطقة لمشاهدتها، وخاصة أن أسوار ديار بكر تطل عليها وتقع بالقرب من جسر “أون كوزلو”.
ويعتقد أن هذه المزارع التي تعتبر الحدود الشمالية للرافدين تزرع منذ 8 آلاف عام، ولم يتوقف فيها إنتاج المحاصيل الزراعية التي شكلت سلة الغذاء للمدينة مع تعاقب الحضارات عليها.
ومن أبرز المحاصيل لمزارع “هفسل باهتشة” الحبوب بمختلف أنواعها، وهو ما يجعلها منطقة لاستقطاب الطيور وجنة لها حيث يعيش فيها قرابة 180 نوعا من الطيور والحيوانات الأخرى.
وتشكل المزارع والبساتين في كل فصل من فصول السنة مشاهد طبيعية مدموجة بأخرى تاريخية تجذب عشاق التصوير.
** تركيا قبلة للزوار
في عام 2016 أعلنت “اليونسكو” إدراج 10 مواقع تركية جديدة على قائمة التراث العالمي المؤقتة، بينها جسري “أون كوزلو” و”مالابادي”.
هذا الإعلان رفع عدد الآثار التركية الثقافية والطبيعية المدرجة على قائمة المنظمة الدولية إلى 70 موقعًا لتحتل تركيا المرتبة الأولى بالقائمة على مستوى العالم.
إدراج اليونسكو لمواقع ثقافية أو طبيعية على قوائمها الدائمة والمؤقتة، يعني أن هذه المواقع تحمل صفات وقيم عليا، وتتميز بخصائص فريدة ليست موجودة في أماكن أخرى، ما يدفع كثيرين حول العالم إلى الإقبال على زيارة تركيا ورؤية هذه الآثار عن قرب.
وهذه الآثار وأهمها الجسر وردت في كتب الرحالة، وتسعى وكالات السياحة التركية للتعريف بها وبحضارة منطقة شرق الأناضول للمواطنين الأتراك وللسياح الأجانب.