يجتمع عشرات من زعماء العالم اليوم في اسرائيل ليحيوا ذكريات المحرقة، ويبدو أنهم لم ولن يتذكروا الحقيقة الكاملة التي تقول ان الناجين من المحرقة شكّلوا نصف عدد أفراد العصابات الصهيونية التي نفذت مذابح دير ياسين وأقامت دولة اسرائيل في العام 1948، والتي قتل فيها عشرات الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ الفلسطينيين، ثم تم تهديد دير ياسين وإخلاء جوارها بالكامل، كالحارات الداخلية غربي القدس كالبقعة وتل بيوت والقطمون وتم طرد 70 الف فلسطيني بما فيهم مرضى مستشفى البرص القريب، وأقام الناجون من المحرقة مركز يادفشيم لتخليد ذكرى الهولوكوست بالضبط على أراضي خربة قرية حمامة بين دير ياسين وعين كارم.
فمن ورط المحرقة بالنكبة: الصهاينة أنفسهم أم قوى الاستعمار من خلفهم؟ الفرق ليس كبيرا.
وحتى يكتمل مشهد التناقض والسخرية، يقوم اليوم بعض أبناء القرى المدمرة أو الناجون من النكبة ممن هتكت قوات “الناجين من المحرقة” أعراضهم وقتلت أطفالهم في دير ياسين وعين كارم وصفد، ويافا واللد وغيرها، بوظيفة الخادم في تعاون أمني وسياسي عجيب، بعد ان أعلنوا التخلي عن بلداتهم وقراهم دون أي مقابل يذكر، فيما يبدو نجاحاً للناجين من المحرقة ومن يجتمع اليوم ليحتفي بهم، ليس فقط بتدمير بيوت هؤلاء واحتلال اراضيهم بل بتدمير أشياء ومعاني كثيرة في أرواحهم وعقولهم وقلوبهم، وذلك هو التدمير المبين!
وحتى يكتمل المشهد لا بدّ من الاشارة الى الجزء الآخر وهو الأعظم والأرقى والأجمل، ويتلخص في مشهد صمود وثبات الفلسطينيين في الداخل رغم كل إجراءات التمييز والظلم والعنصرية، ومقاومة الفلسطينيين المستمرة في غزة والضفة والقدس رغم تآمر المتآمرين وتكالب القاصي والداني عليهم .اضف الى ذلك مشهد الفلسطيني في سائر انحاء المعمورة الذي ما زال متمسكا بحقه في فلسطين.
فلماذا غابت كارثة الفلسطينيين في العام 48 واجتمع العالم على أرض نكبتهم ليحيي ذكرى محرقة اليهود في مكان بعيد آخر في أعماق اوروبا؟ ما هذا التناقض وما هي أسبابه؟!
ليس بعض أبناء الناجين من النكبة وحدهم هم من يتحمل المسؤولية، فتغييب النكبة يقع بدرجة كبيرة على قادة وزعماء العرب ممن انشغلوا وما يزالون بالحفاظ على كراسيهم، وبالتعاون مع حكومات العالم المحتفي اليوم بذكرى المحرقة في وجه شعوبهم لمواجهة شعوبهم وقواها الحيّة .
أضف الى ذلك انعدام الأخلاق الانسانية من سياسات حكومات الغرب الانتهازية والاستعمارية.