لا بد من أن يشرق الفجر مهما اشتدت الظلمة، ولا بد أن تطلع الضحوة الكبرى مهما طال الليل لكن الصبر مر والتحمل لابد منه ومن هنا جاءت في هذا العيد ذكريات لابد أن نعرفها ولابد أن نقف مليا أمامها.
إن الاختبار وصل بأم إسماعيل -عليه السلام- أن رأت وليدها يكاد يقتله الظمأ فماذا تصنع؟ لقد قالت لزوجها إبراهيم -عليه السلام- ما دام الله أمرك أن تتركنا هنا فلن يضيعنا! لكنها الآن تواجه الهلاك، القدر لا يكذب: “ومن أصْدقُ من اللَّه حديثا” “النساء:87”
إن الله إذا وعد لا يخلف وعده، ولكنه يصل بالامتحان إلى آخر رمق، ويصل بالاختبار إلى نهايته، ثم إن الزمن عنده ليس ماضيا وحاضرا ومستقبلا كما نراه نحن البشر، لا، الزمن عنده صفحة مستوية.
عندما كانت أم إسماعيل تجرى هنا وهناك تطلب الماء لولدها الذي يكاد يهلك من العطش كان رب العالمين يعلم أن الولد سيكون أمَّة، سيكون منه شعب، ستكون منه نبوة خاتمة، ستكون منه حضارة تظلل الأرض بأعظم ما ازدانت به الإنسانية من قيم، كان يعلم هذا، ولكنه ينزل أقداره بحكمة: (وإنْ من شيء إلَّا عندنا خزائنُه وما ننزِّله إلا بِقَدَر معلوم) “الحجر:21”
ويسوق القرآن الكريم ألوانا من الصراع بين الحق والباطل ينظر الإنسان إليها متأملا. جاء موسى -عليه السلام- إلى فرعون يقول له: هذه الأرض لا تحتمل فوق ثراها شعبين يأكل أحدهما الآخر، فلنرِحك من شعب إسرائيل: “فأرسِل معيَ بني إِسرائِيل” “الأعراف:105″، حل معقول لكن الطاغية لا يعرف الحل المعقول، بل تلتوي الأمور في نفسه، فعندما يرى أن سحره تلاشى يقول: “إنّ هذا لمَكر مكرتموه فِي المدينة لتُخْرِجوا منها أهلها فسوف تعلمون” “الأعراف:123”.
وخرج موسى وقومه وتبعه فرعون وجنده هنا يبلغ الامتحان درجة خطيرة فإن أتباع موسى رأوا أن الجبار الذي استباح دماءهم واستحيا نساءهم، وتجبر في الأرض على أنقاضهم يوشك أن يضع يده عليهم وأن تعود الأمور سيرتها الأولى في الذل النازل بهم والهوان الواقع عليهم: (فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدينِ فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلَق فكأن كل فرق كالطود العظيم وأزلفنا ثَمَّ الأخرِين” “الشعراء٦١-٦٤”
لا بد من اختبارات إلهية واختبارات شديدة، قد تكون قاسية ولكن نتيجتها ناضرة تبيض بها وجوه المؤمنين وتسود بها وجوه الظالمين.