في ظل الحراك الحالي حول تعديل قانون الانتخابات الذي طرحه الملك عبد الله الثاني في مقابلته مع وكالة الأنباء “بترا”، يظهر لنا مصطلح “الديمقراطية المتوافقة مع ثقافتنا” من جديد.
أصحاب تلك النظرية ينطلقون من منطلقين رئيسيين؛ الأول: معلن ولا يتحفظون على ذكره، وهو الثقافة المجتمعية المحافظة، ويعني أصحاب ذلك المصطلح بأن ثقافتنا العربية القائمة أساسا على القيم الأخلاقية الإسلامية والعادات العربية المحافظة والإعلاء من شأن الأسرة والمجتمع المحافظ، لا تحتمل الديمقراطية الغربية القائمة على الحرية الكاملة وبلا حدود.
والمنطلق الثاني: مضمر ولا يتلفظون به، وهو الثقافة السياسية، ويعني بها أولئك أن ثقافتنا القائمة على مبدأ الرعايا والعطايا وشيخ القبيلة والأسياد والعبيد، لا تحتمل الديمقراطية الغربية القائمة على مبدأ شراكة الجميع في صنع القرار، ومبدأ التداول السلمي للسلطة، وشرعية المعارضة.
البعض يتهم أصحاب نظرية “الديمقراطية المتوافقة مع ثقافتنا” بأنها محاولة لإبعاد الديمقراطية بمفهومها السياسي؛ الشراكة في صنع القرار والتداول السلمي للسلطة، والحفاظ على وضع الاستبداد القائم، وهم يخلطون متعمدين بين الثقافة المجتمعية والثقافة السياسية، وأن مسألة الثقافة المجتمعية ما هي إلا لذر الرماد في العيون، والدليل أن الأنظمة العربية التي تتبنى تلك النظرية، مستعدة للتماشي مع القيم الغربية إذا ما شعرت بالخطر، أو إذا ما احتاجت إلى التمويل والمساعدات.
ومن نافلة القول أن هناك من يعتقد أن الديمقراطية بضاعة يجب أخذها بالكامل، وأن قسمتها يعني فسادها، وهذه الفئة تسهل على أصحاب نظرية “الديمقراطية المتوافقة مع ثقافتنا” بناء جدار مجتمعي سميك يقف بمواجهة الرياح الديمقراطية السياسية التي تهب بين الحين والآخر.