على ما يبدو، لن تختلف نتائج جلسات الحوار الوطني الفلسطيني في أسطنبول، بيروت، ورام الله، عن عشرات الجولات التي سبقتها في القاهرة، غزة، الدوحة، موسكو وغيرها، لأن رئيس السلطة محمود عباس غير معني بأن تنتهي الحوارات إلى برنامج عمل وطني حقيقي يمكن الاستناد إليه في مواجهة كل من الاحتلال الصهيوني وتداعيات إشهار التحالف بينه ونظم الحكم العربية؛ لأن عباس ببساطة غير مستعد لدفع ثمن جراء تبني هذا البرنامج.
ومما يسهل الحكم على هذه الحوارات بالفشل حقيقة أنها انتهت إلى الدعوة إلى إجراء انتخابات عامة في الضفة الغربية وقطاع غزة، بدل الشروع فورا في تطبيق الاتفاق النظري بين الفرقاء في الساحة الفلسطينية على تفعيل المقاومة الشعبية ضد الاحتلال؛ على اعتبار أن تبني هذه المقاومة كآلية عمل وطني تستدعي اتخاذ مواقف وتبني سياسات، ليست من طابع المواقف والسياسات التي يمكن لعباس أن يتحمل مسؤوليتها.
فإلى جانب أن فرص تنظيم الانتخابات في ظل الأوضاع الحالية وفي ظل سيطرة الكيان الصهيوني المطلقة في الضفة الغربية تؤول إلى الصفر، فإنها حتى لو أجريت فستسهم فقط في تفاقم حالة الانقسام.
من يطرحون خيار المفاوضات الذي يعني تكرس نهج المغالبة في الساحة الداخلية في الوقت الذي تتعرض فيه القضية الوطنية لكل هذه المؤامرات يعنيهم فقط شراء الوقت، على أمل أن تسفر الانتخابات الأمريكية عن فوز المرشح الديموقراطي جون بايدن، الذي يتوهمون أنه سيغير القرارات التي اتخذها ترامب بشأن الصراع.
الانتخابات لن تسهم فقط في تفاقم الانقسام الفلسطيني، بل إنها ستوفر مسوغات لفرض مزيد من الحصار على غزة والضفة معا؛ حيث إن أحدا ليس بوسعه أن يضمن ألا تسفر هذه الانتخابات عن فوز لحركة حماس مجددا؛ وهي النتيجة التي لن تقبلها إسرائيل والولايات المتحدة ونظم الحكم العربية والعالم بأسره.
عباس يعي تماما أنه لو تم فقط تطبيق البند المتعلق بإستراتيجية المقاومة الشعبية كخيار للمواجهة، فإن تحولا هائلاً إيجابيا سيطرأ على مكانة القضية الفلسطينية وسيمثل ضربة قوية لمسار التطبيع الذي تسلكه نظم الحكم العربية.
خوض غمار المقاومة الشعبية عبر قيادة وطنية موحدة للفلسطينيين بمختلف توجهاتهم الايدلوجية والسياسية سيضمن توحيد الشعب الفلسطيني وطاقاته حول خيار يصعب على الصهاينة ونظم الحكم العربية والمجتمع الدولي شيطنته، وسيمثل تحديا مباشرا أمام الكيان الصهيوني وسيعيق مخططاته لفرض الوقائع على الأرض.
تبني وتفعيل المقاومة الشعبية سيعزز من دافعية الجماهير العربية التي ترفض التطبيع على إسناد هذه المقاومة بشكل يحرج بشكل كبير نظم الحكم التي أشهرت تحالفها مع الصهاينة، وسيجبرها على تقليص مظاهر التطبيع أو على الأقل جعلها سرية، فضلا عن أن مناشط هذه المقاومة ستقلص من قدرة المزيد من أنظمة الحكم العربية للانضمام إلى مسار التطبيع.
ليس هذا فحسب، بل إن وجود قيادة فلسطينية موحدة تقود المقاومة الشعبية سيكرس واقعا يجبر جميع الأطراف الإقليمية والدولية على التعاطي مع هذه القيادة، ولا سيما أن حالة الاضطراب الدولي والإقليمي وسيقلص من قدرة إسرائيل ونظم الحكم العربية والولايات المتحدة على إحباط تشكيل هذه القيادة.
وغني عن القول أن هذا المسار سيسدل الستار، مرة وللأبد، على أية محاولة لتنصيب “قيادات” مستوردة على الشعب الفلسطيني، ولا سيما من تلك “القيادات” المحسوبة على الفلسطينيين وترتبط بالأنظمة التي أشهرت تحالفها مع الاحتلال