عقد منتدى السبيل الإعلامي ندوة حول آفاق المصالح الخليجية الأخيرة وانعكاساتها على الأردن والمنطقة، شارك فيها كل من السياسي والاقتصادي المخضرم الدكتور الوزير جواد العناني، والخبير الاستراتيجي اللواء المتقاعد محمد فرغل، والمدير العام السابق لمركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية الدكتور موسى اشتيوي، والنائب في البرلمان الأردني عمر عياصرة، وأدارها الكاتب والمحلل السياسي عاطف الجولاني، وفيما يلي تفاصيل الندوة:
عاطف الجولاني:
كما أن القطيعة بين الدول الخليجية حصلت بصورة مفاجئة وسريعة، كذلك كان قرار الخروج من حالة القطيعة مفاجئا وسريعاً أيضاً وربما دون مقدمات كثيرة، ما يطرح التساؤلات حول مستقبل هذه المصالحة، وهل هي مجرد عملية فض اشتباك، أم أنها ستعيد الأمور إلى مجاريها، وتمهد الأجواء لوضع عربي أفضل خلال الفترة القادمة. ما هي الآفاق المستقبلية لهذه المصالحة، وكيف ستؤثر علينا في الأردن وكيف ستنعكس على المنطقة واستقرارها وعلى العلاقات والتحالفات والاصطفافات الإقليمية؟ هذا ما تناقشه هذه الندوة وهذه النخبة المميزة من الخبراء والمحللين الاستراتيجيين والسياسيين والاقتصاديين.
محمد فرغل: أبدأ بالقول إننا نأمل أن تكون المصالحة الخليجية ليست فقط بداية لمصالحة خليجية حقيقية وخطوة نحو تحقيق أهداف مجلس التعاون الخليجي في الوحدة المستقبلية، ولكن أيضا خطوة باتجاه تطوير مشروع عربي يوازن المشاريع الإقليمية الثلاثة الموجودة في المنطقة؛ الإسرائيلي والإيراني والتركي.
وبالتأكيد نحن كنا نتمنى أن لا تحدث الأزمة أصلا، ولكن طالما أنها حدثت وتبعتها المصالحة؛ فكلنا أمل وتفاؤل أن تفضي إلى أمور إيجابية تنعكس على مجلس التعاون الخليجي أولا ثم على المنطقة والدول العربية بشكل خاص، والتي تعاني من أوضاع متردية.
لا بد من العودة إلى بدايات الأزمة، حيث اندلعت الأزمة الأولى بين قطر وجاراتها الخليجية عام 2014 حينما اتهمت السعودية والإمارات والبحرين قطر بدعم حركات المعارضة على أراضيهما، وتمويل جماعة الإخوان المسلمين وتعزيز قوتها، وسحبت الدول الثلاث سفراءها، ولكن بحمد لله خلال أسابيع عادت الأمور إلى مجاريها بعد موافقة قطر على تغيير سياساتها بحسب تقارير غير مؤكدة.
أما في حزيران 2017 فقد قطعت الدول الثلاث ومصر علاقاتها مع قطر، وفرضت حصارا بريا وبحريا وجويا، وطالبت قطر بـ13 مطلبا محددا.
بتقديري؛ فإن النزاع داخل منطقة الخليج تبلور إلى أشبه ما يسمى بالحرب الباردة، لكن هذا النزاع انعكس على ملفات إقليمية، من خلال دعم دول الخليج لجيوش وحركات وفصائل في الدول العربية التي تعاني من نزاعات داخلية، واختلفت دول الخليج في دعمها لهذه الفصائل.
ونلاحظ أن المطالب الثلاثة عشر كانت تهدف إلى تعديل السياسة القطرية لتصبح متوافقة مع أجندات الدول الثلاث بشكل رئيس، وخاصة بما يتعلق بدعم الإخوان المسلمين والتحالف مع تركيا، وهذا الموضوعان خاصان بالإمارات ومصر. وعلاقة قطر مع إيران، وهذا مطلب جميع الدول والسعودية بشكل رئيسي. ودعم المعارضة الداخلية، وهذا الموضوع خاص بشكل محدد بالبحرين. وهذا يعني أن بيت القصيد هو السياسة الخارجية القطرية ومقارباتها من الملفات الإقليمية الساخنة، وآنذاك ردت قطر على المطالبات باتهام دول الحصار بالتعدي على سيادتها وعرقلة سعيها لسياسة خارجية مستقلة، ولم يعزل الحصار قطر بشكل كامل ولكنه كلفها اقتصاديا.
نأتي الآن إلى إعلان قمة العلا حول المصالحة في 5 كانون الثاني 2020، فمن الملفت أن الإعلان أكد على التزام دول الخليج العربي بتحقيق الأهداف الرئيسية للتحالف كما وردت في الميثاق الأصلي، وفي التنسيق السياسي الوثيق والتكامل الاقتصادي بهدف تشكيل اتحاد على المدى البعيد، ولكنه لم يتطرق إلى سياسة قطر الخارجية، وهي أكبر أسباب الخلاف، وهذه نقطة جديرة بالبحث.
كما صرح مسؤولون قطريون وإماراتيون أن هذه القضية لا تزال محل خلاف، فبعد إعلان العلا بفترة بسيطة جدا أعلنت الإمارات على لسان وزير خارجيتها أنور قرقاش، أن الإمارات ستستأنف الرحلات الجوية والشحن التجاري إلى قطر خلال أسبوع، لكنها لن تعيد العلاقات الدبلوماسية بسبب علاقات قطر مع إيران وتركيا والجماعات الإسلامية، حيث قال إن بعض المشكلات يسهل علاجها، والبعض الآخر سيستغرق وقتا أطول، وكان وزير خارجية قطر محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، قد صرح قبل قرقاش بيوم أن العلاقات الثنائية مدفوعة بشكل رئيسي بقرار سيادي للبلاد والمصلحة الوطنية، وإن الاتفاق لن يغير علاقات قطر مع إيران وتركيا.
وهنا يبرز سؤال مشروع؛ وهو هل تحتاج قطر والإمارات إلى اتفاق أو بروتوكول ثنائي إضافي للتفاهم على هذه الملفات؟ أعتقد أنه لا بد من الاتفاق حول قضايا السياسة الخارجية المتمركزة في جوهر النزاع الخليجي لتقوية إعلان العلا كأداء لتحالف أكثر ديمومة.
