إحدى حسنات “خطة” الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القليلة التي عرفت إعلاميا باسم “صفقة القرن” أنها بددت وهم السلام بين النظام الرسمي العربي وبين دولة الاحتلال، وكشفت لنا بوضوح تام لا غبار عليه أن جميع اتفاقيات السلام التي وقعها العرب مع دولة الاحتلال لم تكن “سلاما” وإنما نوع من “تبريد الجبهات” أو “التبعية” أو فرض المنتصر “المتنمر” لشروط التسوية على الطرف المهزوم باستعلاء وتهكم.
كشفت “خطة ترامب” الحقيقة المرة والمؤذية لاتفاقيات “كامب ديفيد” و”أوسلو” و”وادي عربة”، وهي أن العرب لم يصنعوا “سلاما” مع دولة الاحتلال التي واصلت التوسع والتدخل والحروب وعمليات القتل الوحشية بحق الفلسطينيين والعرب.
هم فقط منحوا الاحتلال “أوكسجين الحياة” عبر توقيع الاتفاقيات الثلاث التي سمحت للعدو بإقامة علاقات دبلوماسية مع الدول الموقعة، وسمحت له في اختراق الجبهة الداخلية للوطن العربي عبر التطبيع والاقتصاد والأخطر من كل ذلك عبر الاتفاقيات الأمنية والاستخباراتية والعسكرية.
الآثام الثلاثة، أو “الكبائر” الثلاث التي ارتكبها العرب في حجرة النوم الإسرائيلية لم تصنع منا أحرارا أبدا فقد زادت من القيود في أيدينا وأرجلنا وحتى أعناقنا، وبات الدول الموقعة حبيسة الرغبات الإسرائيلية في ملفات حساسة ومفصلية مثل المياه والطاقة (الغاز) والتنسيق الأمني والاستخبارات.
تحولت الدول الموقعة للاتفاقيات إلى شرطي وجندي يحمي أمن دولة الاحتلال ويحافظ على “حدودها ” أمنة وهادئة لا تعكر صفاء سمائها أية عمليات عسكرية ينفذها مقاومون فلسطينيون وعرب.
الآن وبعد أن أصبحت دولة فلسطين في عداد الموتى سريريا، وبات حلم العودة بعيد المنال، والحقوق الوطنية الفلسطينية والقدس ألقيت في قبو البيت الأبيض الرطب والمعتم، بات الفلسطينيون أمام مرحلة جديدة من النضال، أولى خطواتها إغلاق ملف الانقسام والبدء بالوحدة بين جميع الفصائل للدخول في مرحلة استنزاف للاحتلال وخنقه في كل مكان.
والأهم، لا تعتمدوا على المواقف العربية الرسمية فهم كانوا ولا زالوا جزءا من عملية التدمير المبرمج لتضحيات ونضال الشعب الفلسطيني، وأخر طعناتهم كانت في تأييدهم لـ”خطة ترامب” السمجة والعنصرية والوقحة التي “مسحت” بجرة قلم فلسطين التاريخية، وحولت شعبها إلى شعب مطارد معتقل ومسجون داخل أسوار مستوطنات يسكنها زعران وحثالة وقتلة.
الفلسطينيون الذين قال عنهم نزار قباني أنهم أخر العرب، سيكون أخر العرب إذا لم يحسنوا توحدي صفوفهم وصياغة برنامج نضالي جديد يقدس المقاومة والمقاومين.