السودان .. سلام ليس من القلب!

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
كتب : محمد طلبة رضوان

يسأل ناشط سوداني على “تويتر”: لماذا لا تتعاطف جماعة “من قلبي سلام لبيروت” مع الخرطوم؟ الكارثة كبيرة، مئات الآلاف من البشر شُرّدوا، انهارت بيوتهم، فيضانات لم يشهدها السودان منذ مائة عام. وعلى الرغم من ذلك، غاب التعاطف الحقيقي، والوجع الحقيقي، وحضرت منشورات وتغريدات رسمية، “تقضية واجب”، تدعو للسودان، وتتمنّى السلامة للجميع، وتنصرف إلى موضوع آخر في سلاسة ويسر. في أحد الجيوب المتفرعة من شارع 26 يوليو، أحد أشهر شوارع وسط البلد في القاهرة، وبالقرب من تقاطع “يوليو” مع “الجمهورية”، حيث تحمل أسماء الأماكن والشوارع أطنانا من الدلالات، تعثرت في مقهى، لا يلتفت إليه أحد، على شهرة المكان، وظهوره، ومركزيته. جلست، وقبل أن أطلب شيئا، لاحظت استغرابا، على خفيف، من الجالسين. يبدو المقهى محجوزًا لرواده الدائمين. عليه يعرف بعضهم بعضا، يتنادون بالاسم. جاء النادل وطلبت شيئا، وتلفتُّ قليلا، أتأمل الوجوه من حولي، وأستمع إلى النقاشات، وفهمت. المقهى بالكامل من السودانيين، سفارة شعبية، نكشني أحدهم، وتكلمنا، أبديت اندهاشا من وجود قهوة بالخصوص للسودانيين في وسط البلد. لماذا، والبلد كلها بلدهم، نحن بلد واحد، والمنتظر أن يندمج السودانيون مع الجميع، ويجلسون إلى الجميع، هذا ما أفهمه، وأتوقعه، ابتسم الرجل في سخرية، لا تخلو من مرارة، وباغتني بالسؤال: ماذا تعرف أنت عن السودان؟ تحدّثت عن التاريخ، والدولة الواحدة، قبل ثورة يوليو، واقتطاع السودان، فقاطعني بدوره: دعك من التاريخ والأغاني، ماذا تعرف الآن، أراك تحمل كتبا، تبدو مثقفا، حسنا، لمن تقرأ من الكتاب السودانيين؟ هممتُ بالإجابة، لكنه كان أسرع وأذكى، وقال: غير الطيب صالح طبعا، فهو قديم ومشهور. هل تعرف شيئا مما نعرفه عن مصر، تفاصيل، شوارع، ميادين، أسماء مدن؟ هل زرت السودان، ولو مرّة من باب التعرّف إلى البلد؟ هل تقرأ صحيفة سودانية؟ هل يهتم إعلامكم بالشأن السوداني، الصراعات، الأحزاب، التيارات، حكم الإسلاميين، وقد تعاطفتم معه في بدايته، وكتبتم عنه في جرائدكم ومجلاتكم الإسلامية، وبشرتم به، وقلتم إن مجد الإسلام قادم من السودان، وذهب مشايخكم يهللون ويكبرون، ويؤيدون ويبايعون، ثم لم نر أحدا منكم بعدها؟ دعك من الدين والسياسة ووجع القلب، هل تعرف شيئا عن الفن السوداني، الغناء، الموسيقى، السينما، المسرح، الدراما، هل تعرف اسم مطرب واحد أو مطربة، ممثل أو ممثلة، لاعب كرة، أنت تعرف الهلال السوداني فقط، تعرفه بالاسم، “طشاش”، لأنه يلعب مع الأهلي والزمالك في البطولات القارية، ويُهزم، في الغالب، فهل تعرف شيئا آخر؟

كان الرجل حادّا، ومتحفّزا، على الرغم من طيبته الظاهرة. ولم تكن الصورة لديّ بهذه القتامة، كان لدي إجابات، وأسماء شعراء وروائيين آخرين، غير الطيب، وحكايات سودانية أخرى غير موسم الهجرة إلى الشمال. كدت أخبره باهتمامي بممثلة سودانية، هي حسنة سليمان. لعله هو نفسه لا يعرفها، ولا يعرف تاريخها الفني، وكفاحها، وعذاباتها في مصر، ورغبتها في فرصةٍ حقيقية، فرصة لتؤدي كممثلة، وليس كسمراء. يوظفها المخرجون المصريون في أدوار دنيا. كدت أستعرض ما جمعته عنها من معلومات، لكن قصتها لم تكن لتسعفني. كانت دليلا آخر على صدق ما يقول. لدي ما أقوله، لكنه ليس بالقدر الذي يهدّئه، أو يسكّن خواطره، أو يُسكته، أو يفقد كلامه منطقه. نحن لا نعرف شيئا، وإذا عرفنا فالحكايات كلها مؤذية، ومتعالية، بلا معنى.

السودان، حدودنا الجنوبية نحن المصريين، قطعةٌ منا، ثلث أمننا القومي، نصف أمننا المائي، فهل نعرف عنه ما يقترب من ذلك كله؟ لا يهتم إعلامنا، لا تهتم نخبنا، ولا نهتم بدورنا. مركزيتنا، حماها الله، تحول بيننا وبين أقرب جيراننا، بيننا وبين أنفسنا. المعلومات التي يعرفها القاهري، أو “البحراوي”، عن صعيد مصر، أقل مما يعرفه عن المنتخب القومي لكرة الماء، فمن أين له أن يعرف السودان أو غيره، ومن أين يأتي التعاطف ونحن لا نعرف شيئا، لا نريد، ولا يُراد لنا، من أين يأتي سلام من القلب إلى الخرطوم؟ حتى السلامات ادّعاءات.

اكتب تعليقك على المقال :