ولكي لا نقلل من شأن المصالحة؛ أقول إنه قد يكون انتهاء الأزمة – بوقف قطر الإجراءات القانونية ضد جيرانها، وإنهاء إغلاق الطرق الجوية والبرية والبحرية، ووقف الحملات الإعلامية – حدثا بارزا، وأنا أتابع التحليلات الغربية حيث يعتقد كثير من المحللين في الغرب أن هذا الحدث يرتقي بأهميته لاتفاقات التطبيع بين “إسرائيل” والإمارات والبحرين.
ولكن السؤال الجوهري هنا أيضا؛ هو هل ستفضي هذه المصالحة إلى رأب الصدع بشكل حقيقي؟ وهل ستسفر عن وحدة خليجية، أو تسهل حل مشكلة إيران النووية؟ وهل هناك تدخلات خارجية – ربما أمريكية – كان لها يد كبيرة في تحقيق المصالحة، وخصوصا أن مواجهة إيران لها أولوية في الأجندة الأمريكية بغض النظر عن الإدارات المتعاقبة؟
ولا بد هنا من التنويه إلى الدور الأمريكي في الأزمة، حينما حصلت الأزمة؛ لاحظنا كيف كانت أمريكا تلعب على الحبلين، فالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وبعد القمة العربية بالرياض في أيار 2017، غرد على حسابه في “تويتر” قائلا إن قطر تدعم الإرهاب، ثم تم اختراق وكالة الأنباء القطرية بإظهار رسائل وهمية مؤيدة لإيران؛ نتج عنها قطع السعودية والإمارات والبحرين للعلاقات مع قطر، ومن ثم فرض الحصار. ويقال أيضا في هذا السياق أن الولايات المتحدة رفضت فكرة غزو بري لقطر.
ولا بد أيضا من الإشارة إلى أن سلطان عُمان وملك البحرين والرئيس المصري لم يحضروا قمة المصالحة واكتفوا بإرسال مندوبين لهم، فهل لهذا دلالات لما بعد المصالحة أم لا؟
ولا بد أيضا من إلقاء نظرة عميقة على العلاقات السعودية الإماراتية، وهما العضوان البارزان في مجلس التعاون الخليجي، لفهم وتوقع مستقبل المجلس، حيث إن ثمة شراكة وحلف بين البلدين في اليمن، وشراكة في حصار قطر ثم المصالحة، وشراكة في النظرة لإيران كعدو مشترك، وعلاقات قوية مع إدارة ترامب، ونظرة متقاربة للتطبيع مع “إسرائيل”، ونظرة مشتركة للتهديد التركي وخاصة في التحالف مع قطر ودعم الإخوان المسلمين. ونستطيع أن نقول إن هناك تلاقيا في السياسات الخارجية والأمنية والدفاعية، مع وجود بعض التباينات الواضحة، وربما نحتاج لمناقشة بعض هذه التباينات، ومنها الاختلاف في الأجندات باليمن، ومن الواضح أن الإمارات كان لها اهتمام خاص بالجنوب اليمني والسيطرة على موانئه، ودعم ما يسمى بحركة الانفصال أو المجلس الانتقالي الجنوبي. وهناك نقطة ملفتة للانتباه لا بد من الحديث عنها؛ وهي أن الإمارات أعلنت انتهاء الحرب في اليمن بالنسبة لها بدون التشاور مع المملكة العربية السعودية، التي بدورها تحاول أن تحافظ بقدر الإمكان على التحالف في اليمن، حتى لا تبرز نقاط الخلاف وينتج عنها خلاف عام.
وهناك تباين بين النظرتين السعودية والإماراتية لكيفية التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين، فالسعودية احتضنتهم بالرغم من تصاعد العداء خلال السنوات الأخيرة، فعلى سبيل المثال نائب الرئيس اليمني السيد علي محسن الأحمر موجود في الرياض، وهو محسوب على حزب الإصلاح اليمني، وهذا يشير إلى أن ثمة حكمة في تعامل السعودية مع الإخوان، بحيث يمكن أن تستخدمهم كورقة في الصراع باليمن، بدلا من معاداتهم بشكل كلي.
وهناك أيضا خلافات بين البلدين في مجال النفط لا نود أن ندخل في تفاصيلها.. ولكن السؤال الأهم من خلال بعض الحساسيات الموجودة وتباين وجهات النظر بين الإمارات والسعودية على الملفات الإقليمية؛ هو هل هناك منافسة على زعامة مجلس التعاون الخليجي؟ وكما نعلم أن السعودية هي الشقيقة الكبرى، وهي تنفرد بزعامة مجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه.
بالنسبة لتقييمات التهديد؛ حين ننظر إلى دول الخليج فإننا نرى واقعا لا يمكن إنكاره؛ وهو أن قطر تفضل التحالف مع تركيا لحماية أمنها على التحالف مع جاراتها الشقيقات، وعُمان والكويت يسعيان لإيجاد توازن في السياسة الخارجية للمحافظة على أمن كل منهما، أما الإمارات فإن اتفاق التطبيع بين الإمارات و”إسرائيل” ربما يؤشر إلى أن هذا التطبيع يمثل خيارا استراتيجيا للإمارات بهدف حماية أمنها ومواجهة التمددين التركي والإيراني.
أما بالنسبة لملف الإخوان المسلمين؛ فأتوقع أن يبقى هذا الملف حجر عثرة في طريق المصالحة، بسبب الموقفين المتشددين لمصر والإمارات تجاه الجماعة، وهذا قد يعيق انضمامهما الكامل للمصالحة.
نتمنى أن تفضي المصالحة وقمة العلا إلى تقارب وتعاون وتنسيق جوهري وحقيقي بين دول مجلس التعاون الخليجي، بحيث ينعكس ذلك على علاقاتها الداخلية والإقليمية، فهناك تحديات كبيرة جدا، وهناك وضع مترد ودول عربية تعاني من نزاعات داخلية، وليس سرا أن دول الخليج دعمت أطرافا مختلفة في هذه النزاعات، ونتمنى أن تؤدي المصالحة إلى توافقات واتفاقات على كيفية التعاون على حل هذه الملفات، وفي النهاية أن نتمكن من تطوير مشروع عربي يوازن ويوازي المشاريع الإقليمية الموجودة، لأننا في أمس الحاجة إلى هذا المشروع، وتحديدا في مواجهة ما يسمى بصفقة القرن التي نتمنى أن تشطب ولو جزئيا من السياسية الخارجية الأمريكية، وأن تبقى قضية فلسطين القضية المركزية من منظورين عربي وغربي.
