على الرغم من أن القرار الذي اتخذه وزير الحرب الصهيوني نفتالي الأسبوع الماضي بتشكيل منظومة رسمية تهدف إلى حسم السيطرة الإسرائيلية على مناطق “ج” التي تمثل أكثر من 60% من الضفة الغربية، كان يفترض أن يمثل “هزة أرضية” تستدعي أن تتخذ السلطة الفلسطينية موقفًا بحجم هذه الجريمة، إلا أن قيادة السلطة تعاطت مع الإعلان ببرود وكأن شيئا لم يكن.
علاوة على أن القرار لم يترك تأثيرات في الدول العربية، ولا سيما تلك الواقعة في محيط فلسطين التي تواصل أنماط علاقتها مع الكيان الصهيوني وكأن شيئا لم يحدث، حيث إن نظام السيسي شرع في استيراد الغاز العربي الذي تنهبه إسرائيل، بعد أن بدأ الأردن في استيراد هذا الغاز بالفعل.
إن التجسيد الفعلي لقرار نفتالي يتمثل في أن سلطة فلسطينية تتجه للانهيار عندما يتم اقتطاع 60% من مساحة الضفة وبضمها لإسرائيل، مع العلم أن تطبيق مخطط نفتالي يتم بشكل فج وبصورة ستحرج قيادة السلطة على اعتبار أن أقطاب التحالف الحاكم في تل أبيب معنيون باسترضاء الجمهور اليميني الديني المتطرف من خلال هذا النمط من السلوك.
وتمهيدا لضم الضفة، فإن المنظومة التي أعلن نفتالي عن تشكيلها ستعمل على منح اليهود تراخيص لشراء أراض في الضفة بشكل خاص، وربط النقاط الاستيطانية التي دشنت بدون إذن الحكومة الصهيونية بشبكتي الكهرباء والمياه وعدم السماح بإخلاء المستوطنين من الأراضي الفلسطينية الخاصة التي سيطروا عليها.
ويهدف السماح لليهود بشراء الأراضي الفلسطينية من سلطات الاحتلال بشكل خاص ومباشر ودون وساطة شركات يمثل تحولا على المكانة القانونية لهذه الأراضي، حيث إن هذا التحول يساعد على السيطرة على أكبر مساحة من الأراضي الفلسطينية، ناهيك عن أنه ينطوي على دلالات رمزية بأن الضفة الغربية تعود لليهود، كما تبجح نفتالي أكثر من مرة مؤخرا.
ويمثل ضم مناطق “ج” عمليا ضم الضفة الغربية بأسرها، على اعتبار أن هذه المنطقة تضم جميع المستوطنات والقواعد العسكرية والمواقع الدينية التي يدعي اليهود أنها تعود لهم، مما يعني أن إسرائيل ستضم أيضا شبكة المواصلات التي تربط بين هذه المستوطنات والقواعد وإسرائيل، مع العلم أن الكثير من شبكات الطرق التي يسلكها المستوطنون تطوق المدن والبلدات الفلسطينية في الضفة، مما يعني خنق مناطق السلطة.
في الوقت ذاته، فإن رئيس السلطة محمود عباس سيكتشف سريعا أنه بات من المتعذر عليه مواصلة تنفيذ إستراتيجيته القائمة على شراء الوقت والمناورة بين التعاون الأمني مع الاحتلال والتأثير بالأجندة الفلسطينية عبر توسيع الانقسام الداخلي بهدف التغطية على فشل مشروعه السياسي.
فالإجراءات الصهيونية الجديدة ستضع قيادة السلطة أمام الشعب الفلسطيني؛ حيث إن عباس سيكون مطالبا بتوفير ردود للفلسطينيين الذين سيؤدي تطبيق خطة نفتالي إلى خسارتهم أرضهم، ما سيترتب عليها تدمير عدد كبير من المنازل والمباني الفلسطينية.
ومما يزيد الأمور تعقيدا بالنسبة للسلطة الفلسطينية حقيقة أن قناة “13” الصهيونية كشفت مؤخرا أن كلًا من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعد مخططا يهدف لإنجاح بنيامين نتنياهو في الانتخابات، عبر طرح “صفقة القرن” قبل الانتخابات الإسرائيلية، بحيث يستغل نتنياهو الرفض الفلسطيني لها ويضم غور الأردن والمستوطنات لإسرائيل في حين يقوم ترامب بدعم الضم.
طبعا إدارة ترامب تمهد لتبرير الاعتراف بضم الضفة، حيث إن السفير الأمريكي في إسرائيل دفيد فريدمان وصف الحكم الأردني للضفة بالاحتلال، وأن إسرائيل حاليا تمارس حقها الطبيعي في السيادة على الضفة.
قصارى القول.. العاصفة قادمة وبقوة. الشعب الفلسطيني لن يستكين ولن يقبل أن يكرس الصهاينة واقع ضم الغربية، قد كان من المجدي لو حدث هذا الأمر في ظل توافق فلسطيني على إستراتيجية موحدة على مواجهة هذا الخطر.
لكن الآمال شيء والواقع عالم آخر للأسف.