مع اقتراب العد التنازلي لدخول الرئيس الأمريكي الديمقراطي المنتخب جو بايدن إلى البيت الأبيض، يتخوَّف الإسرائيليون من تصدر ما تعرف بمدرسة “فلسطين أولا”، التي تميز كبار مستشاريه، من خلال احتضان القضية الفلسطينية، للاعتقاد بأنها في قلب الصراع العربي الإسرائيلي، والقضية الرئيسة على الأجندة العربية.
تذهب التقديرات الإسرائيلية باتجاه أن بايدن سيعيد العلاقات مع السلطة الفلسطينية، ويجدد المساعدات الخارجية السنوية، ويعيد فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، والقنصلية الأمريكية بالقدس، ويعيد الولايات المتحدة إلى حل الدولتين، ومعارضة خطة الضم في الضفة الغربية.
الغريب أنه على عكس مدرسة “فلسطين أولاً”، ورغم الضغوط والتهديدات الفلسطينية، تواصل دول الخليج توسيع تعاونها الأمني والتجاري والسياسي مع “إسرائيل”، باعتبارها محركا رئيسا في إبرام اتفاقيات التطبيع، وتجاوز القضية الفلسطينية، والتركيز على مصالحها.
يعترف الإسرائيليون بكثير من الامتنان للسياسة السعودية الرسمية، بأنها حطمت مبادرة السلام العربية مع “إسرائيل”، وهمشت مدرسة “فلسطين أولا” على صخور الواقع الشرق أوسطي، بسبب الافتراض أن بقاء القضية الفلسطينية بدون حل هو بؤرة الصدامات الإقليمية، وجذور الصراع العربي الإسرائيلي، ما يفسح المجال للتفسير الإسرائيلي لمعارضة مدرسة “فلسطين أولا”، بزعم أنها تتجاوز واقع الشرق الأوسط، لأنها تؤمن بالمركزية الفلسطينية كطريق لحل مريح وسريع لقضية معقدة ومحبطة.
أدى الاعتراف بالواقع المعقد للشرق الأوسط، وهيمنة المصالح الإقليمية على القضية الفلسطينية، إلى عقد اتفاقيات تطبيع إسرائيلية مع مصر والأردن والإمارات والبحرين والسودان، وتُظهر السوابق التاريخية أن مبادرات السلام الإضافية تبتعد عن مدرسة “فلسطين أولاً” ممثلة بالفيتو الفلسطيني على أي تطبيع قبل إنجاز حل لهذه القضية، خاصة كلما زادت فرصة انضمام المزيد من الدول إلى دائرة التطبيع.
وبينما تركز مبادرات التطبيع على مصالح الدول العربية الضيقة، بزعم أن التهديدات الوجودية والمباشرة أهم بكثير من القضية الفلسطينية، يزداد حافزها لتعزيز التطبيع مع “إسرائيل”، وهذا على عكس مدرسة “فلسطين أولاً”، حتى أن بعض الدول العربية الموالية لأمريكا لديها تخوف بأن إقامة دولة فلسطينية قد تزيد الوقود على نار الشرق الأوسط، في حين تساهم “إسرائيل” في الحد من أضرار الحرائق، ويا للمفارقة!
يستذكر الإسرائيليون، وبينما يواصل بايدن تشكيل أركان إدارته الجديدة، العديد من المفاوضين الأمريكيين السابقين زمن إدارتي بيل كلينتون وباراك أوباما، حين تصرفوا لسنوات عديدة على افتراض أن السلام مع الفلسطينيين هو الشرط الوحيد للسلام مع العرب.
ومع أن معظم أتباع مدرسة “فلسطين أولاً” في الولايات المتحدة، يعتقدون أن الردع الإسرائيلي خط دفاع فعال ضد إيران والجماعات المسلحة الجهادية، فإنه في الوقت ذاته، يقوي الأنظمة الضعيفة للدول العربية المعتدلة نسبياً، وبالتالي يعطي زخماً لاتجاه التطبيع.