الكل من المعنيين في السياسة، بطبيعة الحال، ينتظرون تسلم دونالد ترامب الرئاسة الأمريكية، لمعرفة استراتيجيته الأمريكية في معالجة القضايا التي تنتظره أمريكيا، ولا سيما فيما يتعلق بصراعه مع الدولة العميقة التي سعت لإسقاطه في الانتخابات، بتأييدها لمنافسته كامالا هاريس، أو بما سبق وأطلقها ترامب من تصريحات تستهدف إحداث تغييرات عميقة في بنية الولايات المتحدة.
أما على المستوى الدولي، فالكل من المعنيين بالقضايا الملتهبة الرئيسة، ينتظرون ما سيفعل بالنسبة لأوكرانيا وروسيا، وأوروبا، وامتدادا علاقته بالناتو وأوروبا، ودور أمريكا.
ثم هنالك المشكلة مع الصين التي تهدّد باحتلال مركز الدولة الكبرى رقم 1 في العالم، حلولا مكان أمريكا، وهي المشكلة التي تمسك بالحلقة الرئيسة التي طالما تجاهل أولويتها الرؤساء كلينتون، وجورج دبليو بوش، وترامب، وبايدن، عدا أوباما الذي ركز على الصين، وكان مترددا. وكانت النتيجة في هذا “التجاهل” في مصلحة الصين، كما روسيا.
وهنا تكون الإستراتيجية الأخطر تتمثل في السياسات التي سيتبعها ترامب، إزاء إيران والحربين في قطاع غزة ولبنان، وامتدادا لمحور المقاومة ككل، وما اعتادت السياسة الأمريكية تسميته “الشرق الأوسط”، ولو بعناد فاضح مع الجغرافيا.
يتوقع الكثيرون ممن تابعوا أسماء الوزراء والمساعدين والمستشارين الذين كشف ترامب عنهم (وكلهم من عتاة الصهاينة)، بأنه سيعطي تركيزا خاصا لدعم الكيان الصهيوني، والتناغم أكثر مع نتنياهو. ولكن هذا التوقع قد يكون متعجلا قبل تسلم ترامب للرئاسة، والكشف عن توجهاته في القضايا الأخرى المفروضة عليه. فأمريكا، وبشهادة ترامب نفسه، كانت ضعيفة من خلال السياسة التي عبّر عنها بايدن.
هذا البُعد المتعلق بضعف أمريكا في ميزان القوى، سواء أكان على المستوى الدولي أم كان على المستوى الإقليمي عندنا، سيواجه ترامب.
فالحرب التي خاضتها أمريكا إلى جانب الكيان الصهيوني طوال أكثر من ثلاثة عشر شهرا، كانت فاشلة في قطاع غزة، حيث لم يتحقق الهدف الأول الذي رسمه بايدن ونتنياهو بالقضاء على المقاومة، من خلال عدوان عسكري، اتسّم بحرب بريّة كانت فيها يد المقاومة ولم تزل هي العليا. وذلك فضلا عن “حرب” إبادة، وجرائم قتل جماعي (إبادة بشرية) كانت نتيجتها فضيحة أخلاقية وسياسية، ودمارا لسمعة الكيان الصهيوني، ستقرر مستقبل وجوده في فلسطين.
وقد اتسّم نظر الرأي العالم العالمي إليه كقاتل أطفال، ومجرم إبادة جماعية، ودولة مارقة من وجهة نظر القانون الدولي، والقِيم الإنسانية والأخلاقية العالمية.
وهذا بدوره، وبسبب مشاركة أمريكا والغرب لنتنياهو والكيان الصهيوني، شكل أيضا فضيحة للحداثة التي راحت الحضارة الغربية الاختباء خلفها، وخاصة فيما يتعلق بالعقلانية والحريّة والحقوق الفردية، وحقوق الإنسان والديمقراطية. فلم يعد من الممكن لأمريكا والغرب الدفاع، عنها والادّعاء بزعامة العالم، بعد ما تعرض له قطاع غزة من إبادة، ترجمت نفسها بأبشع من أيّة إبادة عرفها التاريخ المعاصر.
هذا البُعد يؤكد على ضعف أمريكا في ميزان القوى، سواء أكان عسكريا أم سياسيا وأخلاقيا، وهو ما سيرتطم بكل ما سيتقدم به ترامب من سياسات ستكون من نتيجتها الفشل والإحباطات، أو في الأقل سيواجه الكثير من الصعوبات والعراقيل. وستثبت تجربته أن السياسة والصراعات تحكمها موازين القوى وليس الرغبات، فدونالد ترامب الثاني أضعف من ترامب الأول.