تناول تحقيق أجرته مجلة أمريكية عريقة “فورين بوليسي” القدرات الصينية في كشف عملاء “سي آي ايه” في أوروبا وأفريقيا.
توقفت في التحقيق المطول، الذي اطلعت على ترجمته، عند الحافز الذي جعل الصينيين يطورون مهاراتهم التجسسية ضد الولايات المتحدة.
تقول المجلة إن الحزب الشيوعي الصيني الحاكم ضاق ذرعا بتوسع النشاط الاستخباراتي الأمريكي الذي اخترق كل ملامح الحياة الصينية من الحكومة إلى الحزب الحاكم والاستخبارات والجيش، وأبدت بكين غضبها في عام 2010 وتردد الغضب في قمة الحكومة الصينية.
يقول التحقيق إن غضب القيادة الصينية لم يكن متركزا على اختراق “سي آي إيه” للحكومة ومؤسساتها بل على ما كشفه ذلك الاختراق من فساد.
ويضيف: “في صين الألفية الجديدة كان المال القذر يتدفق بحرية ويحصل المسؤولون الصينيون على أضعاف رواتبهم بطرق غير شرعية. والمسؤول الذي لا يشارك في الفساد كان زملاؤه يعتبرونه مجنونا. وكان المال قادرا على شراء أي شيء بما في ذلك المركز الوظيفي. وكان لدى “سي آي إيه” الكثير منه”.
ومن خلال تحقيق الصين في نشاطات “سي آي إيه” اكتشفت أنها تقدم أموالا لعملائها ليدفعوه كرشوة لتسلم مناصب في البيروقراطية الصينية وفي الجيش وأجهزة الاستخبارات كذلك.
في بعض الأحيان كانت الرشوة تصل إلى ملايين الدولارات، وفي بعض الأحيان كان تعويض العملاء عن تعاونهم بدفع رسوم تعليم أبنائهم في جامعات ذات رسوم باهظة. وتنقل المجلة عن أحد ضباط “سي آي ايه” السابقين قوله: “كان مستوى الفساد الحاصل مدهشا”.
تقول المجلة إن اعتقاد المسؤولين الصينيين بقدرة “سي آي إيه” على اختراق الحزب ودائرته المغلقة أخافت قيادته من مستوى الفساد في داخله.
وتضيف أن “هذا أغضب قيادة الحزب التي رأت أن اختراق “سي آي إيه” للحزب لا يمثل تهديدا وجوديا بل سمح لعدو بالزحف إلى الداخل”.
ومن هنا فقد أعلن شي جينبينغ في نهاية 2012 عن حملة مكافحة الفساد التي شملت محاكمة عشرات الآلاف من المسؤولين، ووصلت إلى حد اختطاف مسؤولين، وإجبارهم على العودة إلى الصين. وكانت الحملة تهدف لمنع الأمريكيين من الاستفادة من الفساد.
يجب أن ندرك أن خطر الفساد لا يقتصر على الوضع المالي للدولة بل يتعداه إلى الوضع الوجودي لها وتسهيل اختراق الاستخبارات المعادية والصديقة على حد سواء للدولة، وحرف سياستها باتجاه مصالح تلك الدول، وليس مصلحتها.
في التجربة الصينية في مكافحة الفساد هناك إدراك من القيادة لخطورة الفساد وما قد ينتج منه من تهديد لوضعها أولا ولوضع الدولة ثانيا، ويبدو أن نجاح التجربة يكمن في أن وراءها إرادة حقيقية وحازمة من القيادة ذاتها.