على الصعيد العام والاستراتيجي للقضية الفلسطينية لا شي سوى أنها تمثل فصل من فصول الصراع مع هذا العدو الصهيوني الإحلالي العنصري المتغطرس.
وعلى الصعيد الآني هو عبارة عن تكتيك سياسي صهيوني مرتبط اساساً بخطة السلام الترامبية لتصفية القضية الفلسطينية، ابتلع من خلالها الكيان الصهيوني القدس ويريد استكمال باقي اجزاء الضفة الغربية التي أقيمت عليها المغتصبات “المستعمرات” وصولاً الى غور الأردن الذي يمثل مسألة مصيرية يمس أمن الكيان في عمقه.
اذن الحديث عن انتصار في حال تأجيل خطة الضم غير صحيح وهو بمثابة بيع للأوهام ومحاولة تسويق انتصار زائف خاصّة ونحن نتحدث عن تأجيل وليس إلغاء، لذلك قلنا أنه تكتيك سياسي لدولة الكيان جاء في سياق الإصغاء للاصدقاء بأن المضي قدماً في خطة الضم ودفعة واحدة على طريقة نتنياهو سيؤدي الى اضرار جسيمة تعود على الكيان الصهيوني نفسه وعلى مشروع التسوية برمته وكل من سار في ركبه.
معنى ذلك أن مشروع الضم وصفقة ترامب ماضية لكن بشكل متدرّج وعلى مراحل قد تأتي في قابل الأيام على شكل مفاوضات تُدعى إليها السلطة الفلسطينية للتفاهم على ما تبقى من القضية الفلسطينية، ولا أعرف مالذي تبقى منها بعد نقل السفارة الامريكية والاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لدولة الكيان، وشطب حق العودة للفلسطينيين، وعدم اعطائهم دولة مستقلة ذات سيادة وانما جزر معزولة في بحر من المستوطنات التي اغرقت الضفة وقطّعت أوصالها.
يزداد الأمر تعقيداً وصعوبةً اذا ما نظرنا الى الهرولة من بعض الدول العربية نحو التطبيع مع ذلك الكيان الغاصب، والذي من المحتمل فتح المزيد من أبوابه بعد تأجيل خطة الضم وتسويق ذلك أنه نصر وبداية مرحلة جديدة يمكن التفاهم فيها مع هذا الكيان. في ظل هذا التراجع و التخاذل العربي غير المسبوق، وفي ظل حالة الانهيار الكبير تجاه مسألة التطبيع والتهاون فيه يجد الكيان نفسه مرتاحاً جداً وبشكل غير مسبوق في المحيط العربي، وليس هناك ما يخشاه بشكل حقيقي سوى هبّة غضب فلسطينية في الضفة الغربية تقوض أمنه وتصيبه في مقتل وتخلط اوراقه من جديد وتعيده الى نقطة الصفر، بغير ذلك فان الريح تجري بما تشتهيه السفن.
يكمن الانحدار العربي الذي اوصلنا له مشروع التسوية الى قعرٍ لم يكن لأحد أن يتوقعه في أي مرحلة سابقة من تاريخ الصراع مع العدو الصهيوني، حيث انطلق مشروع التسوية على مبدأ الأرض مقابل السلام، ثم تراجع بعد اوسلو و وادي عربة الى ابرام الاتفاقات مقابل السلام – بمعنى الاعتراف اولاً بشرعية الاحتلال الصهيوني لفلسطين التاريخية – ، وصولاً الى الأمن مقابل السلام، ثم ومع خطة ترامب وكوشنر اصبحنا في طور الاقتصاد والتنمية مقابل السلام، وأخشى في قابل الأيام وبعد “المنّة” التي يقدمها قادة العدو الصهيوني اليوم بتأجيل خطة الضم أن نصل الى مبدأ وقف الضم مقابل السلام.
معنى ذلك أنّ الكيان الصهيوني أخذ كل شئ ، اخذ الأرض والاعتراف من العرب، واستحوذ على الأمن، ونال التطبيع والعلاقات التجارية وصفقات الغاز وغيرها، ولم يعطِ مقابل كل ذلك سوى سلام متوهم مزعوم مؤجل مشكوك فيه.
هذه هي الحقيقة.