جواد العناني: قبل انفجار الأزمة الخليجية ومقاطعة قطر؛ كان مجلس التعاون الخليجي يعاني في بنيته من وجود مشكلات باستمرار، وهذه المشكلات تسبق عام 2014 بكثير، حيث كانت هناك خلافات قطرية بحرينية تدخلت في حلها السعودية حول جزيرتي فشت الدبل وحوار في الخليج العربي، وحينما لجأ البلدان إلى المحكمة الدولية اتخذ قرار بأن يأخذ كل بلد جزيرة. وكذلك حينما وقعت خلافات حول ما يسمى باتحاد العملة، وما إذا ستكون هذه العملة ريالا أم درهما أم دينارا، الأمر الذي عرقل حصول هذا الاتحاد. وكان هناك خلافات أيضا حول الموقف العُماني تجاه إيران، ودولة الكويت أخذت موقف الحياد، خاصة بعدما انتهت الحرب العراقية الإيرانية واحتُلت الكويت من قبل العراق، حيث وجدت الكويت نفسها بين فكي كماشة من الجانب الإيراني وجانب البصرة العراقية، ما ألجأها إلى أن يكون لها موقف مختلف كلية.
أما بالنسبة للأزمة الأخيرة؛ فقد كانت أشبه ما تكون بالفحص الحامضي لدول مجلس التعاون الخليجي؛ لأنها أدت فورا إلى تشظية الموقف داخل المجلس، بمعنى أننا رأينا أن عُمان والكويت اتخذتا موقفا محايدا إلى حد ما، وحين أراد الملك عبدالله الثاني بصفته رئيس القمة العربية في 2018 أن يبدأ عملية وساطة لإصلاح ذات البين؛ أخذت الكويت دور الوسيط بصفتها رئيسة قمة التعاون الخليجي، فجنبت نفسها بهذه الوساطة حرج أن تكون مع هذا الجانب أو ذاك.
أما من الناحية الاقتصادية؛ فقد كان موقفي منذ البداية أن هذه المقاطعة الاقتصادية ستكون فاشلة، فما لم تحتل أنت دولة قطر عسكريا؛ فلن ينجح الحصار من الناحية الاقتصادية، فقطر لديها دخل يتراوح بين 160 و180 مليار دولار في السنة، تنفق منها بحدود 80 أو 90 مليار دولار، فلو كلفها الحصار 10 أو 15 مليار دولار فإن ذلك لن يؤثر عليها.
وأود التركيز على موضوع قناة الجزيرة وأثره في الخلافات الخليجية، حيث كتب توماس فريدمان كتابا بعنوان “الجمع بين المعاصرة والحداثة” يقول فيه إن دولة قطر في عالم العولمة استطاعت أن تصبح “قوة دولية عظمى” عن طريق قناة الجزيرة، لأن وصول الجزيرة إلى ملايين البشر جعل لها قوة أكبر من حجمها، بحيث أصبحت مصدر معلومات لوكالات الأنباء العالمية حول ما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، ومع أن هذه الأداة جعلت قطر قوية؛ إلا أنها احتاطت فأسست مركز دراسات يرأسه الدكتور عزمي بشارة، والآن يعملون على تأسيس مركز آخر.
هذا التنوع لدى قطر فيه نوع من الذكاء، بحيث لو فقد جانب بريقه فإن الجانب الآخر يبقيني في الصورة، بالإضافة إلى أن ذلك يبقي علاقاتهم متصلة مع الجميع، ولذلك لم تلجأ قطر إلى ردة الفعل، لا قطعت علاقاتها ولا عملت أي شيء في المقابل.
وهنا نتساءل: ما هي الأسباب التي دفعت تلك الدول إلى مقاطعة قطر؟ هل كانت الإدارة الجديدة في المملكة العربية السعودية تسعى لتأكيد هيمنتها وثبت لها بعد ذلك أنها لم تستطع؟ صحيح أن السعودية هي الدولة الشقيقة الكبرى لبقية دول الخليج والأكثر تأثيرا، ولكن مع ذلك كانت تواجه تحديات داخل مجلس التعاون الخليجي.
إنه بعد الحروب التي وقعت في المنطقة، وتراجع أسعار النفط، والحملات التي جرت داخل أمريكا وبخاصة من اليساريين والديمقراطيين وغيرهم، لا بد أن تحصل مراجعة وخصوصا بعد الانتخابات الأمريكية. والآن إذا ثبت وتعلمنا من التجربة أن سياسة التحدي والمقاطعة ليست ذات جدوى، فإنه لن يبقى أمامنا سوى سياسة الدبلوماسية والحديث والحوار. ولذلك أنا آمل أن يُستوعب هذا الدرس، ويصبح الحوار أمرا واقعا.
أما نحن في الأردن؛ فأي سلوك خليجي يؤثر علينا؛ لأن 70 بالمئة من دخلنا بالعملات الأجنبية ومن دول الخليج، سواء صادرات أو حوالات من الأردنيين المقيمين في الخارج أو خدمات أخرى، لذلك فإن اعتماد الأردن كبير على دول الخليج. ولذلك حين كان يسألنا أهل الخليج وبخاصة في دولة قطر: لماذا لا يزورنا الملك عبدالله الثاني بينما يزور دولة البحرين، وأيهما أكثر فائدة لكم؛ البحرين أم قطر؟ فكنا نقول لهم: قطر أهم من حيث الحجم الاقتصادي، لكنك في مأمن من أن تتخذ قطر إجراءً بإنهاء عقود العمالة الأردنية فيها، والأردن لا يريد أن يكون له نزاع من أي طرف من الأطراف، فهو بحاجة للكل.
