د. علي العتوم
دروس مسجدية (للتربية والتوجيه) (206)
(عن أمير المؤمنين أبي حفصٍ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه, قال: سمعتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلّم – يقول: “إنّما الأعمالُ بالنيّاتِ, وإنّما لكُلِّ امرئٍ ما نَوَى, فَمَنْ كانت هجرتُه إلى اللهِ ورسوله فهجرته إلى اللهِ ورسولِه, ومَنْ كانت هجرته لدينا يُصيبُها أو امرأةٍ ينكحها فهجرته إلى ما هاجَرَ إليهِ”). متفق عليه.
رياض الصالحين, الباب الأول في الإخلاص الحديث الأول ص3.
تعليقات:
1. التعريف:
الهجرةُ هنا تعني الانتقال من مكانٍ إلى آخر لعملٍ مّا, وقد ينصرفِ الذهن عندما تُذكَرِ الهجرة إلى الهجرةِ من مكّةَ إلى المدينة, وهذه ينطبق عليها نصّ الحديث كذلك, فإنْ كانت لله فهي مأجورة ومبرورة وإنْ لغيرِه فهي موزورةٌ غيرُ مأجورةٍ. ومعلومٌ أنَّ الهجرة من مكّةَ إلى المدينة انقطعتْ بالفتح, بعد أنْ كانت لازِمة قبل ذلك لدعمِ الدولة الإسلامية الجديدة في المدينة. وفي الحديث: (لا هجرةَ بعدَ الفتحِ, ولكنْ جهادٌ ونيّةٌ, وإذا اسْتُنْفِرْتُمْ فانفِرُوا). وقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلّم في المدينة رجلاً هاجر إليها من مكّة, وكان ذلك تحقيقاً لشرط امرأةٍ عليه, خَطَبَها تُدْعى أُمّ قيس, فسمّاه الرسول صلى الله عليه وسلم عندما رآهُ بمهاجِر أمّ قيسٍ, لأنَّ هجرته كانت لأجلها!!
2. المعاني:
إنّما: أداة حصر وقصر. النيّة: العقد الذي يبعث على العمل,وهي في القلب لا يعلمها إلاّ الله. لكُلِّ امرئٍ ما نوى: له أجر على قدرِ نيّته صلاحاً أو طلاحاً. هجرته: حركته وعمله. لله: ولرسوله: خالِصة في سبيل الله. ينكحها: يتزوجها, قال تعالى: (فانكِحُوا ما طابَ لكُمْ مِنَ النِّساءِ).
3. ما يستفاد من الحديث:
أ.النية هي التي تحدِّد قيمة عمل الإنسان عند ربِّه وما يترتّب على ذلك من جزاءٍ. ثواباً أو عقاباً, قبولاً أو ردّاً.
ب.بما أنَّ النيّةَ لا يعلم حقيقتها إلاّ الله, وهو الذي لا يقبلُ من العمل إلاّ ما كان خالِصاً له, فعلى المرءِ أنْ يحرِصَ أنْ يمحضَ هذه النيّة له وحده سبحانه وليسَ لأحدٍ غيره, لأنّها عندئذٍ ستكونُ رياءً, وهو نوعٌ من الشرك, واللهُ عزّوجلّ كما قال في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك, فَمَنْ أَشْرَكَ معي غيري وكلتُه إليه) أو كما قال.
ج. لما كانت النياتُ في عصور الإسلام الزاهرة من أعمال المسلمين بريئةً في القصدِ من غير وجهه الكريم كان مجتمعهم فاضلاً, شَهِدَ له الرسول صلى الله عليه وسلم بالخيرية, فلمّا أصبحتِ مدخولةً صار مجتمعهم مُفكَّكاً وتكالبتْ عليهم أُمَمُ الكفر, فاغتصبوا ديارَهم, وداسوا مقدّساتهم, وانتهكوا حرماتهم, وأضحوا ذيلاً في الرَّكْبِ العالمي.
د. من الأحاديث النبوية الدالة على هذا المعنى غيرِ هذا الحديث, قولُه – صلى الله عليه وسلّم, كما ترويه عنه السيِّدة عائشة رضي الله عنها -: (يغزو جيشٌ الكعبةَ, فإذا كان ببيداءَ من الأرضِ يُخسَف بأولهم وآخرهم. قالت, قلتُ: يا رسولَ الله, كيفَ يُخسَف بأولهم وآخرهم, وفيهم أسواقهم ومَنْ ليسَ منهم؟! قال: يُخسَفُ بأولهم وآخرهم, ثُمَّ يُبْعَثونَ على نيّاتهم).