ندد قادة في الداخل الفلسطيني بقرار محكمة الصلح الإسرائيلية اليوم الاثنين حبس رئيس الحركة الإسلامية الشيخ رائد صلاح، مؤكدين أنه يندرج ضمن سياسات نزع الشرعية عن نضال الجماهير العربية، وبسبب مواقفه المتمسكة بالمسجد الأقصى والتي تعرض بسببها إلى سنوات من الاعتقال والملاحقة السياسية.
وقال رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية محمد بركة إن الحكم كان جاهزا مسبقا، وارتكز على الأجواء العنصرية والتحريض على فلسطينيي 48، وتقييد حريتهم في التعبير والعمل السياسي.
وأضاف بركة للجزيرة نت أن “المستهدف هنا ليس شخص الشيخ صلاح بقدر ما هو مجمل العمل والخطاب السياسي لفلسطينيي 48، وهذا ما ينعكس في الملاحقات السياسية على مختلف المستويات”.
بدوره، وصف النائب عن القائمة المشتركة يوسف جبارين القرار بأنه جائر، ويندرج ضمن سياسات نزع الشرعية عن نضال الجماهير العربية وتضييق الخناق على حرية التعبير والعمل السياسي.
وتابع جبارين “بينما يواصل نتنياهو ووزراؤه التحريض على المواطنين العرب تتصاعد ملاحقة القيادات العربية سعيا لخلق كيان عربي ممسوخ بروح حقبة الحكم العسكري”.
وكانت محكمة الصلح الإسرائيلية في حيفا قضت اليوم على الشيخ رائد صلاح بالسجن 28 شهرا، وذلك بتهمتي “التحريض على الإرهاب ودعم منظمة محظورة”.
وأمهلت قاضية المحكمة شلوما بينغو طاقم الدفاع حتى تاريخ 25 مايو/أيار المقبل من أجل الاستئناف على القرار والعقوبة، بحسب ما أفاد رئيس طاقم الدفاع المحامي خالد الزبارقة الذي أوضح أنه تتم دراسة القرار وبحث إمكانية الاستئناف أو عدم الاستئناف على العقوبة الصادرة بحق الشيخ صلاح.
وذكر الزبارقة للجزيرة نت أن الحكم في “ملف الثوابت” قضى بالسجن الفعلي على الشيخ رائد صلاح 24 شهرا مع احتساب 4 أشهر مع وقف التنفيذ صدرت بحقه في ملف “خطبة وادي الجوز”.
كما سيجري تخفيض 11 شهرا من مدة الحكم قضاها الشيخ رائد في السجون الإسرائيلية خلال فترة التوقيف، مما يعني تبقي 17 شهرا من السجن الفعلي.
تصد للاحتلال
ويأتي الحكم على الشيخ صلاح بعد تصريحاته ضد سياسات الاحتلال الإسرائيلي ضد المقدسات والأقصى، ونصب البوابات الإلكترونية في العام 2017 قبالة أبواب المسجد الأقصى، حيث إنه أدين بموجب لائحة اتهام قدمتها النيابة العامة الإسرائيلية.
يذكر أن المئات من قادة الداخل الفلسطيني والأهالي من مختلف البلدات العربية رافقوا الشيخ صلاح خلال إصدار الحكم، علما أنه يخضع للإقامة الجبرية منذ عام ونيف، ويحظر عليه الحديث لوسائل الإعلام أو المشاركة في أي فعاليات.
واعتقلت الشرطة الإسرائيلية الشيخ صلاح من منزله في مدينة أم الفحم في أغسطس/آب 2017، ووجهت إليه لائحة اتهام من 12 بندا تتضمن “التحريض على العنف والإرهاب في خطب وتصريحات له”.
وقضى الشيخ صلاح 11 شهرا في السجن الفعلي، قبل أن يفرج عنه إلى سجن منزلي مع فرض الإقامة الجبرية، علما أنه تم تجديد ملاحقته بعد حظر إسرائيل في العام 2015 الحركة الإسلامية التي كان يرأسها بموجب قانون “مكافحة الإرهاب”.
سنوات من الاعتقال
واعتقل الشيخ صلاح -وهو من مواليد عام 1958- لأول مرة من قبل السلطات الإسرائيلية في العام 1981 بزعم الانتماء إلى منظمة محظورة اسمها “أسرة الجهاد”، حيث فرضت عليه الإقامة الجبرية لأشهر عدة.