وأعتقد أن الإدارة الأردنية لعبت الدور بتوازن مع الطرفين، بل ربما أغضبت قطر أكثر من غيرها، ولكن لدى الأردن عتب على قطر بأنها لم تسدد مبالغ مستحقة عليها في المنحة الخليجية.
لم يكن من المعقول أن تقبل قطر بالشروط الثلاثة عشر، لأنها تشكل تهديدا وجوديا لها، وباعتقادي فإن الحل العاقل كان متمثلا في تحسين العلاقات أولا، ثم الذهاب إلى التفاوض بحسن نوايا، وهذا سيأخذ وقتا لأن كلفة ما جرى سيؤدي إلى الحذر، وهذا ما يعني أننا سنحتاج إلى مزيد من الوقت، لكن هذا لا يمنع أن تخفف قناة الجزيرة من انتقاداتها لدول الحصار، أما المطالبة بإغلاقها فهو غير مقبول بالنسبة لقطر.
وتتطلب الظروف الحالية التي يعيشها الإقليم من الجميع أن يجدوا مخرجا دبلوماسيا، ولكن ما مدى استجابة دول الخليج لذلك؟ الذي أرشحه أن علاقة السعودية وقطر ستكون هي الأقوى، ثم مصر التي تقول إن أولويتها الآن تتعلق بمياه النيل وسد النهضة، وإذا كان الأمر كذلك فهذا يتطلب التعامل مع تركيا الموجودة عسكريا حاليا في ليبيا، وخصوصا إذا علمنا أن السياسة المصرية الآن لا تبحث بشكل قوي عن نفوذ داخل المنطقة كما كانت تفعل سابقا، وإنما تبحث عمن يساعدها في مشاكلها الداخلية، ولذلك فمن المتوقع أن تحسن مصر علاقتها مع قطر، وخصوصا أن هذه الأخيرة لم تتخذ أي إجراء سلبي تجاه العمالة المصرية المتواجدة على أراضيها.
أما بالنسبة للإمارات؛ فستبقى الأمور على ما هي عليه؛ لأنه في أثناء الحملات الدعائية بينها وبين قطر وصلت الأمور إلى الشخصنة، ما نتج عنه ما يمكن وصفه بنوع من المرارة من خلال تناول بعض الشخصيات العامة التي تُحدث عنها بشكل سلبي جدا. ومن هنا لا ندري كيف سيخرجون من هذه القضية.
الخلاصة أن الظروف الإقليمية والدولية والخاصة بكل دولة؛ تتطلب من دول الخليج أن توثق علاقاتها. وأما الأردن فقد خرج من محنة كبيرة تمثلت في أن يختار بين هذا وذاك، وأصبح بإمكانه التركيز أكثر على مفهوم القضية الفلسطينية، وبات هناك لغة يستطيع من خلالها أن يتحدث مع بعض الدول التي طبعت مع “إسرائيل” في إطار التفاوض المتوقع حدوثه في المستقبل. والأردن يختلف عن باقي دول الخليج في قضية أساسية؛ أنه مرتبط في عدة قضايا استراتيجية أساسية في أي تفاوض فلسطيني إسرائيلي يمكن أن يحصل في المستقبل، أهمها قضايا اللاجئين والقدس والحدود والأمن والمياه والتجارة والتعاون الاقتصادي.
موسى اشتيوي: من المهم جدا أن نعود إلى جذور الخلاف حتى نعرف الآفاق المستقبلية، وهي ترجع إلى ثلاثة أسباب رئيسية؛ الأول: تباين المصالح الاقتصادية والسياسية بين دول الخليج في مرحلة معينة. والثاني: ثورات الربيع العربي، الذي كان أشبه بزلزال أصاب العالم العربي، ودخل البعد الإقليمي والدولي بقوة على هذه الثورات، وأصبح لدينا ليس فقط تباين، وإنما تمترس وخلافات رئيسية بين مشروعين أو أكثر، فهناك المحور القطري التركي، والمحور الإماراتي السعودي. وهذا الخلاف كان جوهريا واستراتيجيا، ولم يكن على مصالح آنية، وعندما أمعن كل طرف في سياساته أصبح هناك خلافات حقيقية بين هذه الدول.
ولا أريد أن أهمل الجانب الإقليمي، حيث إن الإطار العربي العام المتمثل بالجامعة العربية تراجع أثناء ثورات الربيع العربي إلى درجة كبيرة جدا، وعندما خرجت العراق وسوريا ومصر من المعادلة؛ وجدت السعودية نفسها كدولة كبيرة في مواجهة الأزمات الإقليمية، وخصوصا ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني والتدخلات الإيرانية في مناطق النفوذ الخليجية، كلبنان والعراق واليمن، بالإضافة إلى المحور التركي. وكل هذه العناصر كان لها أوزان مختلفة في الخلاف الخليجي، لكن لا نستطيع أن نستثنيها من دوافع المصالحة.
وفي نفس الوقت؛ هناك حاجة دولية للمصالحة الخليجية، فسياسة ترامب السابقة كانت تلعب على هذه الانقسامات وتغذيها، وتبنت الموقف الإسرائيلي فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، وقد تكون الولايات المتحدة الأمريكية قد أخطأت في عدم إشراك دول الخليج في المفاوضات التي أدت إلى الاتفاق النووي الإيراني.
أهمية ما حصل أن قطار المصالحة الخليجية انطلق، والمصالحة الأعمق هي بين السعودية وقطر، فهناك تباينات في الخلاف بين قطر والدول الأخرى، وحل هذه الخلافات سوف يحتاج إلى وقت، وقد لا تُحل، لكن على الأقل تم التخلص من حالة العداء، والتقدم الذي سيُحرز في هذا الإطار سيكون متروكا لكل دولة على حدة بحسب مصالحها.
ونلاحظ أيضاً أن مصر أصبحت مشغولة في قضاياها الداخلية، وليس ذلك فقط، وإنما هي بدأت حوارا مع تركيا، والسعودية أيضاً توجهت إلى تركيا، والملك سلمان هاتف أردوغان وجرى بينهما حديث حول هذا الموضوع، وهناك أيضاً حوارات برعاية روسية بين السعودية وإيران، وبالتالي نحن أمام بيئة سياسية جديدة توجد حلولا للملفات العالقة، وخاصة بعد قدوم جو بايدن الذي يسعى إلى فتح الملف النووي الإيراني مجددا، ولن تكون هذه العودة دون التطرق لتخصيب اليورانيوم والصواريخ الباليستية والدور الإقليمي لإيران، وأتمنى أن يكون هناك إشراك للدول العربية في وضع حلول لهذا الملف.
