مئات الفعاليات الجماهيرية شهدها الأردن في مختلف مناطقه ومحافظاته شارك فيها خلال الأيام الماضية مئات الآلاف من الأردنيين، في موقف موحد داعم لحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال وحقه في الدفاع عن نفسه ومقدساته.
أعتقد أن الشعب الأردني كان السباق في الحراك الجماهيري حيث انطلق الحراك والتفاعل مع الحدث بعد ساعات فقط من عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية ضد المستوطنين المحتلين في غلاف غزة.
استمر الحراك وازدادت وتيرته مع كل تقدم للمقاومة ومع كل مجزرة يحدثها العدو في الشعب الأعزل في غزة.
غليان الشارع الأردني كان تعبيرا صادقا عن مشاعر الشعب الأردني، ولأول مرة يكون الحراك في الشارع أوسع وأكثف من الحراك على السوشيال ميديا، ومع كل تلك الحراكات في الشارع ومواقع التواصل الاجتماعي كان هناك خطباء وخطباء يتحدثون ويحمسون ويصبرون ويدعون ويحللون ويتنبأون.
مع هذا التفاعل الساخن كان انتشار الأخبار كالنار في الهشيم، وأصبح الجميع يتداول الأخبار وينشرها حتى دون التثبت منها، ولذلك راجت أخبار كثيرة زائفة، ولم تعد وسائل الإعلام المهنية قادرة على استيعاب السيل الهادر من الأخبار والتثبت منها فوقع بعضها في نشر أخبار زائفة، أيضا.
الخطاب العام للحراك وخطباؤه هو الإشادة بالمقاومة وإنجازاتها اليومية وربما كل ساعة، وأحيانا دون أن يكون هناك ما يسند ذلك، ولا ننسى خطباء الفعاليات الجماهيرية الذين ينصبون أنفسهم مراسلين إعلاميين فيبثون أخبارا للجماهير قبل التثبت منها وتكون أحيانا غير دقيقة.
هذا الخطاب وهذا التفاعل العفوي وهذا التضامن الصادق وهذا الشوق للانتصار وكنس كل صورة المهانة التي تعرضت لها الشعوب العربية في حروبها السابقة مع الكيان، شكل صورة “سوبرمانية” للمقاومة، وأنها لا يمكن أن تمنى بأي خسارة مهما كانت، وهنا تكمن خطورة هذه الصورة، وهو ما حدث جزئيا هذا الصباح حين انتشرت أخبار عن توغل دبابات ووصولها لشارع صلاح الدين في مدينة غزة، حيث ساد شعور من الخوف والقلق والإحباط.
علينا أن نعلم أن المقاومة تخوض حربا شرسة، وهي حرب ستقع فيها خسائر، وربما ينجح العدو في اغتيال قيادات وهذا حدث في حروب سابقة، وربما ينجح العدو في إحدى توغلاته، وربما ينجح في استهداف منصات صواريخ أو قادة ميدانيين، فهذه حرب ولا يجوز أن نعتقد أن المقاومة ستنتصر فيها دون أن تصاب بأي خسائر.
إن خطورة الخطاب المرتفع هو أنه سيسبب الإحباط الكبير في حالة وقوع خسارة مؤلمة للمقاومة، لا سمح الله، خلال هذه الحرب الطويلة، ما يتسبب في تراجع الحراك الجماهيري الذي يلعب دورا مهما في هذه الحرب، وهذا ما لا يجب السماح به، وهو أمر يحتاج إلى ذكاء في قيادة الحراك.
المطلوب تحصين الرأي العام ضد الصدمات وضد أي خسائر للمقاومة لا سمح الله، المطلوب أن لا يؤثر ذلك على الحراك الجماهيري وعنفوانه وغليانه، فالحراك الجماهيري في الأردن وكافة دول العالم هو بمثابة الحاضنة الشعبية للمقاومة، ومن هنا أهمية المحافظة عليه.