حينما نستخدم كلمة الاردن في الحديث عن العلاقات , فاننا بالطبع نتحدث عن الاردن الدولة (الارض والشعب والنظام السياسي), وقد شاء الله أن تتشكل هذه الدولة بالطريقة التي نراها الآن , حكم هاشمي عروبي اسلامي , وشعب متنوع الاعراق من ضفتي النهر ومن دول عربية واقليات عرقية , ولكنها شكلت الاردن القوي المتسامح المتعايش النابض بمشاعره العربية والاسلامية والوطنية , بالرغم من وجود بعض العناصر التي تحاول تعكير صفو هذه التركيبة الديمغرافية بدفع من قوى دولية واقليمية , بل وصهيونية أحيانا , حتى لا يتسنى للاردن أن يأخذ مكانته الطبيعية في المنطقة والاقليم , وهي مكانة مهمة ومؤثرة وتشكل خطورة حقيقية على مصالح المتربصين والعابثين.
ومن منظور ايديولوجي عروبي واسلامي , فإن أقرب الرؤى الى ضمير الاردنيين وتفكيرهم ومشاعرهم ومصالحهم , هي رؤية الفلسطينيين الذين يؤمنون بالتمسك بالثوابت الوطنية للشعب الفلسطيني , وأن فلسطين من نهرها الى بحرها هي حق للفلسطينيين , وأن حق العودة هو حق ثابت قانوني وشرعي لا يمكن التنازل عنه , وأن حق المقاومة للإحتلال هو أيضا حق تعترف به الشرعة الدولية وكل منصف في هذا العالم , وأن الكيان الصهيوني كيان طاريء غير قابل للحياة والاستمرار في هذه المنطقة , وأنه يشكل خطرا على كل الاقليم , وأنه أحد أسباب التوتر الدائم وغياب السلم , وأنه يحول دون تقدم الاردن وازدهاره في كل النواحي , بل هو سبب في كثير من الاشكالات التي تنشأ في دول الطوق والاقليم بشكل أو بآخر.هذه الرؤية تجعل دور الاردن مهما , وتحميه من أوهام الوطن البديل وكل الاحلام الصهيونية المتطرفة.
إن كون حماس تحمل الفكرة الاسلامية والرؤية الاسلامية في مشروعها الوطني , يجعلها الأقرب دائما الى الشعوب العربية والاسلامية , ولذا فإن العلاقة التي تربطها بالاردن , كما سائر الأقطار العربية , هي علاقة الأخوة والمصالح المشتركة , إضافة الى أن الشعب الاردني يرتبط بفلسطين ارتباطا جغرافيا وتاريخيا ومصيريا وعاطفيا , وتتداخل قبائله ومصالحه بشكل لا يمكن تفكيكه أو تمييزه , ولذلك تجد الاردن الاسرع استجابة لما تتعرض له فلسطين , والاعمق شعورا بالأخطار التي تتهدده , وهذا ما ظهر جليا في معركة سيف القدس , حين تداعت الاردن بكل مكوناتها للوقوف صفا واحدا الى جانب فلسطين , وهذا هو الموقف الحقيقي الذي يجب أن نبني سياساتنا عليه, ونحدد علاقاتنا بما ينسجم معه.
حماس الآن أصبحت عنوانا فلسطينيا لا يمكن لأحد أن يتغافل عنه , فهي التي صنعت حالة مختلفة عن مسارات التخاذل التي رسمتها سياسات التفاوض العبثي مع كيان غاصب متغطرس لا يعرف الا لغة القوة , وأثبتت بما لا يدع مجالا للشك , أن بإمكان الفلسطينيين والعرب أن يغيروا ويخرجوا من حالة التخلف والهوان التي رافقت مسيرتهم في التعامل مع الكيان الصهيوني , وأن هذا الكيان ليس بالصورة التي رسمتها آلة الدعاية الصهيونية , وأنه يمكن هزيمته وتهديده , بل ومحاصرته ودحره, تمهيدا لكنسه من كل فلسطين , ولذا فإن الواقعية السياسية تفرض أن نتعامل مع حماس بشكل مختلف , فهي ليست مجرد تنظيم , بل أصبحت حالة فلسطينية تقود ضمير الشعب الفلسطيني التواق للحرية والعودة والتحرير , بل وتمثل ضمير الشعب العربي من المحيط الى الخليج , وضمير الشعب المسلم من طنجة الى جاكرتا ورغبته في النهوض والتحرر من كل قوى البغي التي أعملت فيه فسادا وفرقة وتوهينا لعقود من الزمن .حماس لا يمكن تصنيفها حركة إرهابية وهي الآن تحظى بتأييد الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج , لأنها تدافع عن فلسطين , كل فلسطين , وتقدم الكثير وتتحمل الاذى من القريب والبعيد , وتستمد شرعيتها من مقاومتها وبذلها والتفاف الشعب الفلسطيني والعربي والمسلمين وأحرار العالم من بعد.
لأجل هذا كله , لا بد من التعامل مع حmاس بما تمثله على أرض الواقع , لا بما ينظر به اليها الصhاينة ومن يدور في فلكهم , ومن لا يعجبه نهج المقاومة والتحرر من ارادة الأعداء .
مهمة الأحرار في هذا العالم أن يتحدوا ويتعاونوا على الخير , حتى تسود قيم العدالة , وتعود الحقوق الى أصحابها , وهذا هو المعيار الأهم في حياة البشر.