وأشير هنا إلى أن الولايات المتحدة تعتبر أن عدوها الرئيسي هو الصين، وهي لا تستطيع أن تنتقل لمواجهة الصين اقتصاديا أو سياسيا أو حتى عسكريا؛ من دون التخلص من الملفات الإقليمية، وخاصة ما يتعلق منها بالشرق الأوسط.ِ
أما بالنسبة للموقف الأردني من الأزمة الخليجية؛ فكان موقفا حكيما ومتوازنا، وهو منطلق من مبدئين أساسيين؛ الأول: المصلحة الوطنية الأردنية العليا، فقد كان من الممكن أن تتضرر هذه المصلحة ليس اقتصاديا فقط، وإنما سياسيا أيضا. والثاني: أن من مبادئ الأردن التاريخية أنه لا يحبذ الانقسامات ولا يقبل التورط في نزاعات داخلية كما يحصل في اليمن وغيرها. صحيح أن الأردن عانى اقتصاديا وسياسيا في مرحلة معينة من الأزمة، وتحمل انقطاع المساعدات، ومحاولات التأثير على دوره إزاء القضية الفلسطينية، ولكنه الآن على وشك استعادة دوره الإقليمي سياسيا، ووضع نفسه على مسار يمكن أن يساعده في كثير من المشكلات الاقتصادية. ولا شك أن علاقة الأردن بالإدارة الأمريكية الجديدة سيشكل رصيدا للدول العربية الأخرى، ودول الخليج بشكل خاص، وسيفتح الباب للتوسع في العلاقات الثنائية الأردنية الخليجية، وجراء ذلك يمكن أن يشهد الأردن في المدى المتوسط تحسنا اقتصاديا.
عمر عياصرة: أتفق مع القول بأن ثمة بيئة سياسية جديدة في المنطقة، ونزلت الحكمة عليها فجأة بلا مقدمات سوى ما جرى من تغيير في الإدارة الامريكية، ومع ذلك فباعتقادي أن قطر لا زالت تعرّف الحالة السعودية على أنها تهديد، ولكنها مضطرة أن تكون جزءا من المنطقة وأن تدخل في مصالحة وعلاقات مع جيرانها، ولذلك المصالحة حتى الآن ضبابية، ولا يعلم على ماذا تقوم، بمعنى ما هي التنازلات التي قدمتها أطراف المصالحة؟ حتى الآن لم يعلن أي طرف تفصيلات حول ذلك، على غير المعتاد في جميع المصالحات التي تجري في العالم كله.
برأيي إن الخلاف في منطقة الخليج بنيوي، وقصة الهجوم هي واحدة من هذه الأشياء، حيث تتحسس السعودية من الصغير إذا امتلك قوة ناعمة، وتاريخيا قبل ثورات الربيع العربي كانت تتحسس مثلا من ديمقراطية الكويت، وهذه إشكالية في البنية السياسية النفسية لدى المملكة العربية السعودية، وهي أيضا تتحسس من الكبير إذا كان العراق أو إيران، ومن الطائفة الأخرى، ومن المشاريع الكبرى بدءا من جمال عبدالناصر ومرورا بالربيع العربي وبالإسلام السياسي إلى الدور التركي، بمعنى أن ثمة نوعا من الحساسية في بنية الدولة، فما بالك حينما تأتي دولة صغيرة فتمتلك قوة ناعمة كقناة الجزيرة مثلا.
وفي الأصل فإن مجلس التعاون الخليجي نشأ ليواجه التهديدات، فما بالك إذا أصبح هناك خلاف على تعريف التهديدات، وبتقديري هذا كان السبب الحقيقي لأزمة الخليج، فالسعودية والإمارات ترى أن إيران تهديد، وعُمان والكويت لا تراها كذلك، وكذلك أيضاً الخلاف حول إدخال الإسلام السياسي في معنى التهديد. لكن في النهاية الخليج مضطر أن يتصالح مع نفسه.
لكن كيف ستتطور البيئة الجديدة في الخليج؟ هذا مرتبط بسلوك إدارة بايدن، فإن ذهبت باتجاه حل مشاكل المنطقة للانتباه للصين؛ فربما نرى تسويات وإنهاء لكل أشكال هذه الازمة.
ونلاحظ أن اختيار توقيت المصالحة كان خطوة ذكية من قبل السعودية وقطر، فقد جاءت في ذيول إدارة ترامب، ولم تسمح لنفسها أن تأتي في زخم قدرة بايدن، بمعنى أنها تجنبت كل حالات الابتزاز الممكنة.
إذن؛ هناك بيئة إقليمية جديدة، ولكن كيف ستتطور هذه البيئة؟ لا أعتقد أن الإمارات والسعودية ستفتحان أذرعهما لتركيا بالكلية، لكن على ما يبدو أن المنطقة كلها تقدم أوراق اعتمادها للإدارة الأمريكية الجديدة، ولا مانع لديها من الدخول في تسويات، لكنها لن تصل إلى مرحلة أن نحلم بوضع عربي مختلف.
أما بالنسبة للأردن؛ فحينما ألقى الملك خطاب العرش الأخير شعرت أنه ألقى عن عاتقه شيئا ثقيلا، فهو يتحدث بأنفاس إدارة جديدة، فقد كانت فترة ترامب كالكابوس الحقيقي على مصالح الدولة الأردنية، فقد كان يطلق يوميا تصريحات يلعب من خلالها على بلدنا وهويتنا ومصالحنا الحيوية، وبتقديري أن الأردن تخلص من هذا الكابوس، وبدأ يستعيد جزءا من دوره الذي يعتمد على نشاطه في المرحلة المستقبلية. وأعتقد أن دوره ليس متعلقا بالقضية الفلسطينية فقط، فبايدن قادم إلى المنطقة بملف حقوق إنسان وحريات ومحاسبات قد تطال مصر والسعودية، وبالتالي قد يلعب الأردن حينها دور الوسيط، ويمكن هنا أن يستثمر ذلك في موازنته ودوره، مما يجعله أمام فرصة حقيقية.