ومنذ ذلك الحين تواصل المؤسسة الإسرائيلية ملاحقة الشيخ صلاح بفرض الإقامة الجبرية عليه، ومنعه من مغادرة البلاد ودخول القدس والضفة الغربية المحتلتين.
هذه الملاحقة لم تمنع الشيخ صلاح من مواصلة عمله النضالي وبروزه كقائد من مؤسسي المشروع الإسلامي في الداخل الفلسطيني، حيث انتخب في العام 1989 رئيسا لبلدية أم الفحم حتى العام 2001، إذ استقال من منصبه للتفرغ للقدس والأقصى.
وخلال عمله في البلدية أطلق مشروع “الأقصى في خطر” الذي تضمن تسيير حافلات “البيارق” إلى القدس، وإقامة مهرجان نصرة ودعم للأقصى، وإقامة جمعيات لدعم الأقصى وتعزيز صمود أهل القدس.
ملاحقة سياسية
وفي العام 1996 أعلن الشيخ صلاح الانشقاق عن الحركة الإسلامية وأسس حركة إسلامية ترفض المشاركة في انتخابات الكنيست، وعمليا كانت هذه بداية المواجهة الميدانية بين طرح وفكر الشيخ صلاح والمؤسسة الإسرائيلية.
وتجلت المواجهة بوضوح في العام 2000 إبان اندلاع الانتفاضة الثانية، إذ بادر إلى افتتاح بوابات المصلى الكبيرة في الأقصى، وترميم المصلى المرواني الذي تطلق عليه إسرائيل “إسطبلات سليمان”، حيث أفشل الشيخ صلاح مخططها لتحويل المصلى إلى كنيس يهودي تحت الأرض.
وعقب ذلك لجأت المؤسسة الإسرائيلية إلى التضييق على الشيخ صلاح وفرض الإقامة الجبرية عليه ومنعه من السفر في العام 2002 بقرار من وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي.
خطبة وادي الجوز
وتواصلت الملاحقة الإسرائيلية للشيخ صلاح الذي اعتقل في مايو/أيار 2003 بعد اتهامه وعدد من قادة الحركة الإسلامية من قبل النيابة العامة الإسرائيلية بتهمة تبييض الأموال لصالح حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وفي أغسطس/آب 2007 اعتقل الشيخ صلاح مجددا خلال حفل خيري في وادي الجوز، وذلك بعد تصديه لمخطط الاحتلال الإسرائيلي لهدم باب المغاربة واستحداثه بجسر عسكري.
وفي 6 أكتوبر/تشرين الأول 2009 اعتقل الشيخ صلاح في حي وادي الجوز في القدس، وأطلق سراحه لاحقا بعد أمر عسكري يحظر عليه دخول القدس والتواجد في المسجد الأقصى، وهو القرار الذي ما زال ساريا حتى اليوم.
مزاعم التحريض
لم تتوقف المحكمة الإسرائيلية عن ملاحقة الشيخ صلاح رغم إبعاده عن القدس والأقصى، ففي عام 2010 حكمت عليه محكمة إسرائيلية بالسجن 5 أشهر بذريعة التحريض، وذلك على خلفية خطابه في وادي الجوز عقب هدم تل باب المغاربة في العام 2007.
وجددت السلطات الإسرائيلية اعتقال الشيخ صلاح مطلع فبراير/شباط 2011 لمدة شهرين بتهمة التواجد في القدس، وفي يونيو/حزيران 2011 اعتقلته السلطات البريطانية في لندن بناء على شكوى منظمات مؤيدة لإسرائيل، وأفرجت عنه في 18 يوليو/تموز من نفس العام.
وفي العام 2013 حكم على الشيخ صلاح السجن لمدة 8 أشهر، بعد أن وجهت له النيابة العامة الإسرائيلية له تهمتي التحريض على العنف والتحريض على الكراهية، وتم سجنه على الرغم من إسقاط تهمة التحريض على الكراهية في محكمة الصلح.
لكن النيابة الإسرائيلية استأنفت على القرار، وطلبت إدانته بالتحريض على الكراهية، وسجنه ما بين 18 و40 شهرا بزعم التحريض في خطبة ألقاها في فبراير/شباط 2007 في وادي الجوز بالقدس، حيث تم قبول استئناف النيابة.