أكد المتحدثون في الندوة التي عقدها منتدى السبيل الإعلامي حول مستقبل السلطة الفلسطينية في ظل التطورات الأخيرة أن السلطة الفلسطينية تمرّ بأوضاع صعبة بعد تأجيل الاستحقاق الانتخابي وأدائها الضعيف في معركة سيف القدس ومقتل الناشط نزار بنات أثناء عملية اعتقاله من قبل أجهزة الأمن الفلسطينية وما تبع ذلك من قمع للمحتجين والإعلاميين.
واعتبر المتحدثون في الندوة التي أدارها المحلل السياسي والكاتب الصحفي عاطف الجولاني أن السلطة الفلسطينية لا تزال تراهن على تخوّف المجتمع الدولي من صعود حركة حماس بعد ما حققته من إنجازات خلال معركة سيف القدس، وهو ما قد يدفع تلك الأطراف لتعزيز شرعية السلطة ومكانتها والسكوت عن ممارساتها في ملف الحريات وحقوق الإنسان. وأكد المتحدثون ضرورة استثمار ما تمر به القضية الفلسطينية من حالة دعم دولي غير مسبوق، وهو ما يتطلب التوافق بين القوى الفلسطينية وتحقيق المصالحة الوطنية.
الرنتاوي: السلطة فقدت فرصة تاريخية لتجديد نفسها وحضورها
واعتبر الكاتب والمحلل السياسي عريب الرنتاوي مدير مركز القدس للدراسات أن السلطة الفلسطينية تعيش مأزقا منذ سنوات نتيجة عدة عوامل منها أزمة مشروعها السياسي في ظل انهيار مشروع حلّ الدولتين وتراجع فرصه بفعل التطورات داخل المجتمع الإسرائيلي وهيمنة اليمين المتطرف وتراجع اهتمام الإدارة الأمريكية بتسوية الصراع العربي الإسرائيلي، إضافة إلى عوامل داخلية مرتبطة بتآكل مكانة السلطة الداخلية بتأثير نهج التفرد في صنع القرار وغياب حالة الديمقراطية والمؤسسية داخل مؤسسات السلطة.
وقال الرنتاوي إن السلطة الفلسطينية فقدت فرصة تاريخية لتجديد نفسها وحضورها عبر الانتخابات، مشيراً إلى أن هذا الملف تمت إدارته بعقلية متفردة وتم التراجع عن خيار الانتخابات تحت ذرائع غير جادة خشية خسارة مكتسبات حركة فتح، بدلاً من إدارته بطريقة تسهم في استنهاض الحالة الفلسطينية واستنهاض حركة فتح في ظل ما تشهده من تمزّق. وأكد انه لا يمكن استمرار إدارة المشهد من قبل السلطة بهذه الطريقة، مما يوجب عليها إعادة النظر بنهجها وإعادة هيكلة مؤسساتها وترميم صف حركة فتح وإنجاز المصالحة الفلسطينية للنهوض بالمشروع الفلسطيني واستثمار حالة الدعم الدولي غير المسبوق للقضية الفلسطينية.
ورأى أن معركة سيف القدس أحدثت انعطافة كبرى في توازنات القوى في الساحة الفلسطينية بعد نجاح حماس في الربط بين القدس وغزة ودخولها على خط الضفة الغربية والخروج من جغرافية قطاع غزة، مما عمل على انتقال مركز القرار من رام الله إلى غزة وتحقيق حالة انفتاح سياسي دولي تجاه حركة حماس بحكم الأمر الواقع، لا سيما بعد تجربة الانفتاح الأمريكي على حركة طالبان في افغانستان والنصرة في سوريا كحركات تتجه للتركيز على البعد الوطني الداخلي.
وتحدث الرنتاوي عن حالة قلق شديدة لدى السلطة وحلفائها من التغيّر الملحوظ في مزاج الرأي العام الفلسطيني، لا سيما يعد استطلاعات الرأي التي أظهرت أن غالبية الفلسطينيين يرون أن أداء حركة حماس كان جيداً مقارنة بحركة فتح ورئيس السلطة، وأنها الأجدر بقيادة الشعب الفلسطيني.
