يُحكى أن هناك علاقةً وثيقةً تربطُ بين الصيام وصلة الأرحام، فكلاهما عبادة لا يعلم مدى الصدق فيها وحُسن النيَّة سوى ربِّ العالمين، لأنه برأيي قد تكون مُراءاة أمام الناس، سواءً كانت من خلال دعوات الإفطار والسهرات ( اللارمضانية ) !، سهراتٌ يتم فيها جرد حساب العام الماضي ” من غيبةٍ ونميمة وما إلى ذلك ” ! وهذا هو أسلوب الغالبية العظمى من الناس، المهم في الموضوع أن بعضهم يربط صلة الرحم بالشهر الفضيل، أو بالأعياد الدينية فقط، ولا يعرف، بل لا يفكِّر أن يعرف ما يحدث مع من هم أرحام طوال العام!
هناك حكاية سمعت بها منذ أكثر من عشرة أعوام ، أطلقت فيها الأخت الكبرى على إحدى شقيقاتها، كذبة ربما تكونُ من الكبائر، لقد أطلقت هذه الكذبة على شكل إشاعة لا أصل لها ولا دليل عليها ولا حجةً لها بها، كذبة تشبه حديثُ الإفك – مع فارق التشبيه بين الشخصيات – لكنها إفك افترته تلك السيدة دون سابق إنذار، ودون عذر أو سبب، كانت وما زالت هي رأس الفتنة، الأمر الذي دفع بعددٍ من أفراد العائلة بمقاطعة الأخت ” المتهمة ” بتهمةٍ لا تعرفُ أصلها، وقد فكرت هذه ” المتهمة ” برفع دعوى قضائية ضد رأس الفتنة لتعرفَ أصل الحكاية ولتبين للجميع أنها لا علاقة لها بما قيل ، لكنها عدَلَت عن ذلك إكراماً لوالدين يرقدان تحت الثرى منذ سنواتٍ طويلة!
لم تدرك رأس الفتنة حتى اليوم أن ما فعلته هو فسادٌ في الأرض، قال تعالى في كتابه الكريم:
﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِى ٱلْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوٓاْ أَرْحَامَكُمْ ﴾
لم تدرك بعد ، علماً بأنها – من المفروض – تعظ من حولها، وتتصدر بعضُ الجلسات من خلال الأهل والجيران ! لم تدرك بعد، وقد شاهدت بعينها إحدى قريباتها تعرضت لجلطة دماغية، كتب لها رب العالمين أن تصحو منها، بعد غيبوبة طالت لأشهر، وهم ينظرون إليها عاجزين، لكن ليسو معتبرين ! في الوقت الذي كانت فيه الأخت ” المتهمة زوراً وبهتاناً ” تمرُّ من جانب المستشفى داعيةً لتلك المريضة بالشفاء لعلها تصحو من الغيبوبة، وتصحو من غفلة قطيعة الرحم، وغفلة الإثم في حديث إفكٍ طال لأكثرِ من عشرة أعوام!
لكن للأسف بعد أن منَّ الله على المريضةِ بشفاءٍ وصحوة أدركت فيها من حولها، لم تدرك بعد أنها ما زالت تشارك في القطيعة وفي حديث الإفك! كما لم تدرك رأس الفتنة ذلك
لم تنته الحكاية ولن تنتهي، لكنها حكاية أسردها لكل قاطع رحم، ولكل منتهك إثم، ولكل من يتسبب في قطع الأرحام ولكل من يدَّعون أنهم يخشون رب العالمين، ولا يتدبرون الآيات القرآنية:
مثل قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا ۚ أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾
وقوله تعالى : ﴿ يَوۡمَ تَشۡهَدُ عَلَيۡهِمۡ أَلۡسِنَتُهُمۡ وأَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ﴾
هذا هو جزءٌ من حكايةٍ تتكرر في مجتمعنا، لا يدرك أبطالها أن الظالم لن يهنأ، طالما أن المظلوم عن الدعاء لن يهدأ، ولا يدرك الظالم أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، يرفعها الله فوق الغمام ويقول لأنصرنَّكِ ولو بعد حين!
يبدو أنه لن يدركُ أبطالها الظالمين أنهم مجموعون أمام رب العالمين في محكمةِ الآخرة، فالشهودُ ملائكة، والقاضي أحكمُ الحاكمين!
عذراً، شهرَ الصِّيام ، فالقلوب ملأى بالآلام
* مستشارة تربوية