ليس من السهولة الوصول إلى مرحلة مناقشة الرسالة الجامعية وتحديدا الدكتوراة، فهي مرحلة أخيرة لقطف ثمار سنوات من التعب والقلق، والتي وصفها البعض بـ The Valley of – مع الاعتذار عن عدم استكمال التعبير والترجمة – ولذا تراعي العديد من الجامعات العريقة خصوصية هذه المرحلة على المستوى النفسي والعلمي: فتقوم جامعة برنستون مثلا بالعديد من الأنشطة الخاصة بفئة طلبة الدكتوراه بعد قبولهم، ومنها: مبادرة GradFUTURES التي أطلقت مجموعة تعليمية بعنوان «تشكيل الدكتوراه الخاصة بك»، والتي هدفت إلى إعادة تصور واستكشاف وتصور تجربة دكتوراة شاملة تركز على النمو الشخصي والمهني للطالب، ورشة استخدام البحث الجوال Roam Research لبناء قاعدة بيانات شخصية لملاحظات طالب الدكتوراه تسمح له بالبحث بكفاءة، وربط الأفكار بسهولة، والتنظيم بشكل عضوي، إلى جانب مهارات عديدة تسهم في الإعداد المستقبلي لطالب الدكتوراه والتي تعرض لها كتاب «The Reimagined PhD» وحصلت على نسخة إهداء من أحد محرري الكتاب الزميل James Van Wyck، مساعد عميد التطوير الاحترافي في جامعة برنستون.
هناك مجموعة من التوجيهات المختصرة أود أن أقدمها لطلاب الدراسات العليا من عدة مصادر وخلاصة خبرة واستجابة لبعض من سألني خلال السنوات الماضية وكانت آخرهم أختي «إسراء» التي ستناقش رسالتها في الدكتوراة خلال الأيام القادمة إن شاء الله.
ولأن النصائح كثيرة سأشير إلى أهمها بشكل عام دون تركيز على مجال وتخصص معين، وهي تشمل البدء في الاستعداد للماقشة منذ وقت مبكر، والإحاطة بمختلف الإجراءات الخاصة بالرسالة، وحضور مناقشات لطلبة دكتوراة آخرين، وأخذ وقت كاف لإعداد شرائح العرض التقديمي الخاص بالرسالة، والاهتمام بالتصميم عالي الجودة للعرض وان يكون شاملا ودقيقا، وتجهيز قائمة بالأسئلة المتوقعة على العرض، والتدرب على تقديم العرض، والاستعداد النفسي لتجاوز الأخطاء التي قد يقع فيها الطالب أثناء العرض أو المناقشة عموما، وإعداد مقدمة مؤثرة تلفت انتباه لجنة المناقشة والجمهور، والتخيل المسبق لفعاليات المناقشة بما يكسب الطالب مزيدا من الثقة في النفس، وكتابة خط سير مسبق لفعاليات يوم المناقشة، مع الإعداد المسبق لكل الأدوات التي قد تلزم، والاهتمام بالراحة والاطمئنان قبلها.
ولما أصبحت مناقشة الرسائل عن بعد أكثر انتشارا ما بعد جائحة كورونا، فهذه نصائح خاصة بها، وهي تشمل التأكد من أن مستوى الإضاءة في المكان، والجلوس في مكان هادئ خال من المشتتات، واستخدام شاشتين إحداهما للعرض التقديمي والأخرى للتواصل مع أعضاء لجنة المناقشة، والتأكد من جودة الإنترنت لمكالمات الفيديو، مع شحن جميع الأجهزة وتوفير مصدر احتياطي للطاقة، والاختبار المسبق للنظام ومدى حاجته إلى أي مساعدة تقنية، والتدرب على المناقشة مع الأصدقاء أو العائلة، أما أثناء المناقشة فيحسن بالطالب أن يتأكد من أن الكاميرا تمنحه لقطة من أعلى جسده، وأن يتجنب إغلاق الكاميرا أو إخفاء صورة لجنة المناقشة، كما يحسن التزود بدفتر للملاحظات لتسجيل التعليقات الواردة من اللجنة، ونسخة من الرسالة مطبوعة أو رقمية على جهاز منفصل، مع تمييز الأقسام الرئيسية بالإشارات المرجعية، بما يسهل العثور وبسرعة على الأقسام ذات الصلة التي تود اللجنة مناقشتها.
ليست التكلفة بحسب، وإنما المناقشات الافتراضية عبر الإنترنت عادة ما تسير بشكل أسهل وتحديات أقل وتكون أخف وطأة على الطالب من المناقشات الوجاهية، حيث يتواجد جمهور واثنان أو أكثر من الأساتذة ذوي الأمزجة المختلفة، ممن قد يكلفون الطالب ثمنا غاليا بمناكفاتهم، وقد يغير بعضهم نظرات الجمهور أو يحرجون الطالب، الذي يلعب اتزانه ورجاحة عقله دورا كبيرا في تسيير وجهة النقاش بالشكل المناسب وبذكاء.
يدخل طالب الدراسات العليا المناقشة في العادة وهو مشبع بفكرة أنه قد جمع مادة مميزة وتناول موضوعا فريدا لم يسبقه إليه غيره! وربما يكون متطرفا في فكرته تلك، فإذ به لا شعوريا لا يتحمل أي نقد، خاصة إذا اتصف المناقشون بسوء التعبير أو سوء الإدارة أو سوء التقدير لبعض الأمور.
ومن المألوف دائما عند الطلاب المناقشين البدء بالشكر والثناء، وهذا منهج رباني، ثم الشروع في عرض وجهة النظر الخاصة بهم، وبعض الطلبة قد يتعمد ترك بعض الأخطاء الإملائية أو غيرها في متن رسالته لترك مجال للتعليق من قبل المناقشين، وهو سلوك قد لا يكون مرغوبا لدى البعض من باب المصداقية وحتى يأخذ من وقت النقاش حول المنهجية واللغة وبعض النتائج والأحكام الواردة في الرسالة.
هناك بعض الأمور الشكلية، كالاهتمام بكل ما يقال من الأساتذة خلال المناقشة، ومحاولة كتابته ولو من باب المجاملة، وفي حال المناقشة أونلاين، يمكن عوضا عن ذلك هز الرأس تعبيرا عن الاهتمام والموافقة، مقرونا بكلمات تعبر عن الشكر والاستعداد للأخذ بأي ملاحظات أو تعديلات، بما يوجد نوعا من التآلف بين المتحاورين، كما أن هناك قاعدة مهمة، وهي أن ليس كل ما يقال سيحدث، وأن المشرف على الرسالة لن يؤيد كل التعديلات المقترحة، وربما من بين مائة تعديل مقترح سينفذ عشرون فقط.
الوصول لنهاية مرحلة الدكتوراه ليس بالسهولة التي يظنها البعض، وفترة مناقشة رسالتها لا بد أن تتوج بفوائد وخبرة عملية للطالب والمناقشين، وأن تضيف معلومات جديدة وحقائق ينتجها الحوار العميق، الذي سبقه جهد بحثي مميز وأعضاء لجنة مناقشة بذلوا ما في وسعهم قبل ساعات المناقشة وأثناءها.