أضحى التعليم في الأردن من المهن الطاردة لجيل الشباب الباحثين عن عمل والطامحين بالتطور والارتقاء الوظيفي، حتى في ظل تمدد البطالة والوضع الاقتصادي الخانق.
فمهنة التعليم التي تبدأ فيها معلماً، وتنتهي بعد ثلاثين عاماً وظيفيا معلماً، وأن تلاعبوا بالألفاظ والمصطلحات وجملوا المشهد بكل أنواع المكياجات، فالفرص للتطوير والارتقاء الوظيفي غير متاحة الا لقلة قليلة، فلا تستغرب حين تعرف أن من بين مئة وستة آلاف معلم فقط مئة وعشرون معلما أتيحت لهم الفرصة للوصول لرتبة معلم خبير، رغم أنها رتبة معنوية، لا تضفي على صاحبها شيئا من تخفيف الأعباء الكتابية وأنصبة الحصص وغيرها.
ولذلك نجد أن ابداع المعلمين وجد بيئة راعية له في دول الجوار، فانطلق يعبر عن قدراته اللا محدودة يبني نهضة ويصنع فكرا ويطور علما وأسلوبا، لم يتح له داخل بلده.
فمن يقتل ابداع المعلم الأردني داخل وطنه، وما الذي يحد من انطلاقه وتطوره؟!
إن التطوير والتأهيل لا يكون بالكلام المعسول، والمسميات البراقة، فتراكم الأعباء على المعلم واستنزاف طاقته، وتشتيت جهده بين أعمال كتابية في زمن الأتمتة المعلوماتية، وبين اكتظاظ الصفوف، وغياب العدالة الوظيفية وتكافؤ الفرص، أثار الاحباط في نفس المعلم، ومنع حقيقة الأسباب الدافعة لتقدمه، وإن تغنينا بها ليل نهار، فكانت المعادلة فاشلة، وذلك لأن مدخلاتها مجرد عناوين براقة، وحقيقة الأمر في الواقع بنية تحتية متهالكة، وبيئة مدرسية غير آمنة، واكتظاظ في أعداد الطلاب في الصفوف، وتقليص لأعداد المعلمين، وتغليب فكرة التوفير والانحصار في زاوية النظرة المادية الضيقة، فبدل التعيين كانت فكرة المعلم البديل ” الإضافي “، بكل معاني الارباك وفقدان الأمن المعاشي والوظيفي للمعلم، وعدم الاستقرار التعليمي للطالب والمؤسسة التعليمية.
فكيف لنا بعد ذلك المطالبة بتحسين وتجويد مخرجات التعليم، ونحن نشوه المدخلات بالأفعال ونحسنها بالأقوال؟!.
إن أردنا تطويرا حقيقيا بحس وطني مسؤول، وجب علينا تخفيف الأعباء الوظيفية للمعلم التي تخرج عن حدود مسماه الوظيفي، واتاحة الفرص لكل من يرغب بالتطور والارتقاء الوظيفي دون عقبات وعراقيل تدخل فيها الحسابات المادية الضيقة، وضمان العدالة في التقييم على أسس توفير الحقوق وتأمين البيئة الآمنة المناسبة لممارسة مهنة التعليم.
فلنترك المعلم يبدع ويتألق داخل الغرفة الصفية مع طلابه، ولا نشتته ونثقله بالأعباء الإدارية، ولا نجعله في أدنى السلم الوظيفي في مؤسسته فتتعدد الأطراف التي تدعي المسؤولية عنه، ولنحرره من ضغط التقارير المرتبطة بالعلاقات الشخصية، ولنتيح له فرصة الحصول على حقه من الدورات دون الانتظار لسنين بانتظار الدور والشاغر، ولتتناسق العلاوات مع السنوات التي يفني عمره خلالها في بناء ونهضة أبنائنا ووطننا.
ألم يأن الأوان النظرة للمعلم أنه صمام أمان وخط الدفاع الأول في معركتنا ضد الإرهاب، ولأجل الحفاظ على ثقافة مجتمعنا ومنظومة عاداتنا وبنائنا القيمي في صناعة الولاء والانتماء.
سُئل إمبراطور اليابان ذات يوم، عن أسباب تقدم دولته في وقت قصير، فأجاب: ” بدأنا من حيث انتهى الآخرون، وتعلمنا من أخطائهم، ومنحنا المعلم حصانة الدبلوماسي وراتب الوزير. “