يُحي الفلسطينيون اليوم؛ 8 كانون أول/ ديسمبر، الذكرى الـ 32 لاندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى “انتفاضة الحجارة”، والتي اندلعت عام 1987 واستمرت 7 سنوات قبل قدوم السلطة إلى قطاع غزة والضفة الغربية عام 1994.
وتعتبر “انتفاضة الحجارة” أكبر هبة جماهيرية يخوضها الشعب الفلسطيني بعد احتلال العصابات الصهيونية لبقية الأراضي الفلسطينية في الـ 5 من حزيران/ يونيو 1967.
وقد استشهد في الانتفاضة قرابة الـ 1300 مواطن وأصيب 90 ألفًا.
واندلعت شرارة انتفاضة الحجارة بعد تشييع الفلسطينيين في ذلك اليوم، 4 عمال من بلدة جباليا شمالي قطاع غزة، قضوا جراء حادث سير “متعمد” وقع بين سيارتهم ومقطورة صهيونية خلال عودتهم من العمل داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.
وعمّت المظاهرات بلدة جباليا ومخيمها، تخللها رشق الآلاف من الشبان جنود الاحتلال بالحجارة والزجاجات الفارغة والحارقة.
وامتدت إلى كل شارع وزقاق في المخيم حيث جابههم جنود الاحتلال بالرصاص الحي واستشهد جراء ذلك الشاب حاتم السيسي (21 عامًا)؛ أول شهيد في هذه الانتفاضة.
وقد اعتقد الاحتلال أن هذه المواجهات عبارة عن ردّ عابر على جريمة حادث المقطورة، وأن الأمور ستهدأ في اليوم التالي، إلا أنها اشتعلت من جديد وتصاعدت حتى امتدت إلى بقية مخيمات القطاع وأحياء مدينة غزة ومن ثم الضفة الغربية.
ودخلت كلمة “انتفاضة” في القاموس العربي وقواميس اللغات الأخرى من حيث ترجمتها لتأخذ والأحداث ضجة إعلامية كبيرة، لا سيما في الإعلام الغربي رغم محاولة الاحتلال التعتيم عليها.
الطابع الشعبي
أخذت الانتفاضة الطابع الشعبي ووحدة الموقف والتعاضد الاجتماعي والتكافل الأسري وشمولية المواجهة واتساع ساحة الاشتباك المباشر مع الاحتلال في كافة مدن وقرى فلسطين.
وشارك فيها كافة الشرائح المجتمعية والفئات العمرية، فضلًا عن أن سلاحها كان في متناول الجميع (الحجر والمقلاع)، وفي بعض الأحيان السكين والزجاجات الحارقة، قبل أن يتطور لاحقًا إلى السلاح.
ومع استمرار المظاهرات والمواجهات اليومية مع قوات الاحتلال دون توقف، بدأ شبان الانتفاضة يكتسبون ثقة أكبر لاستمرارها، وجعلها منهج حياة من خلال الدعوة للمواجهات والإضرابات التي كانت تعم كافة أرجاء الضفة الغربية وقطاع غزة، ليشكلوا لجان شعبية لقيادتها.
في المقابل، فإن سلطات الاحتلال شعرت باليأس والإحباط في إخماد جذوة الانتفاضة، لا سيما في ظل نقل الإعلام الغربي لهذه المظاهرات.
سياسة تكسير العظام
وقد تعاقبت على هذه الانتفاضة عدة حكومات لليسار واليمين وكذلك لكلا الجهتين معًا في “حكومة الوحدة” برئاسة اسحق شامير، واسحق رابين الذي كان وزيرًا للجيش آنذاك وقرر استخدام سياسة “تكسير العظام” بحق الفلسطينيين.
واستخدمت قوات الاحتلال شتى الوسائل لقمع الانتفاضة وإخمادها دون جدوى وارتكبت سلسلة مجازر بحق الفلسطينيين كان أبرزها: مجزرة الحرم القدسي الشريف؛ 8 تشرين أول/ أكتوبر 1990 وأدت لاستشهاد 21 فلسطينيًا.
وكذلك مجزرة الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل؛ 20 شباط/ فبراير 1994 والتي راح ضحيتها 34 شهيدًا قضوا خلال صلاة الفجر.
كما نفذت قوات الاحتلال عدة مجازر في “نحالين” ومخيم “النصيرات” وحي “الشيخ رضوان” و”الصبرة” و”الدرج” بمدينة غزة، وخانيونس.
وشرعت قوات الاحتلال فور اندلاع الانتفاضة بتنفيذ حملة اعتقالات كبيرة طالت الآلاف من الفلسطينيين وافتتحت العديد من السجون والمعتقلات لاستيعاب المعتقلين الجدد.
ومن بين تلك السجون: “أنصار 1″، غرب مدينة غزة، و”النقب الصحراوي” (أنصار 2)، وكذلك سجن “عوفر” و”مجدو” في الضفة الغربية.
وحولت معظم المعتقلين إلى الاعتقال الإداري (بدون محاكمة)، حيث قدر عدد المعتقلين خلال الانتفاضة بنحو 200 ألف حالة اعتقال، قضى منهم 42 معتقلا شهيدا بسبب التعذيب والإهمال الطبي والقتل المباشر بالرصاص.
ولم تؤثر هذه الاعتقالات على مسيرة الانتفاضة وديمومتها أو على حجم المشاركة فيها، ولم تُثنِ الفلسطينيين عن مواصلة مقاومتهم المشروعة للاحتلال من أجل استرداد حقوقهم ونيل حريتهم.
واستخدمت إسرائيل كذلك سياسة “تكسير العظام” الأمر الذي أثار المجتمع الدولي ضدها بعد نشر صور لجنودها وهم يعتدون على شبان فلسطينيين بشراسة ويعمدون تكسير أيديهم وأرجلهم، لا سيما في نابلس.
العمل المسلح
حاولت الفصائل الفلسطينية تطوير الانتفاضة لمواجهة العنف الإسرائيلي، من خلال استخدام السلاح الأبيض والرصاص والمتفجرات.
وكانت أول عملية كبرى هي قتل 3 جنود إسرائيليين طعنًا على أيدي أبناء عائلة الكردي في حي الصبرة بمدينة غزة، والتي استشهد منها ثلاثة أشقاء.
وظهرت خلال هذه الانتفاضة الأذرع العسكرية للفصائل الفلسطينية بمسمياتها الجديدة ونفذت سلسلة عمليات فدائية من خلال إطلاق الرصاص والكمائن، وكذلك عمليات التفجير والتي أسفرت عن مقتل العشرات من جنود الاحتلال.
اتفاق أوسلو
وحينما أدركت سلطات الاحتلال أن استخدام القوة لن يجدِ نفعاً في إيقاف الانتفاضة، لجأت إلى “الحل السلمي” ففتحت خط مفاوضات مباشرة مع منظمة التحرير، مما تسبب في انقسام في المجتمع الفلسطيني.
أسفرت المفاوضات عن توقيع اتفاق “أوسلو” بين منظمة التحرير والحكومة الصهيونية يوم 13 أيلول/ سبتمبر 1993؛ والذي ينص على تأسيس السلطة الفلسطينية، التي تم تشكيلها بعد 6 أشهر، وبسط نفوذها في قطاع غزة ومدينة أريحا وإدخال قوات الأمن الوطني الفلسطيني وتشكيل الأجهزة الأمنية وخروج قوات الاحتلال من داخل المدن وانتشارها على الحدود، وبقاءها في المستوطنات، وتخمد بذلك الهبة الجماهيرية الكبيرة.