وأشار إلى أن السلطة الفلسطينية راهنت بعد معركة سيف القدس على المخاوف الإسرائيلية والدولية من صعود حركة حماس من أجل تأكيد شرعيتها وتعزيز مكانتها، فمارست عملية استقواء نتيجة حاجة العرب والمجتمع الدولي لها وهو ما قادها إلى سلسلة من الخطوات المتخبطة. وأضاف الرنتاوي أنه نتيجة إحساس السلطة باللاشرعية واللاشعبية لجأت لاستخدام القوة والقمع في التعامل مع معارضيها، فهي قد باتت تشعر بأن حركة حماس تعدّ نفسها لمرحلة ما بعد فتح.
وحول أداء حماس أكد الرنتاوي أن على الحركة أن تدير المشهد بذكاء وأن تتعاون مع باقي الأطراف الفلسطينية، محذراً مما وصفه بـ”إحساس فائض القوة” في ظل دخولها مرحلة السيطرة على الموقف وجولة قيادتها السياسية التي شملت عدة دول، مشيراً إلى أن الوضع الإقليمي لن يسمح لحماس بالهيمنة على المشهد الفلسطيني.
وتوقّع ان يسعى المجتمع الدولي لاستنقاذ السلطة رغم إدراكه لصعوبة الأمر، ورأى أن ذلك ينبغي أن يكون مشروطا. وأكد على ضرورة تحقيق إصلاحات حقيقية وتغيير في نهج السلطة وهو ما لا يرى أنه سيتحقق في ظل استمرار محمود عباس في السلطة، بما يعطل فرص حدوث اختراق كبير في مسار المصالحة أو إعادة تعريف المشروع الوطني الفلسطيني.
وأضاف الرنتاوي أن “إسرائيل” لا مصلحة لها في تحقيق المصالحة الفلسطينية أو استنقاذ السلطة من مأزقها الحالي، كما أنها غير معنية بإزالة حماس من إدارة الأمور في قطاع غزة، ومصلحتها في تأبيد الوضع الموجود حالياً وفي إنشاء نظام روابط قرى.
ورأى أن دور مصر يتعزّز سياسياً وأنها تسترد ما لها من أدوار، مشيراً إلى أنه مهما وصلت درجة شهر العسل بين حماس ومصر فإن القلق المصري سيظل عميقاً. كما رأى أن قطر تتموضع بشكل جديد كمنصة للحوار ولتحقيق المصالحة. وأشار إلى أن هناك حالة سيولة بين المحاور الإقليمية حيث تتقارب مصر وقطر وتركيا والسعودية، وهذا وضع جيد للفلسطينيين ينبغي الاستفادة منه.
وأكد الرنتاوي الحاجة لإصلاحات في السلطة الفلسطينية، كما أن حركة فتح بحاجة لقيادة شابة تنهض بالحركة من واقعها الحالي، كما أكد الحاجة إلى مقاربة دولية جديدة تجاه حركة حماس، ورأى أن المطلوب من حماس إدارة الأمور بذكاء مع الأطراف الأخرى، وقال إن على المجتمع الدولي أن يضغط على الجانب الإسرائيلي إذا كان حريصاً على تحقيق الاستقرار في المنطقة.
عياصرة: حماس مطالبة بالمرونة وتوازن لاستثمار نتائج معركة سيف القدس
النائب والكاتب والمحلل السياسي عمر عياصرة رأى أن معركة سيف القدس تسببت بأزمة بين السلطة والشعب الفلسطيني، وأن قرار تأجيل الانتخابات فاقم من المأزق الذي تعيشه السلطة الفلسطينية وحركة فتح وأدى إلى فقدان السلطة سيطرتها على أدواتها في قضية مقتل الناشط نزار بنات، فيما تواصل الرهان على الوضع الاقليمي والدولي باعتبار أن صعود حركة حماس خيار مرفوض من قبل عدة اطراف عربية ودولية، مؤكداً أن السلطة تعيش بالفعل مأزقاً بنيوياً وأزمة قيادة تتعلق بمن يرث محمود عباس.
