ربما تقتصر زيارة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين للولايات المتحدة الأمريكية على ملفين منفصلين عن بعضهما البعض، وهما المساعدات للأردن، والملف الأخر الأكثر إلحاحا وقلقا للأردن، وهو ملف احترام الوضع التاريخي القائم بالمسجد الأقصى، وتجنب المواجهات التي قد تهدد بنشوب صراع أوسع.
وما تسرب لوسائل الإعلام يكشف أن الأردن أبلغ واشنطن باستعداده لمناقشة الأمر مع دولة الاحتلال بعد نهاية شهر رمضان الأسبوع المقبل، بهدف تحديد الخطوات التي يمكن أن تتخذها حكومة الاحتلال لإعادة الأوضاع في المسجد إلى ما كانت عليه قبل 22 عاما.
ويقوم الاحتلال الإسرائيلي بوضع قيود على العبادة في المسجد الأقصى تدريجيا منذ عام 2000.
وتقول أنباء صحفية إن واشنطن تلقت مؤخرا ورقة تبين بوضوح موقف الأردن.
وأثار عدوان الاحتلال الإسرائيلي على المصلين خلال شهر رمضان في المسجد الأقصى، غضبا عربيا وقلقا دوليا من الانزلاق مرة أخرى إلى نزاع مسلح.
ويقول الأردن إن الاحتلال يقوض منذ عام 2000 تقليدا يعود لقرون مضت لا يُسمح فيه لغير المسلمين بالصلاة في المسجد. ويطالب الأردن في رسالته الموجهة إلى واشنطن بضرورة قيام الاحتلال برفع القيود المفروضة على تعيين موظفين بدائرة الأوقاف الإسلامية التابعة للأردن، والسماح لها بإدارة جميع زيارات غير المسلمين ومنع ممارستهم للعبادة.
ويقيد الاحتلال الإسرائيلي دخول المصلين المسلمين، ولا يقيد دخول المستوطنين المنتمين لليمين المتطرف الذين تنتهك طقوسهم الوضع الراهن السابق، وتنتهك حرمة المكان المقدس.
الضغط الأردني يأخذ أكثر من مسار؛ فهو يواصل اتصالاته المباشرة مع الإسرائيليين وواشنطن وأطراف عربية دولية أخرى لمطالبة الاحتلال باحترام الوضع التاريخي الذي كان قائما قبل عام 2000.
وقالت صحيفة الأخبار اللبنانية، إن الملك الأردني عبدالله الثاني، التقى رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، للتباحث معه في الأوضاع السياسية والأمنية في الضفة الغربية والقدس، وسط مساع مكثّفة لمنع انهيار السلطة.
ونقلت “الأخبار” عن مصادر فلسطينية لم تسمها قولها إن ملك الأردن جدد خلال القمة التي جمعته بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، حرص بلاده على تجديد التفويض العربي الممنوح لها للتفاوض مع حكومة الاحتلال حول المسجد الأقصى.
وأشارت المصادر إلى أن الأطراف الثلاثة اتّفقت على حث الاحتلال على عدم استفزاز الفلسطينيين والمسلمين حول العالم خلال الفترة الحالية، “لأن هذا الأمر خطير وكفيل بتحريك الشعوب ضدها وضد الحكومات، الأمر الذي ستستفيد منه الحركات الإسلامية في المنطقة”.
وتحت عنوان “الوصاية الهاشمية.. وحيدة بحمل ثقيل” عقد “معهد السياسة والمجتمع” في عمان جلسة حوارية مغلقة في 19 نيسان/ أبريل الماضي تناولت موضوع العلاقات الأردنية – الإسرائيلية، في ضوء الأحداث التي شهدها المسجد الأقصى.
وما خرج به المعهد من توصيات كان أشبه بالاستسلام لشروط الاحتلال وعدم الذهاب بالمواجهة بعيدا في ظل اختلال الموازين لصالح الاحتلال، وكان على النقيض من الورقة التي قدمتها الحكومة الأردنية لواشنطن والتي يتوقع أن يبحثها الملك مع الرئيس الأمريكي بايدن؛ الذي سبق أن أجرى اتصالا هاتفيا مع الملك عبدالله حول المواجهات في القدس.
الملك يحاول كبح الصلف والغرور الإسرائيلي المنفلت وغير المنضبط عبر الحصول على دعم إدارة بادين في ظل توقعات بعودة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى السلطة، أو أي مرشح جمهوري سيتوافق مع الرواية السياسية الإسرائيلية.
ويجري الأردن ودولة الاحتلال اتصالات وزيارات مكثفة بهدف التهدئة وعدم انفلات الأوضاع عن السيطرة، فقد زار وزير الأمن الداخلي عومر بار ليف عمان، فيما اتصل رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت بالملك، كما التقى الملك برئيس الاحتلال يتسحاق هرتسوغ، وكذلك التقى مع بيني غانتس وزير الحرب، للحفاظ على الهدوء في القدس، فيما استدعت عمان السفير الإسرائيلي لديها احتجاجا على التصعيد في الأقصى.
في الوقت ذاته، كُشف النقاب عن أن رئيس القائمة العربية الموحدة منصور عباس، زار الأردن في الأيام الأخيرة، وبحث أوضاع المسجد الأقصى، واستمع لمطالب الأردن بتسليمه جميع الصلاحيات اللازمة داخل الحرم، بما في ذلك خفض كبير في عدد المستوطنين اليهود الذين يقتحمونه.
وتقول مصادر إن الأردن عيَّن أخيرا عشرات من حراس الوقف الجدد بسبب النقص في أعدادهم، لكن دولة الاحتلال ما زالت ترفض دخولهم إلى المسجد الأقصى، وهناك طلب إسرائيلي بالحصول على أسمائهم لإجراء فحوصات أمنية، لكن الوقف الأردني رفض ذلك، فيما تسعى الولايات المتحدة للتنسيق مع الأردن والسلطة الفلسطينية والاحتلال لتخفيف التوتر.
ويسرِّب الاحتلال إعلاميا بين فترة وأخرى أنباء عن رغبته في تغير الوصاية الهاشمية على المسجد الأقصى والمقدسات في القدس ونقلها إلى دول عربية أخرى، لكنه تبقى مجرد اقتراحات لا تحظى بأية قيمة عملية، نظرا لأن من يريد أن يكون وصيا على المقدسات، فعليه أن يكون قريبا جغرافيا من فلسطين، وأن يكون مقبولا من الفلسطينيين المرابطين في القدس أنفسهم.