بعد تأجيل الإفصاح عنها لأكثر من مرة لظروف سياسية مختلفة أبرزها التعقيدات السياسية الصهيونية، يستعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإعلان خطته المقترحة لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، المعروفة بـ”صفقة القرن”، في وقت ما قبل يوم الثلاثاء المقبل.
ولم ينتظر ترامب نتائج الانتخابات الصهيونية، ووجّه دعوة لأبرز المتصارعين على الحكم في “إسرائيل”؛ وهما رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وبيني غانتس، لزيارة واشنطن والالتقاء بهم في البيت الأبيض، تمهيداً لإعلان “صفقة القرن”، متجاهلاً الفلسطينيين أصحاب القضية الأصليين.
السلطة الفلسطينية سارعت إلى التهديد بـ”اتخاذ إجراءات” لم تكشف عن طبيعتها إذا ما أعلنت صفقة القرن الأمريكية بصيغتها الحالية، مع تأكيدها عدم إجراء أي محادثات مع جهات أمريكية.
تفاصيل الخطة
وحول تفاصيل ما سيعرضه ترامب كشفت صحيفة “إسرائيل هايوم”، استناداً إلى محادثات مع كبار المسؤولين في البلدين، أن الرئيس ترامب قد أعطى فريق السلام التابع له، بقيادة صهره مستشار البيت الأبيض جاريد كوشنر، الضوء الأخضر لإعلان الخطة خلال مراسم تتم في الولايات المتحدة، الأسبوع المقبل.
ونقل مايك بنس، نائب الرئيس الأمريكي، الموجود في “إسرائيل” للمشاركة في المنتدى العالمي في ذكرى “الهولوكوست”، نقل الدعوة لنتنياهو ومنافسه لزيارة واشنطن للمشاركة في إطلاق الخطة (صفقة القرن).
وتشمل أبرز تفاصيل الصفقة السماح بفرض السيادة الصهيونية على غور الأردن، ومستوطنات في المنطقة (ج) بالضفة الغربية، الخاضعة للسيطرة الإدارية والأمنية لـ”إسرائيل” بموجب اتفاق أوسلو المبرم بين الصهاينة والفلسطينيين، في عام 1993.
كما تنص الصفقة، وفق مصادر في الإدارة الأمريكية، على وضع أربعة شروط لإقامة الدولة الفلسطينية؛ أولها الاعتراف بـ”إسرائيل” دولةً يهودية، ونزع سلاح حركة المقاومة الإسلامية “حماس” والفصائل الأخرى في قطاع غزة، والاعتراف بالقدس عاصمةً لدولة الاحتلال.
وستعمل الإدارة الأمريكية على إزاحة الحدود شرقاً ضمن بنود صفقتها، وهو ما يعني الاقتراب من الأردن، التي أعلن ملكها عبد الله الثاني رفض التنازل عن أي شبر من أرضه، خاصة في ظل حالة التوتر التاريخية بين بلاده و”إسرائيل”، وزيادة الضغوطات الاقتصادية عليها.
غضب فلسطيني
الرئاسة الفلسطينية جددت، على لسان الناطق باسمها نبيل أبو ردينة، تأكيد أن الموقف الفلسطيني واضح وثابت من رفضها لقرارات ترامب المتعلقة بالقدس وغيرها من القضايا، وبكل ما يتعلق بصفقة القرن المرفوضة.
القيادي في حركة “حماس” فتحي القرعاوي، يؤكد أن الرئيس الأمريكي درس التوقيت الجيد لإعلان صفقته، خاصة في ظل الأوقات الصعبة التي تعيشها القضية الفلسطينية وشعبها، وعملية القمع والتأزم الاقتصادي في الضفة الغريبة وقطاع غزة.
ويأتي توقيت إعلان الرئيس الأمريكي للصفقة، وفق حديث القرعاوي لـ”الخليج أونلاين”، في ظل غياب عربي رسمي عن الاهتمام بالقضية الفلسطينية، وحالة إحباط يعيشها الفلسطينيون.
وعن ردة الفعل الفلسطينية عند إعلان الولايات المتحدة لـ”صفقة القرن”، يتوقع القرعاوي حدوث حالة من الغضب بصفوف الشارع الفلسطيني، خاصة بالضفة الغربية، رداً على المساس الخطير بالقضية الفلسطينية، وحدوث حالات من المواجهة مع الاحتلال الصهيوني.
وحول المطلوب فلسطينياً لمواجهة القرارات التي تتضمنها الصفقة، يشدد القيادي في حركة “حماس” على ضرورة ألا تقتصر ردود الفعل الرسمية على البيانات الصحفية والتصريحات والاستنكار، وأن تصل إلى الأرض، والتحرك على كافة الصعدة.
حركة الجهاد الإسلامي، على لسان عضو المكتب السياسي فيها يوسف الحساينة، وصف نية الإدارة الأمريكية إعلان “صفقة القرن” بأنها” تتصرف بعقلية القراصنة؛ تُشرع النهب والاستيلاء والسرقة لأرض فلسطين ومقدساتها، وتمارس إرهاباً كونياً على شعوب العالم”.
وهاجم الحساينة في تصريح له الولايات المتحدة، واتهمها بالسعي لحل القضية الفلسطينية، وباقي حقوق الشعب الفلسطيني، وتهويد مقدساته ومصادرة أرضه.
واعتبر أن ما تطرحه الولايات المتحدة وتروجه يتناغم مع “القراصنة التاريخيين في الكيان المحتل، وتآمر مذل ومهين من أنظمة التطبيع والخيانة”.
المحلل السياسي محمود حلمي يؤكد أن الرئيس الأمريكي أنهى كافة مشاوراته مع مستشاريه وأصدقائه العرب الذين شاركوا في إعداد “صفقة القرن”، خاصة الشق الاقتصادي منها الذي تم من خلال ورشة البحرين.
وعُقدت في البحرين على مدار يومين (25-26 يونيو 2019) ورشة اقتصادية، أثارت معها الكثير من الجدل والانتقاد في الأوساط الفلسطينية، وسط مقاطعة عربية ودولية؛ نظراً لما جاء فيها من قرارات وخطوات تمس القضية الفلسطينية بشكل مباشر، وتقدم الحل الاقتصادي على الحل السياسي، وتقرب “إسرائيل” من المنطقة العربية، وتفتح باب التطبيع معها من خلال المشاريع الاقتصادية.
ويضع حلمي عدداً من الأسباب وراء عدم انتظار ترامب نتائج الانتخابات الصهيونية لإعلان الصفقة، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”؛ أولها حالة التوتر بين بلاده وإيران بعد اغتيالها لقائد فيلق القدس وقائد الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني.
ومن تلك الأسباب، وفق حلمي، تسجيل الإنجاز الأكبر والوعد الذي أطلقه ترامب خلال حملته الانتخابية الرئاسية؛ وهو تقديم الهدايا التاريخية لدولة الاحتلال الصهيوني على حساب القضية الفلسطينية.
ولا يستبعد حلمي أن يواجه إعلان ترامب للصفقة حالة غضب فلسطينية على الأرض، وردود أفعال عربية ودولية خجولة، دون وجود أي قرارات تكون بحجم ما سيقدمه الرئيس الأمريكي لـ”إسرائيل”.
الخليج أونلاين