كشفت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس الليلة تفاصيل إحدى العمليات الأمنية الأكثر تعقيدًا في صراع الأدمغة بين المقاومة الفلسطينية وأجهزة مخابرات الاحتلال الإسرائيلي والتي دارت بين عامي 2016 و2018.
جاء ذلك في فيلم بعنوان “سراب” بث عبر قناة “الميادين” الفضائية الليلة وتضمن تسجيلات ومشاهد حول إدارة طاقم أمني بكتائب القسام لمصدر مزدوج (عميل مزدوج).
ويصنف الفيلم ضمن الإصدارات الأمنية وهو سابقة في إعلام المقاومة بأن يتم الإعلان عن تبني عملية أمنية فيما جرت العادة الإعلان عن عملية عسكرية.
ويظهر الفيلم كيف نجح الطاقم الأمني للمقاومة بإدارة المصدر لفترة زمنية طويلة والتمكن من تضليل ضباط جهاز المخابرات الإسرائيلية (الشاباك) والاستخبارات العسكرية بالجيش (أمان) وكشف نوايا ومخططات الاحتلال وإحباطها.
ويعد هذا الفيلم سابقة إعلامية يتم خلالها الإفراج عن هذا الحجم من التسجيلات السرية وكشف هذا النوع من العمليات الأمنية المعقدة التي تدور بين المقاومة والاحتلال.
وبحسب ما كشفته المقاومة في الفيلم فإن الاحتلال كان يحاول تفجير مرابض صواريخ القسام، ما يظهر مدى إيلام هذا السلاح له.
ووصلت الصواريخ التي تمكنت كتائب القسام من صناعتها محليا في قطاع غزة رغم الحصار إلى مدينة حيفا شمال فلسطين المحتلة والتي تبعد عن القطاع نحو 140 كيلومترًا.
وبحسب تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية، فإن المقاومة ستمطر في المواجهة المقبلة مع الاحتلال العمق الإسرائيلي بمئات الصواريخ محلية الصنع والتي تمكنت خلال السنوات الأخيرة من زيادة دقتها ورأسها الحربي.
وتكشف التسجيلات حالة النشوة والانتصار التي عاشتها المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بذراعيها (الشاباك) و(أمان) احتفاء بما اعتقدت أنه انجاز أمني.
وحسب ما كشف عنه ضباط التشغيل الإسرائيليين للمصدر الفلسطيني فإن “المؤسسة الأمنية عن بكرة أبيها تحتفي بما يحققه من إنجازات مهمة” قبل أن تكتشف ان كل تلك الإنجازات ليست سوى سراب.
تضليل
ويوضح الفيلم أن عملية تشغيل المصدر كانت تتم بشكل مشترك بين جهازي الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) والاستخبارات العسكرية (أمان) ما يشكل ضربة للجهازين الأمنيين.
ومما سمحت المقاومة بنشره من تسجيلات ما ذكره الضابط منير للمصدر “بدنا نعمل عيد خاص اسمه عيد الأقلام (الصواعق) المستخدمة في التشريك”، ما يعكس حجم التضليل الذي نجح المصدر في إيهام الضابط به.
ومما يظهره نجاح المصدر في التضليل حزنه عندما أبلغه الضابط “كامل” بانتقاله للعمل مع الضابط “منير”.
وتظهر التسجيلات نجاح المصدر في كسب ثقة الضابط “كامل” المشغل له حيث مازحه ب”أحلى كمولة”.
وفي إمعان من المصدر بإيهام ضباط مخابرات الاحتلال وتضليلهم بتوجيهات من الطاقم الأمني للمقاومة هو طلبه منهم القيام بتأمينه بطائرات الاستطلاع أثناء تنفيذه المهمات.
وفي التسجيلات يوجه الضابط منير سؤالاً للمصدر عن الصواريخ التي تم تشريكها والتي نقلتها المقاومة وأدخلها للخدمة العسكرية، ما يظهر نجاح الطاقم الأمني للمقاومة بإدارة عملية التضليل كاملاً وإيهام ضباط مخابرات الاحتلال بأنه تمت عملية التشريك ومن ثم إدخال هذه الصواريخ للخدمة ونقلها من أماكنها لتربيضها.
وفي إحدى المحادثات بين المصدر والضابط منير، سأله الأخير مستنكرًا “انت بتخبي (تخفي) عني أشياء من سنة فاتت”، في إشارة إلى طول المدة التي انطلقت فيها عملية الخداع على ضابط (الشاباك).
كشف نقاط ميتة
ويكشف الفيلم كيف تمكنت المقاومة من اعتقال عملاء ومتعاونين مع الاحتلال من خلال كشف نقاط ميتة، إضافة إلى كشفها أساليب عمل جهاز المخابرات وطريقة انتخابها للنقاط الميتة.
وفي سابقة هي الأولى نشرت المقاومة آلية الاتصال مع المشغلين وإظهار ضابط “السنترال” حيث توضح منظومة عمل ضباط مخابرات الاحتلال.
انجاز نوعي
ويكشف الإصدار كيف أن مسؤول جهاز (الشاباك) في قطاع غزة الملقب بـ”أبو صقر” وفريقه ابتلعوا تضليل المصدر الذي نجح في الاستمرار بذلك رغم تناوب ضباط التشغيل.
ويكشف الفيلم الى أي حد نجحت المقاومة في عملية التضليل حيث تكشف التسجيلات كيف تم ترقية الضابط الرئيسي “كامل” بسبب النجاح الوهمي والتقارير الفارغة التي كان يرفعها لقيادته وجرى نقل المصدر للعمل مع الضابط “منير” الذي خضع هو الأخر لعملية تضليل تجاوزت العام.
كما تكشف المحادثات المنشورة نمط التوجيه والتحكم الذكي في المصدر وتمريره رسائل الخداع لضباط (الشاباك) رغم خطورة الموضوع وحساسيته وتعقيداته.
ويتوقع أن تشكل التسجيلات والمعلومات التي تضمها ما كشفه القسام إحراجا للضباط أمام العملاء والمتعاونين حيث يتباهى الضباط أمامهم دائما بسرية الاتصال وايهامهم بالأمان.
وتعكس هذه العملية تفوق قدرات المقاومة على الصعيد الأمني والاستخباري في معركة وصراع الادمغة من خلال درتهم على تضليل المشغلين من ضباط الاحتلال.
يشار إلى أن المقاومة وجهت سابقا ضربات نوعية على الصعيد الأمني والاستخباري كعملية السهم الثاقب التي نفذتها كتائب القسام في ديسمبر 2004 شرق مدينة غزة حيث اسفرت عن مقتل جندي إسرائيلي واصابة 4 جنود اخرين والتي اعتبرها العدو ضربة موجعة لجهاز المخابرات الإسرائيلي (الشاباك).
كما تمكنت كتائب القسام قبيل الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة عام 2005 من قتل عدد من ضباط جهاز (الشاباك) بعملية معقدة نفذها الاستشهادي عمر طبش بعد تفجير حزام ناسف كان يرتديه بغرفة التحقيق التي كانوا يعملون بها على حاجز (المطاحن) الفاصل بين جنوب ووسط القطاع، حيث أطلقت القسام على العملية اسم “ثقب في القلب”.