وأكد عياصرة تصاعد حالة القلق الامريكي والإسرائيلي على وضع السلطة الفلسطينية، مع إمكانية تدخل إقليمي لتفكيك الأزمة داخل حركة فتح وإعادة تأهيل السلطة الفلسطينية ومساعدتها، فيما اعتبر أن نجاح حركة حماس بالعمل بتوازن لاستثمار نتائج معركة القدس سياسياً سيحرج السلطة الفلسطينية ويزيد من تعقيد المشهد الدولي الذي يفضل السلطة الفلسطينية على حركة حماس التي يجب أن تكون أكثر مرونة تجاه المجتمع الدولي عبر خطوات سياسية.
وتوقّع عياصرة أن يكون الهدف من زيارة محمود عباس للأردن قبيل زيارة الملك عبدالله الثاني إلى الولايات المتحدة نقل رسالة من السلطة إلى إدارة بايدن. ورأى عياصرة أن المشهد الفلسطيني أمام فرصة تاريخية بعد معركة سيف القدس، وأن بإمكانه استنساخ النموذج اللبناني، حيث تشكل حماس قوة عسكرية في قطاع غزة، وتقود السلطة الفعل السياسي. ورجّح عياصرة أن تسعى الأطراف الدولية لاحتواء صعود حماس لحساب زيادة منسوب الدعم للسلطة.
كتّاب: دعم غير مسبوق للقضية الفلسطينية دولياً يتطلب استثمار هذا التحول
من جهته رأى الكاتب والمحلل السياسي داوود كتاب أن تراجع السلطة الفلسطينية عن خيار الانتخابات وما جرى من ممارسات في قضية الناشط نزار بنات وما بعدها أزعج حلفاء السلطة من الأوروبيين، حيث تم قمع المحتجين والإعلاميين وتمت إقالة مدير المكتبة الوطنية على خلفية انتقاداته لأداء السلطة في قضية نزار بنات.
وقال كتّاب إن محمود عباس بحاجة اليوم للولايات المتحدة لإنقاذه من الوضع الحالي، وإذا أعاد الأوروبيون النظر في تقديم المساعدات المالية للسلطة فستكون أمام وضع صعب. وأضاف أن هناك شجاعة أكبر اليوم لدي الناس للتحدي في التعبير الإعلامي والتظاهر ضد السلطة.
وأكد على ضرورة التفاهم بين السلطة وحركة حماس التي باتت تحظى بشرعية كبيرة لكنها ما تزال في منطقة الرفض الدولي، وذلك من أجل ستثمار نتائج معركة سيف القدس سياسياً. ودعا كتاب لإعادة النظر من قبل الجهات الرسمية الأردنية في الفيتو حركة على حركة حماس بما يسهم في تعزيز الدور الأردني فلسطينياً وإقليمياً.
ورأى كتاب أن القضية الفلسطينية باتت تحظى بدعم دولي غير مسبوق بما في ذلك داخل الولايات المتحدة، وهو ما يتطلب استثمار هذا التحول عبر خطوات سياسية تترجمه إلى أفعال وقرارات لصالح القضية الفلسطينية، معتبراً ان ما تقوم به السلطة من خطوات متخبطة يزيد من حالة التفاقم الشعبي الفلسطيني ضد السلطة الفلسطينية بدلاً من ان تعمد السلطة إلى تغيير سلوك الرئيس عباس والسعي لتوحيد الشعب الفلسطيني.
الطاهر: الاحتلال الإسرائيلي غير معني بمساعدة السلطة
فيما اعتبر الباحث والكاتب الصحفي معين الطاهر أن معركة سيف القدس نجحت في ربط غزة بملف القدس والاستيطان وإعادة توحيد الشعب الفلسطيني والأرض الفلسطينية رغم وجود الاحتلال، مع بروز الحديث عن عدة حلقات مركزية في مواجهة الاحتلال في ذات الوقت عبر المقاومة الشعبية إلى جانب المسار السياسي وتنمية القوة العسكرية ومواجهة مخططات الأسرلة للشعب الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة عام 48.
