الحكومة والمعلمون.. ليسود العقل

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
كتب : فرج شلهوب

فرج شلهوب

أن يحصل المعلمون على بيئة عمل تقدر جهدهم ودورهم، وتوفر لهم ولأسرهم عيشا كريما، يتناسب مع خصوصية وظيفتهم ورمزية رسالتهم، امر لا يختلف عليه اثنان، فالتعليم اساس نهضة المجتمعات، والمعلم عماد العملية التعليمية واهم روافعها. وان يقرر المعلمون المطالبة بزيادة رواتبهم، او الضغط على الحكومة للوفاء بما التزمت لهم به من زيادة قبل اعوام، ايضا امر لا يماري فيه منصف.. حتى حين يقرر المعلمون التجمع امام رئاسة الوزراء لإسماع صوتهم.. والتأكيد على مطالبهم،  فهذا امر يكفله القانون وينظمه، وتسمح به كل الدول المحترمة التي تمارس الديموقراطية، وتحترم الانسان.. طالما ان ذلك يتم بصورة سلمية وحضارية، ولا يخرج عن منطوق القانون ، ولا يضر بمصالح الناس او يشوش على حياتهم.
فما الذي جرى الخميس الفائت بين الحكومة والمعلمين؟ واين اخطأت الحكومة.. واين وقع الخلل في اداء المعلمين؟
لست في معرض التقييم لما جرى، ولا توزيع شهادات حسن السلوك او سوئه على هذا الفريق او ذاك.. لكنني احاول ان اسلط الضوء على جملة من الحقائق، التي ينبغي ان تظل حاضرة حتى لا نضل الطريق.. او ان نحصد العاصفة بديلا عن ناضر الثمر، حكومة ومعلمين.. ومواطنين يتعاطفون او يراقبون.
– عسكرة الشوارع وملؤها بالجنود والحواجز والمتاريس .. واغلاق الطرقات على مساحة جغرافية واسعة ومبالغ بها، ولساعات طويلة لم يكن قرارا حكيما، واساء لصورة الحكومة وعكس حجم النزق في معالجتها لقضية مطلبية، واضر بمصالح المواطنين وادخل العاصمة في ازدحام واكتظاظ مروري غير مسبوق.
–  الاعتداء على تجمعات المعلمين بالدفع والضرب والملاحقة، واطلاق الغاز المسيل للدموع بكثافة عليهم، واعتقال العشرات منهم.. كان مشهدا مأساويا وتراجيديا بامتياز، لم تكن تحتاجه الحكومة، ولا يصب في مصلحتها، وأزّم الموقف واثار النفوس.. وترك جرحا غائرا في جبين الوطن..  وانتج صورة بائسة تدعو للغثيان.. لا تليق بالاردن وطنا ولا حكومة ولا ناسا طيبين. 
– تصاعد منسوب النزق، على الجانبين، وعدم القدرة على ادارة حوار عاقل ومنتج .. وغياب الاداء الاعلامي الهادئ والمسؤول .. كان اخفاقا بامتياز، فألف باء الادارة السياسية، وعنوانها الحكومة، والف باء الاداء التربوي وعنوانه المعلمون، كان ينبغي ان يقود لإنتاج شيء آخر مختلف، استيعابا ورشدا وعقلا.
– ثمة احتقان في جانب، وضيق صدر في جانب آخر.. ما كان لينتج غير ما شاهدنا من صورة مؤلمة حزينة وبئيسة. . وما لم يحضر العقل والفهم .. فإن الحصاد سيكون مرا على الجميع.. 
– عقلية المكاسرة في ادارة الشأن الوطني كحكومة.. او تحصيل الحقوق الشعبية كمواطنين، مدمرة وغير منتجة، ومن المهم ان يتذكر الجميع اننا لسنا في ساحة حرب، تجيش لها الحكومة كل امكاناتها هراوات ودخانا وحشودا عسكرية، ولا يغلق فيها -ايضا -المطالبون بالحقوق قلوبهم وعقولهم عن كل صوت للعقل والتبصر.. لسنا في معركة نتيجتها غالب او مغلوب، الامر ابسط واهون .. ولا بد للحكمة ان تحضر وان يحضر الفهم وتقدير المسؤولية.. ولا بد للتبصر وسعة العقل والصدر ان تسود.
المعلمون بحاجة لإنصاف، والحكومة ملزمة ان تفي بالتزاماتها.. والمعلمون عليهم ان يتمثلوا رسالة مهنتهم وان يظلوا عنوانا للرشد والقيم الرفيعة.. عنوانا للانضباط وتقدير المسؤولية وطولة البال.
ولا بد لحوار جاد وحقيقي ان ينطلق على الطريق.. يراعي ظروف اللحظة السياسية، ويستحضر المصلحة الوطنية، ينصف المعلمين وينزع فتيل ازمة.. لا مصلحة لأحد في تصعيدها ولا استمرارها.
الحكومة مطالبة قبل غيرها ان تتقدم خطوة.. وربما اكثر باتجاه المعلمين.. مطالبة ان تخرج من نزقها ومن بؤس المعالجات الامنية العقيمة.. والمعلمون مطالبون ان يكونوا عند حسن الظن بهم.. وفاء للوطن وتقديرا للمسؤولية.
لا يجوز ان يستمر الاحتقان يوما اضافيا، او ان يعاد انتاج مشهد الخميس البائس مرة اخرى.. تحت اي ظرف.. لنعطي كل الوقت للعقل لسعة الصدر والفهم.. وللاجراءات المسؤولة القادرة على احتواء الموقف.. وليتوقف النزق .. وليختفي الخطاب الاعلامي الخشبي.
التحديات التي تواجه الجميع كبيرة.. وكبيرة جدا.. وثمة تفاصيل كثيرة مجرد الحوار حولها كفيل بأن يبرد العقول الثائرة لتفيء للحق والعدل، ويمهد الطريق لإنتاج حل منصف متفهم ومسؤول، وثمة اولويات كبيرة ينبغي ان تحضر، وان تأخذ ما تستحق من مساحة.
حمى الله الاردن.. وطنا ومواطنين، واعلى مقام أهله ومعلميه.. وألهم الحكومة الصبر والحكمة والتبصر والتدبير.

اكتب تعليقك على المقال :

أحدث الأخبار