تباعدوا يرحمكم الله

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
كتب : عبد الله المجالي

تراصوا تراحموا، الكتف على الكتف يستوي الصف. هكذا يقول الإمام في الصلاة قبل رفع يده لتكبيرة الإحرام مؤذنا بصلاة الجماعة في المسجد، وخلفه صف أو صفوف من المؤمنين متراصين مستوين، لا يسبق أحدهم الإمام ولا يتقدم عليه. بعد الصلاة دعاء لمن هو على يسارك ومن هو على يمينك “تقبل الله”. تحرص الغالبية أن تبقى في مكانها تسبح ثلاثا وثلاثين وتحمد ثلاثا وثلاثين وتكبر ثلاثين، ثم ترفع يديها إلى السماء تدعو الله.

نحن أمة تقارب، ديننا يحث على التقارب، يقول تعالى: “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ” صدق الله العظيم. ويقول الرسول الأعظم: “أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصلّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام” صدق رسول الله. وحين أراد رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وصف أمته قال إنها كـ”الجسد الواحد” كناية عن التقارب والتعاضد فيما بينها.

فهل يمكن أن تحل ثقافة التباعد مكان ثقافة التقارب؟ نعم، إذا اقتضت الضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، ويقررها أهل الاختصاص (وهم هنا علماء الصحة بالاشتراك مع علماء الشريعة) من الثقات الحريصين على دين الله وعلى مصالح المسلمين، والضرورات تبيح المحظورات، لكنها هنا استثناء، والقاعدة هي التقارب والتواصل هو الأصل.

ولأنه دين الله تعالى، وهو أعلم بما هو كائن وما سيكون، فلا يتصور أن يكون دين الله سببا في الأذى، معاذ الله، ولذلك فتعاليم الإسلام قادرة على التعامل والتكيف مع كل الظروف والأزمان التي لا يد للإنسان فيها. ومن يجرؤ على القول إن صلاة الرجل في بيته غير جائزة في ظل تعذر وصوله للمسجد؟ ومن يجرؤ على القول إن صلاة التراويح في البيت غير جائزة حتى في ظل عدم تعذر وصوله للمسجد؟ ومن يجرؤ على القول بتعطيل الصيام، بحجة كورونا، لمن لا يملك العذر لذلك من سفر أو مرض أو مشقة؟ ومن يجرؤ على القول بتعطيل صلة الأرحام بحجة التباعد؟ هناك وسائل الاتصال الحديثة. ومن يجرؤ على القول بتعطيل الزكاة والصدقات وأعمال الخير بحجة التباعد؟ من يجرؤ على القول بتعطيل إطعام الفقراء والمحتاجين بحجة التباعد؟ يمكن أن تصل المساعدات والزكوات والصدقات الطعام إلى بيوت المحتاجين بدل تجميعهم في مكان واحد. من يجرؤ على القول بتعطيل التضامن والشعور والاهتمام بقضايا المسملين في العالم والدعاء للمظلومين والمعتقلين والمجاهدين منهم بحجة التباعد؟ يمكن أن تدعو لهم في كل صلاة.

إن الرسول صلى الله عليه وسلم وضع أسس العزل الصحي حين قال: “إذَا سمِعْتُمْ الطَّاعُونَ بِأَرْضٍ، فَلاَ تَدْخُلُوهَا، وَإذَا وقَعَ بِأَرْضٍ، وَأَنْتُمْ فِيهَا، فَلاَ تَخْرُجُوا”، متفقٌ عليهِ. لقد انبهرت بعض الصحافة الغربية حين سمعت بهذا الحديث لأول مرة.

هناك من يتشكك في الموضوع، ويقذف بالأرقام والإحصاءات الرسمية للتدليل على ذلك، فكم عدد الإصابات مقارنة بالأمراض الأخرى؟ وكم عدد الوفيات مقارنة بالمعدل الطبيعي للوفيات؟ إنها أرقام هزيلة ولا تدع لا للرعب ولا للفزع. ويرد عليهم بعض آخر بأن تلك الأرقام والإحصاءات نتيجة فرض ثقافة التباعد والحجر المنزلي ولولاهما لكانت الإصابات والوفيات أكثر بكثير مما نطيقه. 

اكتب تعليقك على المقال :

أحدث الأخبار