ورأى الطاهر أن ما تقوم به أجهزة الأمن في السلطة الفلسطينية من قمع يشكل محاولة لاستعادة هيبة السلطة لدى الشارع الفلسطيني بعد معركة سيف القدس، محذراً من أن هذا النهج القمعي ينذر بوقوع كارثة تهدد نسيج المجتمع الفلسطيني، ورجّح ان يساعد المجتمع الدولي السلطة الفلسطينية بحدود معينة بما يضمن عدم تفجر الأ مور في الأراضي الفلسطينية، فيما رأى أن الاحتلال الإسرائيلي غير معني بمساعدة السلطة الفلسطينية في ظل طروحات إسرائيلية تتحدث عن تقسيم الضفة إلى كانتونات تتحكم بها قوى أمنية فلسطينية موالية.
وقال إن أكبر خطأ ارتكبته حركة فتح تمثّل في نزول جزء من كوادرها وجمهورها لمواجهة جمهور المحتجين على مقتل الناشط نزار بنات، فيما حاول عدد من أسرى فتح السابقين ومن كوادرها عمل سلسلة بشرية لحماية المتظاهرين من قمع كوادر الحركة. وأكد الطاهر أن حركة فتح لا تستطيع أن تعيش على أمجاد الماضي.
وعبّر الطاهر عن تفاؤله بتطوير حالة المقاومة الشعبية ضد الاحتلال، وقال إنه لا يرى إمكانية لتحقيق المصالحة بين حماس والسلطة وأن هناك ضرورة للاتفاق على إدارة الانقسام بشكل معقول. وأضاف أنه ليس مطلوباً من حماس أن تقدّم تنازلات إضافية لمحمود عباس، وكذلك ليس مطلوباً منها أن توافق على حلّ الدولتين، لأن ذلك لن يغير من الواقع السياسي، مشيراً إلى أن اليمين الإسرائيلي يزداد قوة وتأثيراً في القرار الإسرائيلي.
وأشار إلى أن الدور العربي كان مؤثراً في تأسيس منظمة التحرير لكنه تراجع الآن وبات الدور الإسرائيلي والأمريكي أكثر تأثيراً، ولم تعد المنظمة تلتزم بقراراتها هي، ولا توجد هيئات قيادية، وبعض قيادات اليسار الفلسطيني تغطي على الأمر، ومن المهم لهذه الأطراف اليسارية أن تعيد النظر في ذلك.
ولفت الطاهر إلى متغيرات في الموقف المصري، حيث لم تعد مصر منكفئة على ذاتها، وبدأت تدرك أن لها مصلحة في بقاء حماس قوة مسلحة في غزة يمكن السماح لها بالتحرك في لحظة ما ومنعها في لحظة أخرى، وقد استفادت مصر خلال الفترة الأخيرة لصالح تعزيز دورها في الملف الفلسطيني وأصبحت محور الانتباه والحراك السياسي.وأكد الطاهر ضرورة إعادة بناء منظمة التحرير رغم ما يواجهه ذلك من صعاب، ووقف ما تمر به المنظمة من حالة تعطيل والعمل على رفع الغطاء عن الحالة السياسية الراهنة، الأمر الذي قد يتطلب الدعوة لمؤتمر فلسطيني تأسيسي جديد في حال استمرار الحالة القائمة، فيما دعا حركة حماس لبناء إدارة موحدة لقطاع غزة بالتوافق مع شخصيات سياسية ووطنية لإعطاء نموذج على المستوى السياسي لحالة من التوافق الفلسطيني، ورأى الطاهر أن النضال ضد العنصرية الإسرائيلية ونظام الأبارتايد قد يشكّل نقطة التقاء وتوافق فلسطيني.