الحكومة الحالية أكملت أخر سطر كتبته الحكومة السابقة، فأول قراراتها كان التمسك بالحظر الشامل يومي الجمعة والسبت بناء على قرار خلية الأزمة في المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات.
أولا، كنا نتوقع أن يكون قرار الحكومة بناء على توصياتها ودراساتها هي وليس بناء على تسيب خلية الأزمة فالحكومة هي صاحبة الولاية وليست خلية الأزمة، وهذه أولى خطوات التنازل والسير في الخط التقليدي الذي يورث الندم بعد فوات الأوان.
الأهم من ذلك وهو ما يأتي ثانيا، حيث جاء قرار الحكومة المبكر بالبقاء على الحظر يومين في الأسبوع وكأنه تراجع ونكوص من الحكومة عن أهم بند في كتاب التكليف وفي رد الحكومة على كتاب التكليف وهو “.. والتصدي لهذا الوباء بالموازنة بين صحة المواطن وديمومة العمل والإنتاج وتقليل التبعات على الاقتصاد الوطني”.
الحكومة لم توازن بقرار الحظر الشامل أبدا بين الصحة والاقتصاد.
فيوم الجمعة والسبت هما يوما عمل أساسيان للكثيرين وللكثير من المهن، من بينها الأسواق الشعبية التي يستغلها التجار من أجل عرض بضاعتهم وبسطاتهم، والحظر يوم الجمعة سيمنع من يعملون في هذه الأسواق من عرض بضاعتهم لأن يوم الخميس غير كاف وغير مجدي اقتصاديا، تحميل وتنزيل ثم بعد ساعتين تحميل البضاعة من جديد وأجرة شغيلة ونقل.. “الله الغني”.
ومعظم المطاعم والمقاهي تعتمد في إيراداتها على أيام الخميس والجمعة والسبت، وباقي أيام الأسبوع “تسليك حال”، وهذا يعني أن هذا القطاع أصيب بالشلل، كما أن المطاعم الشعبية تبدأ في التحضير ليوم الجمعة من مساء يوم الخميس، فمبيعاتها الرئيسية تبدأ من ساعات صباح يوم الجمعة وحتى ما قبل صلاة الظهر بقليل. وفي المساء تبدأ حركة أخرى نشطة، نضيف إلى هذا القطاع المخابز التي يقتصر عملها الأساسي يوم الجمعة على المناقيش والمعجنات ومعها عشرات محلات المعجنات.
سنضيف أيضا قطاع النقل العام من باصات وسرفيس وخصوصا التاكسي الأصفر حيث من المتفق عليه أن إيراد يوم الجمعة هو من نصيب السائق الذي حرم وعائلته من هذا الدخل المضمون، وسنضيف أيضا قطاع الخدمات من دواجن وطيور وخضار وغيرها .
ويكاد أن يكون يوم السبت هو يوم الكراجات فمعظم المواطنين يستغلون يوم السبت لتصليح سياراتهم وزيارة الميكانيكي، وأيضا الذهاب إلى الحلاق ومراجعة الأطباء والمستشفيات، وغيرها من مئات المهن التي تعتبر يومي الجمعة والسبت يومان من أيام الرزق الواسعة.
الحكومة الحالية مثل الحكومة السابقة تعرف تماما أن الإغلاقات غير قابلة للاستدامة لأن الفيروس سيبقى بيننا يعربد ويتحدى ويتلاعب بنا إلى حين اكتشاف لقاح وعلاج له وهو أن وجد قبل نهاية العام الحالي لن يصل إلينا بكميات قبل منتصف عام 2021. الإغلاق يشير إلى أننا نعاني من فشل في السياسات أو عدم وجودها أصلا، والأخطر فشل متوقع للنظام الصحي.
والواقع إن الحكومة لم تتراجع بعد أقل من 48 ساعة على تكليفها فقط عن “الموازنة بين الاقتصاد والصحة” وإنما تراجعت عن تعهد أخر في غاية الأهمية تضمنه كتاب التكليف وردها عليه وهو كما جاء في النص..”تدرك (الحكومة) أن ثقة المواطن بإجراءاتها هو ما يمنحها الأمل بالانتصار على هذا الوباء، وأن ذلك يحتاج إلى الاعتماد على سياسات علمية مبنية على المعلومة الصحيحة والدقيقة، وهذا ما ستلتزم الحكومة بالقيام به بشكل دقيق وأمين”.
لم تقل لنا الحكومة ما هي السياسات العلمية المبنية على المعلومة الصحيحة والدقيقة التي اعتمدت عليها في الإغلاق، وكيف ستعيد ثقة المواطن بقراراتها في هذا الشأن.
لقد انتصرت ايطاليا التي كانت في وضع كارثي بداية المرض على “كوفيد19” وأصبحت من الدول التي يشاد بها إلى جانب ألمانيا سنغافورة وتايوان وأستراليا ليس بنظامها الصحي فقط وليس بالإغلاقات وإنما بوعي مواطنيه الذين كانوا جزء من المعركة حيث تركتهم أمام مسؤولياتهم ولم تتعامل معهم كأنهم قصر أو جهلة أو غير مدركين لخطورة المرض.
الحل الوحيد المتاح حاليا هو الإدارة الشعبية لأزمة “كوفيد19” بدونها لن ينجح أي إغلاق سواء كان ليومين أو حتى لعام كامل، عندما يقتنع المواطن بالتباعد الاجتماعي ولبس الكمامة والتعقيم وغسل اليدين، عندها فقط “ينشف” الفيروس.
وهذا يحتاج إلى سياسات حكومية تعيد ثقة المواطن بها ، فالغالبية تعتقد أن الأرقام الرسمية وخصوصا في الوفيات غير حقيقة وزائفة.. على الحكومة أن تعرف كيف تخاطبنا في هذا الشأن. وكيف تنتصر معنا.