لكن ماذا يمكن أن يستفيد الأردن من المصالحة؟ لم يتخذ الأردن موقفا قاسيا من قطر، وتفهمت قطر موقفه، وبقي في قارب حلفائه ولم يزعجهم أثناء فترة النزاع.
الذي يخدم الأردن بشكل كبير وواضح هو السياق العام للمصالحة المتمثل بالوضع الإقليمي، ولو عدنا إلى بيان مجلس التعاون الخليجي الأخير سنجد أنه تحدث عن الأونروا وحل الدولتين ومصالح الأردن بشكل مباشر، وبالتالي فإن الأردن أمام فرصة حقيقية لإعادة إنتاج دوره واستثمار ذلك بحيث لا يبقى دوره قيميا وأخلاقيا ووسطيا.
ثم إن إمكانية الحديث الأردني مع الدول التي طبعت مع “إسرائيل” ربما تكون بعد المصالحة الخليجية في مستوى أفضل على الأردن أن يستثمره بطريقة أو بأخرى، وعليه أيضا أن يستثمر الانتخابات الفلسطينية القادمة بطريقة سياسية لا أمنية، ونتمنى أن يسرّع في هوامش حركته لاستثمار الظرف الحالي.
محمد فرغل: علاقة الأردن مع دول الخليجي علاقة شراكة مستمرة، اقتصاديا وعسكريا وأمنيا واجتماعيا، وحافظنا في الأردن على علاقة متوازنة مع جميع الأطراف ولم ننحز مع أي طرف ضد الآخر، وإنما أمسكنا العصا من الوسط، وأثناء اشتداد الأزمة أعدنا السفير القطري إلى عمان، وهذا يعكس الحكمة الأردنية. ولكن لا شك أن هناك فجوة في المواقف مع السعودية والإمارات، وخاصة في ملفي إيران والقضية الفلسطينية.
وسيخفف التقارب التركي السعودي الضغط على الأردن، كما سيخففه تغيير الإدارة الأمريكية وتولي الديمقراطيين والرئيس بايدن للرئاسة هناك، وعلاقة هذا الأخير المعروفة مع الملك، ونظرته إلى الأردن، وهذا يجب أن يستثمر أردنيا في جميع الملفات، سواء كانت داخلية أو إقليمية أو دولية، بالإضافة إلى ملف المصالحة الخليجية.
وما سبق سيؤثر إيجابا على مقاربات دول الخليج تجاه الأردن، وسيمكن الأردن من لعب دور قيادي في المنطقة، وأعتقد أن ثمة مصلحة سعودية بالدرجة الأولى، وخليجية بشكل عام، في التنسيق مع الأردن باتجاه تكامل المواقف حول كيفية التعامل مع جميع الملفات التي تمنحها أمريكا أولوية. ونحن في الأردن مصلحتنا الوطنية الأولى ترتبط بالقضية الفلسطينية وإيجاد حل عادل يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، ونقطة الخوف الرئيسية هي موضوع ما يمكن أن يفضي إليه التطبيع مع “إسرائيل”.
والمصالحة الخليجية أيضا ستخفف الاستقطاب بين النخب الأردنية التي انقسمت خلال فترة الأزمة، وانحاز بعضها إلى طرف، وبعضها الآخر إلى طرف آخر.
وفي ضوء الموقف السعودي من جماعة الإخوان المسلمين؛ سيخف الضغط على الأردن مما سينعكس إيجابا على موقف الجماعة داخل الأردن، الذي لم يصنف جماعة الإخوان ككيان إرهابي بالرغم من الضغوط التي تعرض لها مصريا وإماراتيا.
أما بالنسبة للملف الفلسطيني؛ فمن المتوقع أن تنعكس المصالحة الخليجية إيجابا عليه، وخاصة مع تسلم الديمقراطيين زمام السلطة، حيث يمكن أن تتغير النظرة لكيفية الحل بالتراجع عن بعض ما ورد في صفقة القرن، وعودة الدعم الذي قطعه ترامب للاجئين، ويمكن أن يلعب الأردن دورا قياديا في إحياء التضامن العربي خدمة لحل القضية الفلسطينية من منظور أردني.
وتبقى نقطة ربما تكون سلبية، وهي تعتمد على مدى وكيفية تطورها، وهي أن المصالحة قد تؤدي إلى زيادة وتيرة التطبيع الخليجي مع “إسرائيل”، ما قد يقلل من أهمية الأردن إقليميا، ودوره تجاه القضية الفلسطينية بالذات، والوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس، إضافة إلى تأثيره السلبي على الاقتصاد الأردني، وهذا ربما هو المحذور الرئيسي الذي يتخوف منه الأردنيون.
وهذا مرتبط بنقطة أخرى مقلقة، وهي أنه من المعروف أن جميع النخب الأمريكية تقول إنه لا بد من التعاون مع الأطراف الإقليمية لحل الملف الإيراني، ومن الواضح أن إدارة ترامب تتجه لحل هذا الملف، وبالتأكيد سيكون ثمة تعديلات قد تستغرق وقتا. وهذا الموضوع قد تكون له تداعيات استراتيجية خطيرة على المنطقة ومن سيسود المنطقة. وما يقلقني أن المشروع الإسرائيلي يسعى إلى سيادة المنطقة بدعم أمريكي، ولاحظنا في فترة رئاسة ترامب كيف تسارعت الأمور، وكان آخر حلقة اتفاقات التطبيع الخليجية مع “إسرائيل” وما قد يتبعها من إجراءات تؤدي إلى إنشاء ربما تحالف إسرائيلي خليجي لمواجهة إيران، وقد أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية عن نشر منظومة القبة الحديدية في القواعد العسكرية الأمريكية بمنطقة الخليج لحمايتها من الهجمات الإيرانية، وهذا يطرح أسئلة كثيرة؛ أولها: هل تحتاج الولايات المتحدة بالفعل إلى منظومات دفاع جوي في الخليج لحماية قواعدها من الصواريخ الإيرانية؟ ومن سيشغل هذه المنظومة؟ أمريكا دولة لم تستورد السلاح في تاريخها من دولة أخرى، وإذا كان الأمريكيون سيشغلون هذه المنظومة فهذا يعني أنهم بحاجة إلى تدريب إسرائيلي، وهذا يعني أنه سيكون هناك خبراء ومدربون إسرائيليون على أرض الخليج، وهذا مثيرة للاهتمام والغرابة في الوقت ذاته، والسؤال الاهم هو: هل هذا مقدمة لدخول دول الخليج تحت مظلة الحماية الإسرائيلية بدلا من الحماية الأمريكية؟ وهل ذلك يدخل ضمن مخطط إسرائيلي لاختراق الخليج بشكل أكبر وسيادة المنطقة؟ وكون هذا الموضوع عسكريا أمنيا؛ فكيف ستكون ردات فعل الدول العربية الأخرى، كمصر والجزائر والسعودية؟
أبقى متفائلا بشكل حذر، وأتمنى من كل قلبي كإنسان أردني عربي مسلم أن تفضي المصالحة الخليجية إلى مشروع إيجابي، وتنسيق وتكامل خليجي حقيقي، ومن ثم إلى مشروع عربي تقوده المملكة العربية السعودية بتنسيق وثيق مع الأردن أولا ثم الدول الأخرى لتحقيق بعض التوازن.
