الإخوان والدولة.. علاقة تاريخية مستقرة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
كتب : كاظم عايش

يخطئ من يظن أن العلاقة بين الإخوان والدولة الأردنية ستصل إلى حالة من القطيعة, فهذه العلاقة نسجت على مدار أكثر من سبعين عاما، وكان فيها محطات تاريخية لا يمكن التغاضي عنها، كان لها الأثر الكبير في ترسيخ هذه العلاقة واستمرارها، رغم التباينات في المواقف التي حصلت على مدار هذا التاريخ.

العلاقة التي نسجت بين الدولة والإخوان كفكرة وتنظيم، قامت على أسس عميقة، فالدولة الأردنية تستمد شرعيتها من الإسلام، وهي تلتقي مع الإخوان في هذا البعد، فأبناء الشريف حسين بن علي ينتسبون إلى سلالة استمدت شرعيتها وحضورها منها، وهذه شرعية دينية، ولذلك، فمن المستبعد أن يحدث الخلاف بين الإخوان والدولة لأسباب تتعلق بالدين، ولهذا فإن برنامج الإخوان الإصلاحي الذي حملوه على الدوام لم يسبب الحساسية لدى الدولة الأردنية، هذا مع الأخذ بعين الاعتبار أن الشعب الأردني متدين بطبيعته وفطرته، ولهذا وجد الإخوان حاضنة شعبية لدى شرائح واسعة، وحتى المسيحيين لم يكن بينهم وبين الإخوان أي مشكلة، فهم كمواطنين عاشوا مع المسلمين بانسجام متميز ليس له نظير في أي مكان آخر, وقد أنشأ الإخوان موقفا إيجابيا في هذا البعد.

الموقف من فلسطين والقدس أيضا شكل دعامة من دعائم الدولة الأردنية، فالقدس هي أحد أهم ركائز الموقف الأردني، والإخوان كانوا دائما داعمين لهذا الموقف، كما هو الحال بالنسبة لفلسطين، وان تباينت المواقف لاحقا بشأن اتفاقية السلام في وادي عربة، وسببت تباعدا بين الموقفين، ووضعت الإخوان في خانة المناكفين للدولة بسبب رفضهم المبدئي للاعتراف بالاحتلال الصهيوني لفلسطين.

إن المحاولات الحثيثة من قبل أنظمة عربية لتحريض الأردن على الإخوان باءت كلها بالفشل، ابتداء من مصر الناصرية، وانتهاء بالموقف الخليجي الذي أراد أن تكون الأردن معه في تصنيف الإخوان ضمن الحركات الإرهابية, فتاريخ الإخوان في الأردن وعلاقته بالدولة لا ينسجم مع هذا التوجه الإقليمي الخاضع للرغبة الصهيوأمريكية، وهو أيضا سيكلف الدولة الأردنية ثمنا هي في غنى عنه، ولا تحتاج إليه, ولقد فوت الإخوان على هذه المحاولات فرصتها بانتهاج سياسة حكيمة حتى أثناء موجة الربيع العربي، فقد رشد الإخوان المطالب الجماهيرية كي لا تتعدي شعار إصلاح النظام لا تغييره، ورغم الهفوات التي حصلت, إلا أن العلاقة بقيت في حدود المعقول ولم تنجرف إلى العداء السافر, وقد يستحسن هنا أن نستحضر موقف الإخوان في الخمسينات والسبعينات، وهي مفاصل كان الإخوان فيها على محك حقيقي، أثبتوا من خلالها أنهم عقلانيون بما يكفي للمحافظة على الدولة وعلى أنفسهم، وأن تحترم الدولة وتقدر هذه المواقف، ولا تنساق وراء مطالب الآخرين في شيطنتهم وتوتير العلاقة معهم.

الإخوان ليسوا مجرد تنظيم عابر في الأردن، لقد أصبحوا جزءا من تركيبة الدولة الأردنية السياسية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية، بنوا مؤسسات وشخصيات وعلاقات من الصعب تجاهلها أو التنكر لها، ولم يذهبوا بعيدا حين اختلفوا معها، ولهذا فإن العلاقة بين الدولة والإخوان مرشحة للبقاء والاستمرار والاستقرار رغم كل شيء، فحركة قامت على أسس دينية واجتماعية وفكرية لا يمكن انتزاعها من بيئتها وحاضنتها بقرارات سياسية أو رغبات لجهات خارجية.

اكتب تعليقك على المقال :