انعكست آثار التسوية السياسية المسماة “اتفاقية أوسلو” على جميع مجالات الحياة الفلسطينية المختلفة، وظهرت أكثر وضوحاً على حركة ” فتح “.
فقد قطعت هذه الإتفاقيات وما تبعها من إتفاقيات الخيط الرفيع الذي يربط بين أعضاء الحركة..!!
حيث دفعت هذه التسوية بالكثيرين من الرعاع والدهماء، وممن لم يكن لهم تاريخ نضالي عسكري أو سياسي إلى القفز على السطح، والعمل بشكل علني بدون خوف أو وجل من أحد تحت ستارمن الوطنية الزائفة ..!!
و أصبحنا نرى أشخاصاً — لم نسمع بأسمائهم في مسيرة الثورة على مدار تاريخها — يتباهون و يفاخرون ببطولات غير موجودة لديهم ، ولا يعلمون هم أنفسهم شيئـاً عنها..!!
وظهرت طبقة جديدة من طحالب الفساد ، والمتسلقين ، والإنتهازيين ، والوصوليين ، والمنتفعين الذين احتلوا مناصب ليسوا أهلاً لها، واعتبروا أنفسهم فوق القانون، وفوق الضوابط، وفوق المساءلة والحسابات، وحجة كل واحد فيهم :
أنه محرر الأوطان وقاهر الأعداء .. !!
وخير َمثال على ذلك الإتهامات المتبادلة بين أمين سر المجلس الإستشاري لحركة فتح نصر يوسف ومجموعة من ” أيتام دايتون ” من الذباب الإلكتروني التابع لأجهزة السلطة الأمنية التي ترفع شعار ” التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني مقدس ومصلحة وطنية ، وضرورة للحفاظ على السلطة “..!!
حيث أكد نصر يوسف أن تصريحات رموز التواطؤ مع العدو الإسرائيلي ، ومن رموز التنازلات للدولة العبرية ممن نصبوا أنفسهم زورا وبهتانـًا للتحدث باسم الشعب الفلسطيني الذين يتسابقون ــ في كل عدوان على شعبنا ــ إلى تشويه تاريخ نضال وجهاد الشعب الفلسطيني ، وإشاعة روح الانهزامية والاستسلام ، وتشجيع العدو على مواصلة عدوانه على شعبنا في غزة، ومهاجمة فصائل المقاومة هي تصريحات شخصية، ولا تعبر بالضرورة عن المجلس الاستشاري لحركة فتح “.
وأكد يوسف أن ” غزة بصمودها وبطولتها قد أعادت القضية الفلسطينية إلى رأس الأجندة السياسية العالمية، وخلقت هامشا كبيرا في بعث مسيرة التضامن الدولية مع شعبنا الفلسطيني، وأيقظت بأوجاعها الضمائر في كافة الأرجاء، وفضحت ازدواجية المعايير الغربية”.
ليخرج ” أيتام دايتون ” ببيان يتهم فيه نصر يوسف بالإنحياز للمقاومة بتصريحه الذي يلحق الضرر بعزيمة الفتحاويين..!!
ويتساءل الشارع الفلسطيني بدهشة ومرارة :
ماذا يجري داخل حركة فتح.. ؟!
وهل حقا تم اختطاف هذه الحركة التاريخية المناضلة التي قدمت آلاف الشهداء وعشرات آلاف الجرحى والأسرى والمعتقلين على مدار خمسة عقود ونيف على يد مجموعة تآمرت عليها من الداخل ، واستغلت ” فــتـح ” للحصول على المكاسب والغنائم ، مما أدى إلى ضياع الحـركة ( التي أصبحت غابة الجميع فيها ينهش بعضه البعض ) بين أنياب المنتفعين والمتسلقين ، حتى أضحت مشروع استثماري لدى بعض المارقين . . ؟ ! ! .
لا يختلف اثنان على وجود أزمة حقيقية تعصف بـحركة ” فــتـح ” ، وخاصة بعد المهزلة التي حاكتها بعض القيادات المتنفذة في الحـركة ، و كان من نتائجها فصل و طرد العديد من قادة و كوادر و عناصر الحـركة ونواب في المجلس التشريعي في حملة مستهجنة و غير مسبوقة تحت ذريعة ” مناهضتهم للسياسة العامة لدولة فلسطين ” ، و اتهامهم بتهمة ” التجـنح ” في أسلوب غريب عن عادات و تقاليد شعبنا و ثورته في محاربة الناس بقطع أرزاقهم ، و غريب جدا عن أخلاقيات حـركة ” فــتـح ” ..!!
وليت الأمر قد توقف عند هذا الحد بل تعداه إلى إقصاء قيادات كبيرة و وازنة في الحركة ، و التآمر على البعض الاخر لإقصائه في معركة صراع الخلافة على منصب رئيس السلطة و حركة فتح ، والتي تدور رحاها بين قيادات المقاطعة في رام الله للظفر بالمنصب ، و ما تخللها من شتائم و تخوين و مؤامرات مما يوحي بأن الضفة الغربية على أعتاب حمام دم بين هذه القيادات التي تكدس السلاح لهذه اللحظة ..!!
هناك من يؤكد أن ” فــتـح ” تم اختطافها من قبل طرف فاعل بداخلها ضد الأطراف الأخرى ذات التاريخ النضالي المديد ، وان قيادة الحركة ممثلة باللجنة المركزية قد فقدت بوصلتها ، حيث يواصل الكثير منهم رحلة البحث عن الذات وعن المصالح الخاصة والابتعاد عن الجماهير ، و التعلق ببطاقات كبار الشخصيات التي تسمح لهم بالسهر والمجون والتسوق في بارات وأسواق تل أبيب ، والتنقل في جميع أنحاء العالم وشعبهم محتجز في المطارات والمعابر . .! !
هنا يتساءل كل فتحاوي :
أين قيادة الحركة التي انتخبت في مؤتمر فتح السابع ” نوفمبر ٢٠١٦ م ” لكي تلجم الذين يحاولون شطب المحطات المضيئة في تاريخها ، و ينحرونها من الوريد إلى الوريد . .؟!!
أم أن هذه القيادة قد أصابها العجز ، وتعبر عن هذا العجز بالحرد و الصمت و التذمر و الاعتكاف في المنازل . . ؟ ! ! .
أين قيادات فتح السياسية و العسكرية ؟!
أين قيادات الساحات والأقاليم والاتحادات الشعبية ؟!
هل هي غائبة ؟!
أم انها اندثرت وفقا لخطة مبكرة نفذت خطوةً خطوة ؟! .
هل هذه ” فــتـح ” التي كان لها شرف تفجير الثورة الفلسطينية العملاقة ضد الاحتلال الصهيوني ، و قادت أطول مسيرة ثورة في التاريخ المعاصر .؟!
أم أن ” فــتـح ” قد اختزلت في يد مجموعة ممن قبلوا الدنية ، وقدموا مصالحهم على مصالح شعبهم و أمتهم و عقيدتهم ، و عملوا بموجب توجيهات الأعداء و نصائحهم .؟!
وبعد :
لا تصمت عن قول الحق مهما كان مراً …
فعندما تضع لجاماً في فمك …
سيضعون سرجاًِ على ظهرك ..!!