جواد العناني: الواقع أن الدور الأردني ليس محكوما فقط بالعلاقات التي يقيمها مع الدول، والتي قد تكون عرضة أحيانا للتغيير بسبب الظروف السياسية الإقليمية والدولية. وربما تكون مهارة الملك الراحل الحسين بن طلال والملك عبدالله الثاني في قيادة هذه السفينة وسط هذه التناقضات؛ هي العلامة الأساسية الكبرى، وهي مضطرة أن تخضع للظروف والتكيف معها حتى تحافظ على الثوابت، بمعنى حتى لا تتغير أشياء فإن على أشياء أن تتغير.
وهناك نقطة أخرى مهمة، وهي أن الأهمية الأردنية في لعب دور مهم ومحوري في المنطقة تتمثل في جغرافيته وموقعه الجيواستراتيجي، ولو نظرنا إلى الأمريكان ونظرتهم المستقبلية لإعادة التموضع في المنطقة؛ فإننا سنرى أن الأردن ستكون واحدة من المحددات المهمة جدا لهم.
ثم هم لن يخرجوا من قاعدة العديد بقطر، وسيكون هنالك حلول وتهدئة بسبب الملف الصيني؛ لأن المعركة الحقيقية على الساحة الدولية هي المعركة بين الولايات المتحدة والصين، وإذا رجعنا إلى كتاب صامويل هنتنغتون حول صدام الحضارات؛ فسنجد أن من المخاطر التي أثارها في كتابه المخاض الذي قد يؤدي إلى تحالف صيني إسلامي ضد الغرب. وهذا أمر لم يقدم عليه المسلمون في تاريخهم، فنحن لا نقف مع غير أهل الأديان مهما كانت مصالحنا، فنحن وحدويون مسلمون لا نتحالف إلا مع الذين يؤمنون مثلنا. ولذلك فإن كل المحللين الاستراتيجيين في الولايات المتحدة وغيرها؛ ينظرون إلى الصين على أنها فلتت من العقال، وأن انطلاقتها التكنولوجية لم يعد بالإمكان السيطرة عليها. وستكون هننك حرب عملات قادمة، وهي مهمة جدا، وستليها حرب اقتصادية أخرى ستكون طاحنة، وهي الحرب التكنولوجية حول من يسيطر على المنصات الدولية في إدارة التدفقات النقدية والتجارية، وهذه ستكون جميعها الكترونية بعد عشر سنوات، وهنا تصبح العملة الافتراضية عبر وسائل التواصل الالكتروني غير مهمة، ولذلك هم يسعون أن تكون ثمة تهدئة في العالم الإسلامي.
وعندما نتحدث عن “إسرائيل” التي هي الدولة البارزة في المنطقة؛ يطرأ سؤال حول دور مصر والسعودية كأكبر دولتين في العالم العربي من حيث عدد السكان والناتج المحلي الإجمالي. وعليه فإن على هذه الدول أن تتجاوز النظر إلى القضايا الصغيرة، بل إن العالم الجديد لن يسمح لها أن تنغلق فيها، لذلك لا بد من مرحلة تهدئة، وهنا يأتي الدور الأردني لأن الأردن هي أكثر دولة يمكن أن تثق بها الولايات المتحدة، وهي مهمة جغرافيا وديمغرافيا، وهو دور نُحت من الصخر، وجاء نتيجة ظروف موضوعية، ولذلك فإن أمام الأردن فرصة كبيرة جدا للعب دور محوري في المنطقة، وخصوصا أن “إسرائيل” داخليا ممزقة، وأنا متأكد أن الذين يراهنون على نتنياهو سيخسرون كما خسر الذين راهنوا على استمرار ترامب، وأتوقع لنتنياهو السقوط المطلق.
ولذلك؛ فإن الأردن سيشهد مرحلة مهمة، وإمل أن يصوغ علاقة ممتازة مع دول الخليج، وإذا كان في دول مجلس التعاون الخليجي من يتحفظ على أن يكون الأردن عضوا في هذا المجلس؛ فليس أقل من أن يكون الأردن الدولة ذات المعاملة الأمثل من قبل دول الخليج، وإذا أصبح عضوا في مجلس التعاون فإن علينا أن ندرس ذلك الأمر بعمق أكبر.
عمر عياصرة: دول الخليج ليست أمام فرصة لتعزيز حضورها، ولا تفكر في ذلك أصلا، وأصبحت الأحداث أسرع من قدرات هذه الدول على التفكير، لكنها تحاول المحافظة على هياكلها بطريقة أو بأخرى، وقد ينتج ذلك داخلها ثقافة جديدة حول إحداث شبكة جديدة من العلاقات، وتوازنات جديدة أيضا.
وبالنسبة لانضمام الأردن لمجلس التعاون الخليجي؛ فلا أعتقد بأن المجلس سيضم الأردن إلى صفوفه كعضو، ولكن ما يهمني أن يستعيد الأردن ما فقده من دور، ونحن مضطرون رغم أنفنا أن نستعيد دورنا، ولكن الأهم هو كيف ندير ذلك ونجوّده بحيث يصبح أفضل، وكيف نهيكله بحسب يصبح بنيويا وحقيقيا؟
المنطقة العربية اليوم أمام فرصة كبيرة، وفترة ترامب علمت هذه المنطقة الدرس، لكنها تركت تشوهات سيضطر بايدن والديمقراطيون أن يتكيفوا معها بشكل جديد وثقافة جديدة.
