الإمام البنا عبقرية القيادة وإحكام البناء (2)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
كتب : إبراهيم اليماني

لقد كانت تجربته المبكرة، ومشاهداته المثيرة؛ عاملاً حاسماً في وضوح الرؤية وتحديد الهدف، وقد استفزته رؤية القوات المحتلة البريطانية جاثمة على صدور الوطن، وعايش الأخطار المحدقة بفلسطين والمسجد الأقصى، والمؤامرة الكبرى لإقامة كيان صهيوني في قلب الأمة، كما حركه ما رأى من أحوال الأمة في تمزقها وتفتتها وانقسامها، وتكالب الأعداؤ عليها، وآلمه تفشي البؤس والفقر والحرمان في السواد الأعظم من أبناء الأمة لحساب المستعمرين والفاسدين، وراعه تخاذل وفساد الكثير من الجهات السياسية والمتنفذة، مع ما سبق ذلك من سقوط لآخر خلافة إسلامية؛ مما جعله يفكر ليله ونهاره بما يجب عليه تجاه دينه وأمته ووطنه، بل وتجاه الإنسانية ككل؛ فانطلق في مشروع رائدواضح الغايات والمعالم والمنطلقات ورسم الخطط ووضع الآليات الدقيقة وخاطب الأمة والجماهير وسعى إلى بناء تنظيم يتحرك لذلك كله وهو دون الخامسة والعشرين من عمره.

أهم خصيصتين وركزتين في دعوة البنا:

ومهما أردنا أن نتكلم عن الإمام البنا ودعوته وخصائصها، وأسرار النجاح والعطاء فيها، وآثارها؛ فلن نحيط بها، لكننا يمكن أن نرجع سر دعوة البنا ونجاحها إلى أمرين اثنين:

الركيزة الأولى:

المواهب الشخصية الخاصة، والصفات العلياللإمام البنا، مع تكاملها، وتفردها فيه بين أقرانه، وما تفرد به من طاقات ومؤهلات، وما امتاز به رحمه الله من خصائص، ولذا كانت هذه القضية من أهم ما لفت نظر عارفيه فيه.

ومن ذلك ما كتبه الإمام العلامة أبو الحسن الندوي بعد استعراضه لأوضاع مصر والشرق العربي في كلمة مطولة عن الإمام البنا، وكان مما جاء فيها: ((إن كل من اتصل بالإمام البنا عن كثب لاعن كتب،وعرف فضل هذه الشخصية التي قفزت إلى الوجود وفاجأت مصر ثم العالم العربي والإسلامي … [الشخصية] التي جمع الله فيها مواهب وطاقات … ومنها العقل الهائل المنير، والفهم المشرق الواسع، والعاطفة القوية الجياشة، والقلب المبارك الفياض، والروح المشبوبة النضرة، واللسان الذرب البليغ، والزهد والقناعة، والحرص وبعد الهمة، دونما كلل، في سبيل نشر الدعوة والمبدأ، والنفس الولوعة الطموح، والهمة السامقة الوثابة، والنظر النافذ البعيد … والتواضع في كل ما يخص النفس .. وقد تعاونت هذه الصفات والمواهب في تكوين قيادة دينية اجتماعية لم يعرف العالم العربي وما وراءه قيادة دينية سياسية أقوى وأعمق تأثيراً وأكثر إنتاجاً، وفي تكوين حركة إسلامية يندر أن تجد في دنيا  العرب خاصة حركة أوسع نطاقاً وأعظم نشاطاً وأكبر نفوذاً ..)).

و لعلّ هذه المعاني جعلت الأمير المجاهد عبد الكريم الخطابي يقول مبيناً بعض معالم شخصية البنا الفذة((ويح مصر وإخوة أهل مصر مما يستقبلون جزاء ما اقترفوا، فقد سفكوا دم ولي من أولياء … ترى أين يكون الأولياء إن لم يكن منهم بل في غرتهم حسن البنا …)).

وأكد هذه الحقائق الشيخ العلامة محمد الحامد علم أعلام مدينة حماه في سوريا، وقد التقى البنا في مصر ولازمهفترة من الزمن فقال((إن المسلمين لم يروا مثل حسن البنا منذ مئات السنين في مجموع الصفات التي تحلى بها وخفقت أعلامها على رأسه الشريف، لا أنكر إرشاد المرشدين وعلم العالمين، ومعرفة العارفين، وبلاغة الخطباء والكاتبين، وقيادة القائدين، وتدبير المدبيرن، وحنكة السائسين، -لا أنكر هذا كله عليهم من سابقين ولاحقين- ولكن هذا التجمع لهذه المتفرقات من الكمالات قل ما ظفر به أحد كالإمام الشهيد رحمه الله، عرفه الناس وآمنوا بصدقه، وكنت واحداً من هؤلاء العارفين به … إنه كان لله بكليته، بروحه وجسده، بقلبه وقالبه، بتصرفاته وتقلبه، كان لله فكان الله له، واجتباه وجعله من سادات الشهداء الأبرار)). 

كما انتبه إلى هذا الجانب المهم_ أعني ما يتصل بخصائص شخصية البنا ووصفاته العليا، وأثرهافي بناء الدعوة والحركة والأجيال والتجديد _ انتبه إلى ذلك الشيخ الدكتور مصطفى السيباعي (المراقب العام الأسبق للإخوان المسلمين في سوريا)فقال((ليس للعظمة مقياس خاص، فقد يكون العظيم عالماً أو فاتحا أو مخترعاً أو مربياً روحياً أو زعيماً سياسياً، ولكن أجدر العظماء بالخلود هم الذين يبنون الأمم وينشؤون الأجيال ويغيرون مجرى التاريخ؛ وحسن البنا كان أحد هؤلاء الخالدين بل هو في رأيي أبرز الخالدين في تاريخ الإسلام في القرن الرابع عشر … لأنه الرجل الذي بنى دعوةً وأنشأ جيلاً، وهز تاريخ مصر الحديث خاصة والشرق العربي عامة هزاً عنيفاً ما تزال الأحداث تتأثر بمجراه …)).

كما أشار إلى هذه المعاني الأستاذ عدنان سعد الدين( المراقب العام الأاسبق للإخوان في سوريا) فقال: ((لقد تضافرت عوامل عدة في تكوين شخصيته الفذة من عقل راجح، وذكاء حاد، وبديهة حاضرة، وقلب كبير، وإحساس مرهف، وذاكرة عجيبة، وفراسة تنظر بنور الله.

لكن مفتاح شخصيته في ذلك كله الزهد ونكران الذات، والخروج من سلطان الدنيا وتحرره من التفكير بها أو الاهتمام بشأنها أو متاعها)). يحركه في ذلك كله إخلاص عجيب وصدق  قل نظيره إلا عند الأولياء الصالحين اتباع الأنبياء والمرسلين. (انظر: الإمام الشهيد حسن البنا بأقلام معاصريه وتلامذته، ص 230  232، بتصرف).

ومن ثم ّ كان بعض علماء العصر يعدذ الإمام البنا مجددالقرون السبعة الماضية، ويعده أنه وصل إلى رتبة الاجتهاد، إذ أعطته النفس  مقاليد القيادة كاملة، ومنحته الثقة المطلقة بشخصه؛ إذ أساس الإنطلاق لأي فكرة إنما هو الثقة بشخص المؤسس، وكيف لا تكون كذلك في حق البنا وقد أقر له بها من هم أمثال الجبال في الثقة من رواد الفكر الإسلامي المعاصر سواء من تلامذة مدرسته، أو أقرانه و محبيه، أو من خصومه.

اكتب تعليقك على المقال :