بيغاسوس.. بدهية المآلات (الإسرائيلية) على العالم

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
كتب : ساري عرابي

تصدير “إسرائيل” لتقنيات تجسّسية، تستخدمها الأنظمة القمعية لترسيخ سلطتها، لا ضدّ معارضيها فحسب، بل أيضا ضدّ أوساط واسعة في المجتمع المدني، لم يكن أمرا جديدا من حيث العلم به، فالمعلومات كانت آخذة بالتكاثر حول ذلك منذ العام 2017 على الأقلّ، أي منذ تدشين الحلف العربي/ الإسرائيلي برعاية إدارة ترامب.

ولا شكّ أنّ ما كان مخفيّا من العلاقات، قبل الخروج بالتحالف إلى العلن، تضمّن الاستعانة بالتقنيات الإسرائيلية. فهذا الجانب هو أكثر ما يجمع الأنظمة القمعية العربية بـ”إسرائيل”. وكانت شركة “واتساب” في العام 2019 قد أبلغت 1400 مستخدم لتطبيقها بتعرضهم للتجسس، في مسيرة انكشاف هذه التقنية منذ العام 2016 فصاعدا. وخلال هذه السنوات الخمس، يمكن توقع قفزة التطور التي أحرزتها هذه التقنية.

بيد أنّ ما حوّل الأمر إلى فضيحة، هو ما انكشف أخيرا عن العدد المرعب للمستهدفين بهذه التقنيات، وكثرة زبائن “إسرائيل” في هذا الجانب، ووقوع بعض حلفائها ضحايا التجسس بواسطة البرنامج الإسرائيلي، كالرئيس الفرنسي ماكرون.

تستفيد “إسرائيل” من ذلك في ثلاثة جوانب، الأول: أمنيّ مباشر، فقاعدة البيانات التي تتشكّل بفضل طلبات زبائنها ونشاطهم التجسّسيّ سوف تصبّ في النتيجة في “السيرفرات” الإسرائيلية، وهو أمر من وجه ما يحوّل زبائنها إلى وكلاء أمنيين لها، ولكنهم وللمفارقة يدفعون لها، فهي تبيع التقنية ولكنها في الوقت نفسه تحتفظ بالمعلومات الناجمة عن عمليات التجسّس تلك بواسطة تطبيقاتها التجسّسية، وهذه صفقة مربحة للغاية!

أما الجانب المباشر الثاني: فهو الجانب الاقتصادي، إذ يدخل هذا النشاط الاستخباراتي في جملة الأنشطة الاقتصادية المربحة لـ”إسرائيل”. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ هذا التفوق التقني ناجم عن الخبرة الإسرائيلية في مكافحة المقاومة الفلسطينية، وعوز منظومات القمع إلى هذا النمط من التقنيات.

وتبدو المفارقة هنا أيضا، في كون التطور التقني الاستخباراتي الإسرائيلي ناشئ في بعضه عن تجسّس “إسرائيل” على الدول العربية التي تبيعها تقنياتها! هذا فضلاً عن كون “إسرائيل” باتت مقرّا للعديد من شركات التقنية الغربية، خاصة الأمريكية، وشريكة لها. وبما أنّ هذا النوع من التقنيات لا يُباع إلا بموافقة حكومية، فينبغي التوقع بأن الولايات المتحدة نفسها متورطة في ذلك، لا “إسرائيل” فحسب. والمؤشرات السياسية على ذلك كثيرة، يكفي منها ما ذُكر عن التحالف الذي دشنته إدارة ترامب.

أما الجانب الثالث، وهو الأهم، فهو السياسي، الذي تكرّس به “إسرائيل” أهمّيتها، وتجعل من نفسها حاجة للعديد من الدول في العالم، فضلا عن دول المنظومة العربية المهترئة. وهذا الجانب، كما الأمني والاقتصادي، مركّب، فإدامة النزاعات في العالم يجعل “إسرائيل” سوقا مهمة للعديد من الدول، كما أنّ الحفاظ على منظومة القمع والاستبداد لا يضمن لـ”إسرائيل” مجالا حيويّا مريحا، وأمنا واضحا، وتفوقا متعددا فحسب، ولكنه يضمن تبعية عربية مجانية لها.

فالعرب يدفعون أموالهم ليتجسسوا في النتيجة لصالح “إسرائيل”، ويمكن لنا أن نفهم أن دعم الولايات المتحدة لحقل التقنيات العالية في “إسرائيل”، يندرج في مشروع مساعدة “إسرائيل” للاعتماد على نفسها في حماية نفسها، في بيئة هي في الأصل غير مواتية للوجود الإسرائيلي، لافتقاده المبرر التاريخي والاجتماعي والسياسي.

ولأنّ “إسرائيل”، بهذا الوصف، لا تملك مبررات الوجود المقنعة للجماهير العربية، أو بحسب تصريحات بنيامين نتنياهو عام 2017، بأنّ مشكلة “إسرائيل” مع الرأي العام العربي، لا مع الأنظمة العربية، فإنّ سياساتها سترتكز على السعي للحفاظ على منظومة القمع، والتحالف معها وتعزيزها مع ضمان تبعيتها.


هذا في شقّ المصالح المباشرة للوجود، ولكن وبما أنّها لا تملك المبررات الطبيعية للوجود، إذ وجودها قام على اختلاق السرديات التاريخية، وعلى القوة القاهرة، والدعم الغربي، وتحريف التاريخ، ونفي السكان الأصليين، وظلم من تبقى منهم، والبطش بهم.. فإنّها، ومن حيث المبدأ ومن حيث المعنى الكلي لوجودها، سوف تجد نفسها معنية بتعظيم الشرّ، وتعزيز الانحطاط الأخلاقي في علاقات البشر ببعضهم، لا في محيطها الحيوي فحسب، بل وفي العالم كلّه.

فالحساسية الأخلاقية الخيّرة سوف تلاحظ فظاعة مبررات وجود “إسرائيل” التي ترتكز على الظلم، والنفي، والبطش، والتحريف. ولهذا السبب سوف يجد العالم كلّه، كما في فضيحة “بيغاسوس”، نفسه أمام الشرّ البدهي المنبثق عن الوجود الإسرائيلي.


اكتب تعليقك على المقال :