على الأردن أيضا أن يلتفت للداخل، فاليوم هناك حالة كسل كبيرة في الحديث عن الإصلاح، ويصلح مع ذلك أن تكون لدينا وجبة إصلاح حقيقية حتى نتجنب الضغط في هذا الملف، ولا نركن أنه سيكون لدينا دور في ملفات إقليمية، فالأمريكيون يمنحونك دورا ويطالبونك في المقابل بالإصلاح الداخلي.
وهناك سؤال مهم جدا؛ هو: أين سيكون موقع الإسلام السياسي بعد المصالحة والتسوية بين الأتراك والقطريين وبين باقي المنطقة؟ على الأردن أن يعي أن الإسلام السياسي جزء من الإصلاح في الداخل، بمعنى أن أحد محددات الإصلاح صعود الإسلاميين أو أفولهم، ونحن بحاجة إلى هذا الإصلاح، ونحن أمام فرصة داخلية وخارجية لنقوم بتحقيقه.
موسى اشتيوي: ليست المصالحة الخليجية فقط، وإنما مجمل التطورات الإقليمية فتحت المجال بأوسع الأبواب للأردن كي يعيد تموضعه على المستوى السياسي، ونحن نعول على السياسة الخارجية أن تستفيد من هذه الفرصة التي نتفاءل بها، ولكن استغلالها يحتاج جهدا كبيرا ورؤية وعمقا ومشاورة وترتيبا، ومشاركة من قبل أطراف كثيرة، والأردن لديه رصيد يمكن أن يستفيد منه بحكم تشعب علاقاته واستمراريتها ولو بالحد الأدنى مع أغلب الأطراف.
وقبل فترة كنت مع رئيس حكومة سابق، وطرحنا موضوع التنمية السياسية والإصلاح السياسي، ورأيت من خلال النقاش أنه لا زال هناك جزء من النخبة الأردنية يعتقد أن الهم الأول للمواطن الأردني هو اقتصادي، وهذا صحيح، وأن الأولوية للجانب الاقتصادي، وهذا الرأي ليس جديدا، ولا خلاف على أن أزمتنا الاقتصادية كبيرة، والوضع المعيشي ضاغط جدا على المواطنين، ولكن حتى الناس العاديين بدأوا يربطون بين التنمية الاقتصادية والسياسة، وبالتالي فأنت لا تستطيع أن تفصل بينهما، والنهضة تقوم على عدة أرجل، ونحن اقتصاديا غير قادرين على الحركة، والسياسات الاقتصادية خلال الـ15 سنة الماضية لم تؤد إلى نتيجة، وهي تنحصر غالبا في تنفيذ اتفاقيات الحكومات مع صندوق النقد الدولي، وهذا غير كاف لإحداث التغيير الاقتصادي المطلوب، ولا التنمية الاقتصادية المطلوبة لأنها ليست مشاريع تنمية اقتصادية. وأنا أعتقد أنه لا يمكن حل المعضلة الاقتصادية استراتيجيا بدون الجانبين السياسي والاجتماعي.
أما بالنسبة لموضوع الإسلاميين؛ فأود التأكيد على أن التغيير يجب أن يأتي من اتجاهين، بمعنى أن اللوم لا ينبغي أن يوجه دوما إلى الأردن لأنه لا يتقبل الإسلامين، فالإسلام السياسي أيضا لديه مشروع بديل عن الدولة، وهذا ما لا تتقبله أية دولة. صحيح أن الدين مهم جدا لشعوب المنطقة ولا يمكن استثناؤه من مكونات المجتمع، حتى السياسية إلى حد ما، لكن بالقدر الذي تتجه به الدول إلى استعادة العلاقة مع الإسلاميين؛ يجب على الإسلام السياسي أن يتحول إلى أحزاب وطنية؛ لأن ذلك ينفي أن يكون لديه مشروعا خارجيا، ونموذج الإسلام السياسي في الأردن أخذ هذا الاتجاه ولذلك لم تذهب الدولة إلى اجتثاثه.
إن أفضل ما يمكن أن تؤدي إليه المصالحة الخليجية على مستوى الجامعة العربية هو أن تعقد قمة عربية، وقد تكون في الأردن إن شاء الله، وهذا هو الحد الأدنى الذي يمكن للعرب أن يقوموا به.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك إعادة تموضع ليس فقط عربيا وحسب، فحاليا هناك حوارات بين “إسرائيل” وتركيا، وهذه الأخيرة تحالفت مع “إسرائيل” في أذربيجان ضد أرمينيا، وهناك أيضا إعادة تموضع على مستوى الدول الإقليمية، وثمة حوار غير معلن عنه بين سوريا و”إسرائيل”.
أما فيما يتعلق بالخيارات الأمريكية في المنطقة؛ فصحيح أن الولايات المتحدة ترغب بالتهدئة في الإقليم، ولكن لا أعتقد أن هذا هو الخيار الوحيد لدى الأمريكان، لأن هذا الخيار يعتمد على السلوك الإيراني من جهة، والموقف الإسرائيلي من جهة أخرى، وأي خلل في هذين الاتجاهين يمكن أن يفجر الأوضاع ويأخذنا إلى سيناريوهات أخرى مختلفة.
عاطف الجولاني: خلاصة هذه الندوة؛ أن الكل يتكيف مع المتغيرات ويعيد التموضع وفقها، ونكاد نتفق على أن قدرة الأردن على التموضع ربما تكون الأسهل والأفضل؛ لأن المتغيرات في الغالب اتجهت إيجابا بالنسبة للأردن، ونأمل بالفعل أن يكون دور الأردن مؤثرا وقياديا خلال الفترة القادمة، وأن تتجه الأوضاع في المنطقة نحو الاستقرار والخروج من حالة الفوضى والانقسامات والأزمات التي عشناها خلال السنوات الماضية، وكل الأمل أن يكون المستقبل أفضل لنا جميعا في هذه المنطقة.